سبل محاربة الرشوة / شيخنا محمدي الفقيه

-A A +A
سبت, 2016-12-31 08:44

خلدت بلادنا على غرار دول العالم اليوم العالمي لمحاربة الرشوة في يوم 9 من شهر ديسمبر الحالي. و الرشوة صورة من صور الفساد الخطيرة، وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالإدارة ونظام مكافحة الفقر في كل البلدان، وتفشي الرشوة بالنسبة للبعض عبارة عن ضريبة تفرض على الفقراء. لذلك يعتبر وجود 

الحكم الرشيد مرتبطا بشكل أساسي بإقامة آليات فعالة لمحاربة هذه الظاهرة أينما وجدت والحد من الإفلات من العقاب عليها كجريمة مدمرة للمجتمع والدولة.
وإذا كان الفساد في اللغة العربية هو نقيض الصلاح وتستعمل الكلمة أيضا للدلالة على التغير نحو الأسوء فيقال فسد التمر إذا خمج وفسد الخبز إذا عفن أو تعفن. فإن الرَّشْوُ في لسان العرب أو فِعْلُ الرَّشْوَةِ، يقال: رَشَوْتُه. والمُراشاةُ: المُحاباةُ. ابن سيده: الرَّشْوَةُ  والرُّشْوَةُ والرِّشْوَةُ معروفة: الجُعْلُ، والجمع رُشىً ورِشىً.
ولا شك أن الاهتمام ازداد بمكافحة الفساد والرشوة منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي وذلك بسبب تفاقم الظاهرتين في كافة أرجاء المعمورة فلا تكاد تخلو دولة أو مجتمع من تفشي الرشوة، والنتائج السلبية التي تنجم عنها باتت تصيب عمليات التنمية في مقتل سواء في إفريقيا أو آسيا أو في البلاد العربية. وفي هذا المجال تحتل الرشوة موقع الصدارة في منظومة الفساد، فهي من أخطر الجرائم التي يرتكب الموظف العمومي في الدول الحديثة سواء كانت متقدمة أو سائرة في طريق النمو. فهي تضرب في العمق نزاهة الموظف العمومي وتصيب نزاهته وتنزع الثقة منه لدي جمهور المستخدمين للإدارات العمومية.
ومن المسلم بها أن هناك شروطا عديدة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والوصول إلى مستوى مقبول من الديموقراطية ، وتتعلق هذه الشروط بمفاهيم أساسية يأتي في صدارتها الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد أو الحكم الصالح أو الحوكمة الجيدة، وعندما تغيب هذه العناصر يتضاعف الفساد ويعشش في كل مكان ويضرب بأطنابه الإدارة والمجتمع وينسج أوكاره ويشبك أفراده في إطار جماعات ضاغطة أو لوبيات.
إن هناك سبلا عديدة لمكافحة جريمة الرشوة والسيطرة على نموها في جسم الإدارة والدولة والتخفيف من وطأتها سبيلا إلى استئصالها. ومن المسلم به أن الجهود يجب أن تتكاتف لتشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فمن الناحية السياسية اتخذت السلطات العليا في البلد ما يشي بوجود إرادة حقيقية سياسية في هذا الصدد، تجعل من محاربة الرشوة لب عملها وعلى رأس أجندتها مما تجسد في معاقبة المفسدين والمرتشين على نحو يطبق على أصحاب الوظائف العليا في الدولة وإجبارهم على أن يمثلوا القدوة الحسنة في هذا المجال، كما أن الخطوات الحثيثة لتعزيز الديموقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص تسهم في تقوية محاربة الفساد والرشوة. و تسهم عناصر أخرى مثل حرية الصحافة والولوج إلى المعلومات والقدرة على التعبير عن الرأي الحر المعزز بالمعلومات الموثوقة في هذا الاتجاه وكشف مواطن الرشوة وأوكار الفساد، وتعزيز القضاء واستقلاليته.
وهناك الأبعاد الإدارية لمكافحة الرشوة ومن بين العناصر التي يتم التركيز عليها فيها : تكثيف الرقابة على الموظفين، واختيار مسؤولين يتمتعون بحس عال من المسؤولية و تقوية أجهزة التفتيش والرقابة ومبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب انطلاقا من الكفاءة والقدرة وتجنب الواسطة والمحسوبية والزبونية والرشوة،  وتفادي الإكراميات وتفعيل مبدأ المكافأة والعقوبة، والمساءلة لإعمال السؤال: من أين لك هذا؟ وتفعيل دور المجتمع المدني والمواطن البسيط في مكافحة هذه الظاهرة.
أما البعد الاقتصادي فيشمل تحسين الأوضاع الاقتصادية للموظفين والعمال، ولوج المبادرة الخاصة بالشفافية في الصناعات الاستخراجية، وتخفيف حدة التفاوت بين فئات الرواتب وتحسين مناخ الاستثمار بدفع النمو الاقتصادي، وعلى المحور الاجتماعي يتم التركيز على التعليم وتطور تربية المواطنين أخلاقيا ودينيا سواء في المدرسة أو البيت وعبر التوعية الاجتماعية والقضاء على الجهل والأمية وتطوير حس المصلحة العامة مقابل المصلحة الشخصية الضيقة وتقوية ولاء المواطنين للدولة مقابل عدم تغليب الولاءات الضيقة القبلية والفئوية والعرقية والأسرية، وفي الأخير ينبغي فضح المرتشي وربطه بالعيب والسلوك القبيح والتقليل من شأنه وتغليظ عقوبة المرتشي.
وفضلا عن التزاماتها الدولية فإن بلادنا عملت على تفعيل النصوص الخاصة بمحاربة الرشوة حيث نص القانون الجنائي في مواده من  169  إلى 177 على العقوبات المترتبة على الرشوة،  كما صدرت الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة، و قد  تمت أيضا المصادقة على قانون مكافحة الفساد وإنشاء محكمة مختصة بجرائمه وبمحاربته وعلى رأس هذه القوانين يأتي القانون رقم  2016-014 الذي صدر في هذه السنة، وقد جاء ترجمة للإرادة الحكومية في محاربة هذه الظاهرة ولتجريم الرشوة بكافة أشكالها وتسهيل ودعم التعاون الدولي مكافحة الرشوة واستعادة الأموال المكتسبة في إطارها.ويتضمن القانون عقوبات تصل إلى السجن 10 سنوات وغرامة تصل 5 ملايين أوقية ويشمل على تجريم الاتجار بالنفوذ والإثراء بلا سبب والجرائم الانتخابية وعرقلة العدالة إلخ.
لقد ركزت الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة على هذه الأبعاد من خلال النص على محاور العمل القائمة على التوعية والتحسيس والوقاية عبر تصنيف القطاعات الأكثر انكشافا واختراقا من الرشوة وتنقية وتنظيم قطاع الصفقات العمومية وتسهيل عمل العدالة وأجهزة الرقابة والتفتيش والمحاسبة الدقيقة واليقظة.وإنشاب قطب قضائي لمحاربة الرشوة.
وإذا كانت الإدارة تتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية، فإن المواطن العادي أو المستخدم المستفيد من خدمات الإدارة العمومية يتحمل هو الآخر جانبا مهما وبتضافر جهدي الطرفين يتم تقليص تفشي الظاهرة واستئصالها في وقت أقرب.