حديث في العلمانية..!!

-A A +A
أربعاء, 2017-02-22 12:49
 أحمد حمنيه عضو المنظمة الشبابية لحزب الصواب

أثار مصطلح العلمانية جدلا كبيرا في السابق ولايزال..تحدث عنها "عبد الوهاب المسيري" في كتابه الضخم "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" فلم ينه الجدل ..كتب "مراد وهبة" و"سعد الدين العثماني" و"محمد عمارة" عن العلمانية ولازال الصخب مستمرا وكتب عنها "محمد اركون" حين قال ان معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه كان أول العلمانيين العرب ..

بغض النظر عن كل ذلك يمكننا تقسيم العلمانية الى عدة مستويات: المستوى الاول يبدأ بالالحاد الشامل ورمي الدين في سلة المهملات كعنصر مدمر ومؤثر سلبي على المجتمعات كما تؤمن بذلك الماركسية وتيارات الجدلية المادية.. مرورا ب اللائكية الليبرالية الغربية التي تدعو للابعاد الشامل للدين عن كل نواحي الحياة وحصره داخل الكنيسة والقداس.. وصولا الى علمانية تتبنى الدين كعقيدة وممارسة روحية وتؤمن بأهمية دوره في توجيه الوعي والاخلاق للمجتمعات لكنها تميزه عن السياسة اوتفصله جزئيا عن ادارة الحياة السياسية للدول حماية له من التدنيس والمتاجرة وحماية للمجتمع من تجارة الكهنة وبائعي صكوك الغفران والحيولة دون تحكم دولة تيوقراطية تتحدث باسم السماء وتقصي الطوائف والمذاهب الأخرى.. اعتنق التيار القومي العربي النمط الأخير من العلمانية خصوصا في المشرق العربي الذي يزخر بالتنوع الديني والمذهبي والاثني فكان لابد من الحديث عن العلمانية كمصطلح مرادف لفكرة (المواطنة) اساسا ومنع المتطرفين من تهجير طوائف الوطن العربي او قتلهم باسم دفع الجزية وأهل الذمة وغيرها من المصطلحات التي تجاوزها الكثير من المفكرين الاسلاميين المعاصرين.. بخلاف ذلك تعتبر علاقة القوميين بالعلمانية في صغتها الغرببة علاقة متوترة ان لم نقل علاقة رفض تام....يقول فياسوف الناصرية الدكتور "عصمت سيف الدولة" :

( ان العلمانية هي اخطر أشكال مناهضه الإسلام بالعروبة نفاقا وأكثرها اتقانا)( عن العروبة والإسلام ، ص186) ويقول : .

للعلمانية نظاما وللإسلام نظاما وهما لا يلتقيان في أكثر من وجه) (عن العروبة والإسلام، ص240)، كما يقول:

( جوهر الدعوة العلمانية في مجتمع من المسلمين ، هو أن تستبدل بالشرائع والقواعد والآداب التي جاء بها الإسلام ،شرائع وقواعد وآداب وضعيه) (عن العروبة والإسلام،ص423) ... ويقول فيلسوف البعث العربي ميشيل عفلق : ( الفكرة القومية المجردة في الغرب منطقية اذ تقرر انفصال القومية عن الدين لان الدين دخل على اوروبا من الخارج فهو اجنبي عن طبيعتها وتاريخها، وهو خلاصة من العقيدة الاخروية والاخلاق، لم ينزل بلغاتهم القومية، ولا أفصح عن حاجات بيئتهم، ولا امتزج بتاريخهم،في حين ان الإسلام بالنسبة الى العرب ليس عقيدة اخروية فحسب، ولا هو أخلاق مجردة، بل هو اجلى مفصح عن شعورهم الكوني ونظرتهم الى الحياة)... ويؤكد أحد كتاب الحوار المتمدن ان علمانية حزب البعث علمانية محتشمة وغير حقيقية وهي نفس اللغة التي عبر بها أحد اللائكيين حين قال ان جمال عبد الناصر خدم الدين اكثر من من خدمة الخليفة العثماني له ..

وكما صرح مسؤول أمريكي أن عبد الناصر خدع الاقباط فلم يرفع شعار الاسلام لكنه رفع شعار مرادف يطبق من تحته مبادئ الاسلام... كان واضحا ان العلمانية التي تبناها القوميون العرب لم تكن اكثر من مجرد الاخذ بفكرة المواطنة وحياد الدولة تجاه الطوائف والمذاهب وان تمسكهم بالاسلام عقيدة وشريعة كان الاقوى... شنت حركات الاسلام السياسي هجوما عنيفا على "العلمانية" وقامت بتفخيخ المصطلح واردفته بالكفر البواح لحاجة في نفس يعقوب ..

لكن الايام دارت بعد ذلك حين جاء الربيع العربي مختالا ومعه العلمانية نازعة برقعها "الزرادتشي" ..افتتن رجال الخلافة بالعلمانية ولم يستطيعوا مقاومة سحرها فلم يعودوا يرونها ذلك الغول الذي طالما حذروا منه في كل خطبهم ونشرياتهم التي توزع مجانا ولاتباع..لكن المحرج ان اقامة قصة حب بين العلمانية ورجال الخلافة لم يعد ممكنا بعد أن شهروا بها واتهموها بالالحاد والسفور فكان لابد أن تتحول العلمانية الى كتابية على الاقل..سرعان مااعتنقت العلمانية دين الاخوان وغيرت اسمها الى "مدنية" بنفس الطريقة التي يقوم بها الاخوة الافرنج بتغيير اسماءهم الغربية حين يقررون الدخول في دين الله..صار جسد المدنية حلالا قتزوجت من رجال الخلافة (على منهاج النبوءة..)

تعرف الدولة المدنية انها الدولة التي تربط بين افرادها رابطة مدنية بحتة وليست عقائدية وتحكمها قوانين تساوي بينهم بغض النظر عن دينهم او فكرهم او لونهم....لاتوجد اذ اي اختلافات بين العلمانية والمدنية بل يعتبر المطلحان مترادفين في الكثير من المراجع وقواميس الفكر السياسي لكن الفرق بينهما فقط هو تشويه أحدهما وتزيين الاخر بماكياج اسلامي مبارك .

وهي قصة تذكرني بسؤال احدهم عن حكم لعب "الشطرنج" فقال: سموها ( اشك)والعبوها.... وعظنا الشيخ موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون..حدثنا عن النصر وعن الخلافة القادمة ثم قال الا أدلكم على "علمانية" يحبها الله ورسوله واشار بسبابه نحو جهة( اسطنبول)...