المعادلة الآسيوية الجديدة / د. السيد ولد أباه

-A A +A
أربعاء, 2017-01-11 11:27

لا يُخفي الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب موقفه المناوئ من الصين التي يرى فيها الخطر الاستراتيجي الرئيسي الذي تواجهه الولايات المتحدة في مقابل اقترابه من روسيا وانفتاحه على حاكمها القوي «بوتين». موقف ترامب يندرج في سياق الجدل الواسع في الدوائر الاستراتيجية الأميركية بين تصورين أساسيين: يذهب أحدهما إلى تشجيع الشراكة مع الصين في إطار معادلة آسيا والمحيط الهادئ التي تُعد محور النظام الدولي المقبل وفق مقاربة «هنري كسينجر»، ويذهب ثانيهما إلى ضرورة إحياء وتوطيد المنظومة الغربية - الأطلسية (واستيعاب روسيا ضمنها)، لمواجهة القطب الدولي المقبل المتمحور حول المارد الصيني. ومن الواضح أن أوباما تبنَّى الخيار الأول الذي جسدته اتفاقيات التبادل التجاري الحر مع الصين في سياق سياسة الشراكة الموسعة مع دول آسيا والمحيط الهادئ التي وعد «ترامب» بمراجعتها من منظور الحفاظ على المصالح الحيوية الأميركية. وإذا كانت السنوات الأخيرة من عهد «أوباما» قد شهدت عودة شبح «الحرب الباردة» بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن عودة روسيا للساحة الدولية من البوابة الشرق أوسطية والآسيوية لا تشكل تهديداً حقيقياً للنفوذ الأميركي بالنظر إلى نجاح سياسة التطويق الأميركي للمجال الحيوي الروسي في أوروبا وآسيا بما يمنع عملياً أي إحياء للمشروع السوفييتي السابق، الذي لا تتوفر عناصر قوته الأيديولوجية والاقتصادية.

 

الأمر يختلف بالنسبة إلى الصين التي -على عكس روسيا- لا تنتمي تاريخياً وثقافياً إلى العالم الغربي، ولها عناصر القوة الاستراتيجية والبشرية والاقتصادية التي تسمح لها بمنافسة القوة الأميركية وفق نموذجها الذي تجاوز مرحلة الانتقال الصعبة من النموذج الشيوعي الماوي إلى مرحلة التوازنات الثابتة، ففي حين راهنت التحليلات الاستراتيجية الغربية على حتمية السيناريو الروسي في الصين بانهيار النظام السياسي الصيني وانتقاله تحت ضغط الليبرالية الاقتصادية إلى نمط التعددية الديمقراطية على الطريقة الأوروبية، أثبتت الأحداث أن الصين طوّرت نموذجاً سياسياً بديلاً عن الديكتاتوريات الأحادية التي تنعدم فيها المشاركة السياسية، وعن الديمقراطيات الانتخابية التعددية من منطلقات ثقافية وتاريخية ذاتية.