قراءتي للحاضر.. واستنطاقي للمستقبل..!

-A A +A
خميس, 2017-01-05 10:37
اسغير ولد العتيق

جمعني الزمان والمكان بشخصيات حديثة وخريفة ومتوسطة العمر من طليعة المجتمع الثقافية والسياسية من مكوناته الاجتماعية المختلفة، تبينت دون تكلفة جهد؛ عدم اكتراث البعض بخطورة العواقب غير الايجابية للتصدعات والشقوق الاجتماعية؛ عن طريق محاولاته التفسخ و التهرب؛ بل والتحلل من المسؤولية العامة للمساهمة في وضع حد لإشكالات ومعضلات التنمية؛ تاركا الأمر للزمن باعتباره كفيل بالقضاء على ما استعصى حله في الوقت الراهن؛

بيد أن الزمن كفيل بتعميق الجرح وتطور أساليب علاجه ؛ كما سجلت كذلك عدم الانتباه لأدراك عمق انغراس جذور الخلاف والاختلاف وتباعد وجهات النظر ؛ إلى درجة حد التناقض والتنافر والتخوين والاتهام بالعمالة والتسفيه وتوبيخ البعض للبعض، في سابقة هي الأكثر خطرا على لحمة ووحدة المجتمع ومستقبل تعايشه الأهلي.

 

في التاكسي أرى وأسمع مثلما أسمع وأرى في الصالونات الفاخرة والمكاتب المغلقة، والساحات العمومية؛ في القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية وحتى المستشفيات والعيادات؛ في كل أجهزة الدولة ومرافقها العمومية العسكرية والمدنية؛ في الصحف والمجلات؛ يتآكل الجدار الهش للحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية كل دقيقة؛ منبها في الأفق بظلال خطر أزمة اجتماعية عميقة الأبعاد متعددة الجوانب، قد نستشعر بفقدان أمل التعايش الأخوي الأهلي في ظل التسابق والتخندق في معسكرات التكتلات الفئوية والعرقية؛ التي تدفع العجلة لمزيد التأزم والتأزيم وتقطع الشك باليقين على فرضية حتمية وقوع اهتزاز لحمة ووحدة المجتمع؛ لما لمست وشاهدت كغيري من المهتمين من تساهل مقصود والتلكئ متعمد؛ عما يعبر به البعض عن أحاسيسه بالظلم والغبن والإقصاء؛ فضلا عن تغاضي السلطة وتغافلها وغضها للطرف عما قد يسبب أو يجر لتلك الاحتكاكات حملات تبشيرية؛ مد الشيعي؛ موجة الحاد وزندقة وجرأة على إظهار المؤازرة والدعم للمرتد الزنديق سيء الذكر والعمل ولد امخيطير؛ تأملت المستقبل، فبادرت بالتنبيه على الوضعية الخطيرة في شكل تحذير.

 

في المقاهي والمدارس والكليات، كما في الأسواق والشوارع، في كل تجمع للسكان؛ تستوقفني أقوال وأفعال وممارسات؛ حتى المساجد استوفت منها النصيب؛ الجنائز كذلك والمناسبات الاجتماعية لم تسلم هي الأخرى؛ من المساهمة في تقسيم المجتمع وإظهار تمايزه فئويا وشرائحيا؛ في خطى متسارعة نحو القطيعة بين ذوي الرحم والقربى؛ فعوامل الاختلاف يبدوا أنها أصبحت تسيطر على عوامل الارتباط؛ حيث بات من الممكن القول بأن هذه المكونات لم يبق بينها من المشتركات؛ سوى المناسبات الدينية والعطل العمومية العصية على التعديل والتجزئة؛ تحت رغبات مراعاة الخصوصية اللونية أو اللغوية.

 

إن تعدد الأحزاب والمنظمات ذات المرجعية الفئوية الشرائحية، خطوة جريئة لوضع لبنة خريطة التصدعات والانشطارات الاجتماعية فتركيز هذه الكائنات على تسويق الخطاب الشفوني؛ يشكل مساحات صالحة وبيئة ملائمة لنمو ونشاط بؤر التوترات الاجتماعية، لأن ترويج خطاب الشكل لا المضمون والتمثيل العرقي لا الديمقراطي؛ دعوة غير موفقة لتنمية ثقافة الانتماء للمجموعات الضيقة.

 

إن تغافل الدولة وتعاطيها وقبولها التسليم بالأمر الواقع واستعدادها للتنازل عن الأدوار والمهام والمسؤوليات المنوطة بها والتي هي من اختصاصها كالمساواة في التوزيع العادل للثروة الذي ينمي روح وثقافة المواطنة ويهيج الانتماء للوطن والإحساس بالمسؤولية العامة؛ إنما يعبر عن فشل السياسات المنتهجة في وضع حل نهائي لأمهات المشاكل الاجتماعية المتمثلة في "إقصاء؛ غبن؛ تهميش نسيان العبيد وأبنائهم".

 

النسيج الاجتماعي الموريتاني معقد هش، عويص على التجانس والتلاحم، نتيجة للتعدد العرقي واللوني، واختلاف المنبع الحضاري والمشرب العقائدي والمنبت الاجتماعي، ضعيف التكوين السياسي سطحي الثقافة المدنية هرمي عمودي التنظيم، طائفي، أناني؛ أبوي، انتهازي، استعبادي، إقصائي، حقائق تجعل الوضع مخيفا إذا ما أخذ في الحسبان تسارع المتتالية الزمنية المصاحب لانفجار مذهل لثورة اتصالات فرضت معطيات وأساليب لمعالجة إشكالات الواقع المعيش للشعوب التي تئن تحت وقر ضغط الحاجة، الرغبة الجامحة للعدالة، التطلع لدولة المواطنة، الطموح لمماثلة النماذج الأفضل في ترسيخ وتطبيق الممارسة الديمقراطية لذلك أعتقد أنه من المغالطات والعبث؛ الدعايات الديماغوجية عن لحمة اجتماعية ووحدة وطنية دون العمل على غرس أسس البناء وآليات البقاء و مقاومة الصدمات والهزات التي في تقديري تقتضي بالدرجة الأولى مشاركة فعلية وملموسة لشريحة الحراطين في القرار السياسي والسيادي وثروة البلد البحرية والمنجمية.. وبعكس ذلك يكون المجتمع أمام وضعية ليست مريحة وغير مشجعة ولا محفزة حتى؛ على المضي قدما في السعي لخلق بيئة ملائمة للنمو والاستقرار والوحدة واللحمة الاجتماعيتين، لأن الحرمان والإقصاء والغبن وسلب الحقوق المشروعة، يؤدي للإحباط وفقدان الأمل وامتصاص حماس أبناء الطبقة الكادحة في التطلع لغد أفضل.

 

هذه الوضعية خلفت انعكاسات اجتماعية ومساحات ثقافية وتفاوتا اقتصاديا كبيرا؛ بين مكونات وفئات المجتمع في كل جوانب الحياة اليومية؛ القدرة الشرائية غير المتكافئة، حيث مئات آلاف الأسر أكثر من 99%  منها الحراطين يقل دخلهم عن 20  دولار شهريا، فهم تحت النقطة الحمراء لحد الفقر في منتصف حقل المجاعة، حالة مأساوية بطالة منتشرة، خدمات صحية تعليمية وأخرى ضرورية رديئة لا تتماشى مع حاجيات السكان المتزايدة، الشيء الذي يبين حجم الفساد والتلاعب بالثروة الوطنية التي تتحول مع كل نظام إلى ريع لقبيلة مغتصب السلطة أو مزور إرادة الشعب.

 

إن عناية السلطات واهتمامها في كل مجالات الحياة بالمناطق الحضرية الراقية (تفرغ زينة بانواكشوط-  دبي بانواذيبو مثلا لا الحصر..) المحتكرة على فئة معينة -  أصحاب المال والنفوذ-  مع حذف الأخرى وحصرها العبيد وأبنائهم في عشوائيات ضيقة المساحة مؤشر قوي على المساهمة القيمة للسلطات القائمة في تشجيع توسيع دائرة ثقافة الكراهية التي تقود للعنف بشتى أصنافه وأشكاله.

 

إن معطيات الظرف الزمني والمرحلة التي نجتاز بحذر تفرض آليات وأساليب لنيل الحقوق غير تلك المعهودة والمعروفة؛ يجب على الدولة الانتباه لتجنب مخاطر الانزلاق حفاظا على السلم الأهلي فالمظلوم المدفوع بالباب؛ لن يبق مطالبا بالحقوق راضيا بالحلول المجزئة والمهدئة وبالتمثيل الوظائفي غير المتناسب وعدده الانتخابي ونموه الديموغرافي.

 

قد ينبثق عن هذا التمايز في التجمعات السكنية فئة عمرية من أبناء العبيد لا تؤمن بما يدعوا إليه القدماء، لن تقبل بهذا الواقع المهين لن تقبل الحرمان والغبن والعيش على هامش المجتمع في دولة يشكلون الأغلبية الساحقة فيها، قد يختلف تفكيرهم عن تفكيرنا ورأيهم في حل القضية عن رأينا وأسلوبهم عن أسلوبنا وتعاطيهم مع تعاطينا وتعاملهم مع تعاملنا؛ عندئذ يكون احتمال تحالفات المجموعات المظلومة ضد المجموعة المهيمنة، أمر طبيعي وبديهي وبالتالي يصبح الانفجار الاجتماعي أكيد، وما من أحد يستطيع إخماده ؛ كثيرة هي الأمثلة في إفريقيا متعددة القوميات والإتنيات.

 

إن إهمال الدولة والمجتمع واستخفافهما وتقليلهما من تأثير هذه الحقائق؛ خصوصا في أيامنا هذه التي تشهد تناوب النخب وتسابقها في تتبادل الأدوار؛ كلا من زاويته ونظرته؛ يعمل دون إدراك على مساعدة أدوات التعرية لنحت بقايا جدران لحمة اجتماعية هشة ووحدة وطنية متصدعة ومنهوكة؛ لا تتحمل المزيد من الاهتزازات والصدع؛ حالة تبعث للقلق بل وأبعد من ذلك تعطي مؤشرات فعلية عن حقيقة معالم مستقبل التعايش المظلم؛ فالزمن لا يطوى على الفراغات والأخطاء القاتلة والمدمرة.

 

على الدولة أن تعالج الأمور بالحذر والواقعية والجدية والمهنية والتجرد والموضوعية والعزيمة والشجاعة وقوة الإرادة والمسؤولية الكاملة؛ لتهيئ المجال لغرس عروق مستقبل اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية؛ لضمان استمرار واستقرار البلد؛ المهدد في هذه الفاصلة الزمنية أكثر من أي وقت مضى؛ بالانتفاضات العرقية الطائفية؛ الاتنية؛ الشرائحية؛ الفئوية؛ إنها بحق الفاصلة الأكثر خطرا على حياة المجتمع الموريتاني؛ وما مس تلك الدول العتيدة القوية العريقة المتقدمة ليس مستحيلا؛ أن يستوطن في أرضنا؛ خصوصا إذا كان الجميع من أغلبية ومعارضة وحكومة؛ يهيئ التربة والفضاء لتقبل ودعم التصريحات الفئوية.

 

إن الإنفاق على القوات المسلحة وقوات الأمن لا يكفي لتحقيق الأمن والاستقرار بل إنه يساعد هذه القوات على اقتناء الوسائل والمعدات المتطورة لتعزيز قدراتها في مجال حماية الحوزة التراتبية، خلافا للأمن الداخلي المرتبط غالبا بردة الفعل على الظلم وتجلياته التي تعتبر هي سبب التطرف اللفظي والخطابات النارية الراديكالية؛ العنصرية، قد الظلم إلى الانتقام أو زرع الخوف أو إشعال فتنة... فالقوة لا تصنع ولا تخلق الأمن إنما عدالة توزيع الثروة هي السلاح الفعال الكفيل بالقضاء على التطرف وعلى الحركات الجهادية ومنظمات الإرهاب وجرائم بيع الممنوع.