من هي الفرنسية المختطفة في مالي

-A A +A
اثنين, 2016-12-26 10:48

يعرفها الجميع في مدينة غاو، كبرى مدن شمال مالي، عجوز فرنسية تنشط في مجال مساعدة أطفال المدينة الذين يعانون من سوء التغذية، تتحدث دوماً إلى النساء عن ضرورة الاعتناء بصحتهن، من دون أن تقدم مبررات حقيقة لوجودها في واحدة من أخطر مدن العالم بالنسبة للرعايا الغربيين. 
  
إنها "صوفي بيترونيان" المواطنة الفرنسية-السويسرية البالغة من العمر 66 عاماً، قضت منها 25 عاماً في مالي، ولكنها تقطن في مدينة غاو منذ عشرين سنة، قبل أن يتم اختطافها أمس السبت من طرف مجهولين، اقتادوها تحت تهديد السلاح إلى جهة غير معروفة، لتتحرك في أعقابها آلة عسكرية فرنسية هائلة مدعومة بجيوش دول الساحل الخمس، ولكن فيما يبدو أن الصحراء ابتلعت العجوز الفرنسية وخاطفيها. 
  
مصادر "صحراء ميديا" في المنطقة تؤكد أن عدة أشخاص ملثمين، ومدججين بأسلحة رشاشة، وصلوا إلى بيت صوفي، واقتادوها من داخله بالقوة قبل أن يغادروا المدينة بسرعة كبيرة، من دون أن يتركوا وراءهم أي أثر يمكن أن يدل على هويتهم أو وجهتهم، سوى أنهم خططوا بعناية للعملية وكانوا يعرفون أدق التفاصيل عن ضحيتهم. 
  
استنفار عسكري 
  
حالة من الاستنفار شهدتها مدينة غاو، التي تعد واحداً من المراكز المتقدمة والمهمة في الحرب التي تشنها فرنسا ودول الساحل الأفريقي على "الإرهاب"، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية ساعات بعد الاختطاف: "بالتعاون مع السلطات المالية، قمنا بتعبئة كل الإمكانيات من أجل العثور على المختطفة وتحريرها في أسرع وقت ممكن"، كما قال مصدر عسكري إن "جنودا فرنسيين من قوات بركان يشاركون في عمليات البحث على الحدود المالية". 
  
وتأتي عملية الاختطاف بعد أيام من مناورات عسكرية نظمتها قوات "بركان" الفرنسية لصالح وحدات من الجيش النيجري والمالي، الهدف منها تدريب قوات البلدين على سهولة الحركة في المنطقة والتحرك بسرعة لاختراق المناطق الحدودية المشتركة من أجل ملاحقة أي "إرهابيين" محتملين، وذلك بمشاركة 550 جندياً من مالي والنيجر، وبقيادة فرنسية تتمركز في مدينة غاو. 
  
وشاركت في المناورات التي كانت تحمل اسم "غاريكو" وشبيهة بعملية الاختطاف والملاحقة، آليات عسكرية خفيفة وثقيلة، بالإضافة إلى طائرات ميراج 2000، انطلقت من المطار العسكري في العاصمة النيجرية نيامي.

 

 

رفقة مجموعة من نساء غاو
رفقة مجموعة من نساء غاو
قصة صوفي 
  
بدأت قصة صوفي بيترونيان مع مدينة غاو عام 1996، عندما زارتها للمرة الأولى وقررت منذ ذلك الوقت أن تكثر من زيارة هذه المدينة لأغراض إنسانية، وأسست من أجل ذلك جمعية مختصة في مساعدة سكان المدينة تنشط بشكل أساسي في فرنسا وسويسرا، بدأت نشاطها رسمياً عام 1998. 
  
في عام 2000 أجرت صوفي تكويناً في المجال الصحي، خاصة فيما يتعلق بأمراض سوء التغذية لدى الأطفال، ومختلف أنواع الأمراض الاستوائية، وبعد ذلك بعام واحد انتقلت بشكل نهائي للعيش في غاو، وبدأت بالفعل أنشطتها الإنسانية اعتماداً على تمويلات قادمة من أوروبا، وتحديداً من فرنسا وسويسرا. 
  
في عام 2003 استقالت صوفي من جمعية مساعدة سكان غاو، وأسست بعد ذلك بعام منظمة غير حكومية تحت اسم (AAG) مختصة في مساعدة الأطفال المصابين بسوء التغذية، وهي منظمة حاصلة على اعتماد من طرف الأمم المتحدة، وتحظى بتقدير كبير من طرف السلطات المالية. 
 
 

 

في فرنسا رفق ابنها وأحفادها عام 2012
في فرنسا رفق ابنها وأحفادها عام 2012
الفرار من غاو 
  
بعد اندلاع التمرد في شمال مالي عام 2012، وتصاعد أعمال العنف ضد الجيش الحكومي وانسحابه من شمال البلاد على وقع الهزائم المتكررة، والانقلاب الذي وقع في العاصمة باماكو، كانت مدينة غاو آخر المعاقل التي سقطت في يد الحركات الوطنية المسلحة، تتقدمها الحركة الوطنية لتحرير أزواد، ولكن شبح الجماعات الإسلامية المسلحة كان يخيم على المدينة المهمة. 
  
في تلك الأجواء المتوترة لجأت صوفي إلى مبنى القنصلية الجزائرية في مدينة غاو، حيث كانت شاهدة على اختطاف سبعة دبلوماسيين جزائري، من ضمنهم القنصل، يوم 05 أبريل 2012، ولكنها تمكنت من الفرار عبر البوابة الخلفية للقنصلية لتختبئ لدى عائلة من السكان المحليين لعدة ساعات. 
  
ولكن الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي تسيطر على مناطق واسعة من المدينة آنذاك، أقنعت المواطنة الفرنسية بمغادرة المدينة لأن بقاءها يشكل خطراً على حياتها، ويعرضها لاحتمال الخطف، وبالفعل تمكنت الحركة من نقل المواطنة الفرنسية إلى الحدود الجزائرية. 
  
كان خروج صوفي من مدينة غاو في ليلة صاخبة أشبه ما يكون بالأفلام السينمائية، فتقول في مقابلة صحفية عقب وصولها إلى فرنسا، أنها تناولت العشاء تلك الليلة على مائدة القائد العسكري للحركة الوطنية لتحرير أزواد، قبل أن تصعد على متن سيارة رباعية الدفع قطعت شوارع غاو بهدوء، مع سيارة أخرى توفر الحماية من بعيد، ومن دون إنارة خوفاً من لفت انتباه الحركات الإسلامية التي بدأت تنشط بقوة في المدينة. 
  
تتحدث صوفي عن رحلتها فتقول: "لقد قطعنا الصحراء باتجاه الجزائر في ليلة واحدة، مع أنه في الحالة العادية كان سيتوجب علينا قطعها في ثلاثة ليالٍ، لقد كانت السيارة تسير بمعدل سرعة يصل إلى 130 كيلومتراً في الساعة"، قطعت السيارتان 600 كيلومتر، مع توقف لمدة ساعة واحدة، إنها رحلة لا يمكن أن تتكرر، على حد وصف صوفي. 
  
على الحدود الجزائرية كانت طائرة عسكرية فرنسية في انتظارها، نقلتها إلى العاصمة الجزائر، حيث كان في استقبالها السفير الفرنسي هناك، قبل أن تتوجه إلى فرنسا حيث قضت عدة أشهر رفقة ابنها وزوجته وأولاده، إلا أنها عادت إلى غاو بعد التدخل الفرنسي مطلع 2013. 
  
كانت صوفي تدرك حجم الخطر الذي تعرض نفسها له بإقامتها في مدينة غاو التي أصبحت تعدها مدينتها الأولى، خاصة بعد أن شيدت منزلها الخاص في أحد أحياء المدينة عام 2004، ولكن ابنها سيباستيان الذي عارض بقوة عودتها قبل ثلاث سنوات إلى مالي، يؤنبه ضميره الآن لأنه تركها تعود. 
  
ذلك ما نقلته صحف فرنسية حاولت الحصول على تصريح منه اليوم، فرد عليهم: "لا يمكنني الإدلاء بأي تصريح لأسباب أمنية، لقد تلقيت تعليمات واضحة وصريحة من السلطات".
"صحراء ميديا"