قرارات اترامب بين الشرعية والعنصرية

-A A +A
سبت, 2017-02-04 09:27
الدكتور المحامي/ محمد سيدي محمد المهدي

ما فتئ الرئيس الأمريكي الجديد دونال اترامب يصدر قرارات مثيرة للجدل في العشر الأول من أيامه في البيت الأبيض، لكن الأخطر في هذه القرارات ذاك المتعلق منها بمنع رعايا سبع دول إسلامية ـ ست منها عربية ـ من دخول أمريكا.

 

وهذا القرار يحمل في طياته أبعادا عدة ذات دلالات مختلفة، منها ما هو قانوني، ومنها ما هو تمييزي عنصري، ومنها ما هو أخلاقي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما هو أمني.

 

ـ فمن حيث البعد الأول المتعلق بعدم مشروعيته، فيكفي لإثبات ذلك وتأكيده مخالفته لنص وروح الدستور الأمريكي، وخاصة التعديل الأول والخامس منه، في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي، وقد عبر عن ذلك الشعب الأمريكي بمختلف أطيافه وجسده في المظاهرات التي عمت مدن وشوارع ومطارات أمريكا، وفي صدور أحكام قضائية أصدرها قضاة اتحاديون تتحداه، وتسمح لبعض العالقين بمالمطارات الأمريكية بالبقاء حتى  تنجلي الأمور، فضلا عن تنديد العديد من المشرعين والدبلوماسيين به، وتطوع العديد من المحامين لمساعدة المستهدفين، إضافة إلى عزم ستة عشر من المدعين العامين من مختلف الولايات رفع دعاوى قضائية ضده، وقد بلغت المسألة ذورتها عندما رفضت وزيرة العدل بالوكالة الطعن في القرارات التي أصدرها قضاة اتحاديون، وعلى إثرها أقالها اترامب لتعلن مادلين ألبرايت عن عزمها اعتناق الإسلام لتنضم إلى المهاجرين المحرومين من الدخول.

 

ـ أما البعد الثاني، فهو البعد التمييزي العنصري الوقح، فهذا القرار يمنع رعايا سبع دول إسلامية من الدخول في الوقت الذي يستثنيهم إن كانوا مسيحيين (العراق نموذجا)، وهذه هي قمة التمييز والعنصرية النتنة التي تفوح رائحتها من هذا القرار المشين الذي يعتبر وصمة عار في جبين كل أمريكي لم يندد به.

 

ـ إن هذه الدول التي تم استهدافها بهذا القرار الم يسبق أن قام أحد مواطنيها بارتكاب أعمال إرهابية ضد أمريكا إذا ما استثنينا أيمن العولقي المواطن الأمريكي (المولود بها) من أصول يمنية، ومعظم هذه الدول تم تدميرها سابقا من طرف أمريكا وعصاباتها الإجرامية، الأمر الذي جعلها في حالة عجز تام عن مجرد التفكير في الرد بالمثل على اترامب، وهذا العجز المتبادر إلى ترامب هو الذي جعله لا يتردد في تقديمها كبش فداء لناخبيه ليقول لهم ها أنا أوفيت بوعدي لمنع المسلمين من دخول أمريكا، مع استثناء دول إسلامية عربية وعجمية سبق وأن اكتوت أمريكا بنيران مواطنيها، أو هي الآن تحتضن في أجزاء منها منظمات إرهابية، (كبوكو) حرام مثلا في نيجيريا التي تم استثناؤها خوفا من انعكاس ذلك سلبا على شريكات التنقيب الأمريكية العملاقة فيها، ودول أخرى خوفا من تأثير ذلك على استثماراتها التي تقدر بما يزيد على تريليون دولا أمريكي.

 

وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن اترامب جبان لا يشهر سلاحه إلا في وجه اللاجئين أو دولهم الضعيفة التي لا يخشى ردة فعلها الآن.

 

ـ أما البعد الثالث، فهو البعد الأخلاقي، ذلك لأن إغلاق الحدود الأمريكية ـ وهي أكبر وأغنى وأعظم دولة في العالم ـ في وجه اللاجئين السوريين والعراقيين، والليبيين، والصوماليين بالإضافة إلى أنه تمييز عنصري وغير قانوني، فهو كذلك غير أخلاقي، فالدول الثالثة الأخيرة تم تدميرها وقتل قادتها واحتلالها من قبل أمريكا، وكانت تبشر مواطينها بأن احتلال بلادهم والإطاحة بقياداتهم سينجم عنه تطبيق الديمقراطية على النموذج الغربي الأمر الذي يستتبع استقرارا سياسيا وازدهارا اقتصاديا ورقيا اجتماعيا، وهو ما يفرض عليها من الناحيتين القانونية  والأخلاقية أن لا تنسحب من هذه الدول قبل أن ترتب مع حكامها الجدد الذين جاؤوا على ظهور دباباتها الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية، لكن الذي نشاهده اليوم هو خيانتها لهذه الشعوب كخيانتها تماما لعملائها الذين جاؤوا مع (ابريمر) لإحلالهم محل القيادة الوطنية العراقية وعملائها الذين جاؤوا بعد ذلك بالطريقة ذاتها لإحلالهم محل القيادة الوطنية الليبية، فقد تخلت عن الجميع وانسحبت تجر وراءها ذيول الخيبة والهزيمة مما مكن داعش والنصرة والقاعدة وهم صنيعها طبقا لاترامب نفسه من احتلال أجزاء واسعة من العراق وليبيا والصومال، فضلا عن سوريا التي ساهمت غاراتها وحلفاؤها الغربيون والأكراد والأتراك في قتل العديد من أبنائها الأبرياء وتشريد العديد منهم، الأمر الذي يفرض عليها أخلاقيا على الأقل باعتبارها عضوا دائما في الأمم المتحدة والقوة العظمى الوحيدة في العالم أن لا توصد أبوابها في وجوههم، لأن الواجب الأخلاقي يفرض عليها إيواءهم وعدم تحميل الآخرين لأوزارها اتجاههم.

 

ـ أما البعد الرابع فهو البعد السياسي، إن اترامب أراد من هذا القرار ضرب عصفورين بحجر واحد، إظهاره وكأنه المرشح الوحيد الذي يفي بالتزاماته لناخبيه من جهة، ومن جهة أخرى ضرب إسفين بين الدول الخليجية وإيران، فشمول القرار لإيران كان الهدف منه امتصاص الغضب المحتمل لبعض الدول الخليجية لاستهدافه للاجئين العرب، الذين لا يجدون الآن مظلة تحميهم وتخرجهم من الأوضاع المزرية التي يعيشونها، وهذا ما يفسر سر ضعف البيان الصادر عن جامعة الدول العربية الذي اقتصر على المناشدة والتمني والاستجداء بينما لم يصدر رد فعل رسمي من أي دولة عربية حتى من الدول التي يمس رعاياها هذا القرار يعد اترامب بالمعاملة بالمثل إذا لم يتراجع، وما اتصاله في اليوم الموالي لبعض زعماء العرب ومناقشة بعض القضايا المتعلقة بتمويل مناطق حذر آمنة للاجئين في كل من سوريا واليمن دون التطرق إلى مآسي هذا القرار إلا دليلا قاطعا على عدم اكتراث اترامب ـ كما أسلفنا في مقال لنا سابق ـ بهذه الزعامات التي أضحى كل واحد منها يكرر نفسي نفسي فقط، فكان ينبغي على هذا الزعيم أن يبلغه بأن الأموال التي يطلب تقديمها للقوات الأمريكية سيدفعها للاجئي هذين البلدين الذِينَ حرمهم من دخول بلاده بدلا من تقتليهم وتشريدهم.

 

ـ إن استثناء رعايا بعض الدول العربية من هذا القرار يهدف إلى أمرين، الأول تجنب غضب ـ لألا أقول رد فعل مماثل ـ هذه الدول التي لديها ثقل اقتصادي أو ديمغرافي يؤثر سلبا أو إيجابا على الاقتصاد الأمريكي، الأمر الثاني، الاستفراد بهذه الدول والتعامل مع كل واحدة منها على حدة وإفهامها بأن عليها أن تحمد الله كثيرا لأن اترامب يتصل بقادتها ولم يضع رعاياها ضمن خانة الإرهاب، مع أنه لم يكن باستطاعة أي زعيم عربي إذا ما استثنينا زعماء الأردن ولبنان، أن يحتج على اترامب بمنعه اللاجئين السوريين والعراقيين ـ وهم الأكثر بؤسا بعد أن كانوا من أكثر الشعوب العربية شموخا وعزة ـ من دخول بلاده لأن هؤلاء الزعماء أنفسهم يمنعونهم من دخول بلادهم ولو لم يفعلوا ذلك لما تم إذلالهم من طرف اترامب وغيره ولما احتاجوا إلى هذه المعاناة الرهيبة.

 

ـ البعد الخامس، هو البعد الأمني، لا شك أن هذا القرار المسيء ستترتب عليه تبعات سياسية وأمينة جد خطيرة، فقد كان رد الدولة الوحيدة التي تمتلك قرارها ـ من بين الدول التي شملها هذا القرار ـ سريعا وحاسما، حيث قامت بتجربتين ناجحتين لصواريخ بالستية متوسطة المدى أزعجت الجميع وأدت إلى انعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن بناء على طلب من أمريكا وانقسم المجلس على نفسه كعادته عندما يختلف الكبار، ولا نستبعد أن تكون مهاجمة الفرقاطة السعودية رسالة في هذا الاتجاه الغير مبشر بالأمن والاستقرار، كما أن الجماعات الإرهابية المتطرفة التي ترتدي عباءة الإسلام قد تتخذه ذريعة لتدبير هجمات إرهابية على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضد أمريكا.

 

ـ إن موقف الشعب الأمريكي وخاصة أولئك الذين خرجوا في الشوارع ضد هذا القرار، والذين قاموا بطعون ضده، والذين تطوعوا للدفاع عن المحتجزين في المطارات، والذين قاموا بتوقيع لوائح تندد به، وكل الشرفاء من هذا الشعب الأبي هي منا محل تقدير وإكبار لهذا الشعب الذي لطخ سمعته في العالمين العربي والإسلامي كل من رونالد ريجن، وبوش الأب، وبوش الابن، وديك تشين، واشوارز كوف، وباول، وابريمر، وسجن أبو غريب، وأخيرا وليس آخرا دولاند اترامب، وبالشعور ذاته نحيي باحترام وتقدير وإكبار رئيس وزراء كندا ومن خلاله الشعب الكندي الأبي، وبالتحية ذاتها نحيي الشعوب الأوروبية بصفة عامة، والفرنسية والألمانية منها بصفة خاصة، والرئيس الفرنسي افرانسوى هولوند، والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل بصفة أخص، وفي الوقت ذاته نعتب على من كان أخرسا من زعماء العالمين العربي والإسلامي ممن كنا نعتقد أنه يستطيع التنديد بهذا القرار تصريحا أو تلميحا، أما الضعفاء فلا حرج عليهم كالقواعد من النساء.

 

ـ إن أهم ما أثار انتباهنا وتعجبنا منه كثيرا هو ظهور بعض وزراء العرب المنتمين إلى دول كانت مواقفها دائما داعمة للقضايا العربية ومساندة لها في المحافل الدولية يتبارون لتبرير قرار اترامب واعتباره قرارا سياديا ولا يستهدف ديانة بعينها، في الوقت الذي اعتبره ما يقارب الألف دبلوماسي أمريكي فضلا عن المشرعين وكبار القانونيين قرارا تمييزيا عنصريا ضد الإنسانية والحرية استهدف لاجئين على أساس الدين والعرق والهوية، وبالنظرة ذاتها يصرخ قادة العالم الحر المتحضر جهارا نهارا.

 

ـ إننا نؤكد للاجئين العراقيين بصفة خاصة واللاجئين العرب بصفة عامة، أن العراق، لو كانت تحكمه قيادة وطنية تؤمن بعروبته وإسلامه السني لما تأخر ردها بالمثل على اترامب أكثر من أربع وعشرين ساعة، لكن العراق اليوم ليس عراق الأمس عراق المجد والعروبة والرجولة والشجاعة والإقدام، أما عراق اليوم فهو عراق داعش والحشد الشعبي والحرس الثوري، فاعذروه أيها اللاجئون يحرمكم الله.