ماذا بعد إسقاط التعديلات

-A A +A
أربعاء, 2017-03-22 17:36
أحمد محمد الحافظ -

هناك أحداث تترك بصمتها في تاريخ الديمقراطيات الوليدة نظرا لكونها تأتى نشازا واستثناء في محيطها ليس فقط المحلي وإنما أيضا الإقليمي، فلم نتعود في ديمقراطيتنا الوليدة أن نرى شيوخ أغلبية يعارضون توجهها بل ويحدثون زلزالا داخلها وداخل مؤسساتها التي آثرت الصمت في انتظار ما سيقوله الزعيم في مؤتمره الصحفي القادم.

 

لقد أحدث تصويت 33 عضوا من مجلس الشيوخ ضد التعديلات الدستورية المقدمة من طرف الحكومة زلزالا في الساحة السياسية الوطنية وأربك الجميع ودفع البعض لإعادة حساباتهم، وتحول المصوتون من مجلس منتهى الصلاحية عديمي الفائدة بالنسبة للمعارضة والشارع إلى مجلس وطني يستحق أن تنقش أسماء أصحابه بحروف من ذهب على حد تعبير أحد قادة المعارضة.

 

أما الأغلبية فمنهم من لاذ بالصمت وأغلبهم أطلق حملة تخوين واسعة ضد هذه الزمرة حتى شبه أحد كتابهم ما حدث بأنه يشبه خيانة بروتس للقيصر الروماني.

ما حدث يا سادة هو تمرين ديمقراطي يحدث في أعرق الديمقراطيات في العالم ولكن نظرا لأننا نتعامل مع الديمقراطية على أنها ثوب نفصله على مقاسنا فنخلعه متى شئنا ونرتديه متى أردنا فلهذا تكون المعادلة صفرية بين من يرون الشيوخ أبطالا وبين من يرونهم خونة أما القراءة الموضوعية المتأنية ففتش عنها في بلد غير موريتانيا.

 

من الصعب التكهن بالسيناريوها ت القادمة فالنظام الموريتاني يتقن لعبة شد الأعصاب وتسريب الأخبار غير المؤكدة في مواجهة معارضة متسرعة عاطفية أكثر من اللازم تغفر زلات خصومها بسرعة وتغفر لهم أخطائهم في حقها وحق الوطن بمجرد اختلافهم مع النظام.

 

الذين يدفعون النظام إلى إجراء استفتاء شعبي على الدستور يحرجون النظام ويكلفون الدولة ميزانية ثلاث مليارات بحسب وزير المالية كان يمكن استثمارها في مجال آخر أكثر إلحاحا في دولة تنتشر فيها البطالة والفقر، ويتصارع سياسيوها حول أمور لا تسمن ولا تغنى من جوع، فالفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم والشباب العاطل، والطلاب الباحثون عن منحة، لن يضيف لهم تغيير العلم والنشيد شيئا فهم يبحثون عن مسائل أخرى أكثر إلحاحا.

 

الاستفتاء غير مضمون النتائج فأغلبية عجزت أن تسيطر على 56 شيخا معظمهم جاء من وسط قبلي لا يمكن أن تسيطر على أصوات شعب لم يتفق سكانه على شيء كما اتفقوا على هذه الرموز التي يريد البعض ولغاية في نفسه أن يغيرها دون أن يتحرى لحظة إجماع وطني لذلك.

 

الحل ياسادة أن تراجعوا حساباتكم أغلبية ومعارضة وأن تلتقوا على كلمة سواء وعلى الرئيس إن أراد خيرا بهذا البلد أن يركز على مشاريع أخرى كثر نفعا وأقل إثارة للجدل وأن لا يعير اهتماما للمتزلفين فهم نفس الوجوه التي تزلفت لولد الطائع ثم تخلت عنه في أول امتحان، أتمنى أن يخالفهم ويعلن إلغاء هذه التعديلات في مؤتمره الصحفي القادم ويستثمر تصويت الشيوخ ضد هذا المشروع على أنه دليل على استقلال قرار المؤسسات الدستورية ومؤشر على تقدم الديمقراطية في البلد.

 

كنت أتوقع أن يجتمع المجلس الوطنى للحزب الحاكم أو أن أقرأ بيانا صادرا عنه كما جرت الأعراف في الدول الديمقراطية، لكن للأسف ديمقراطيتنا الوليدة لا زالت محكومة بعقلية الفرد لا المؤسسة و تلك أكبر كارثة أنتجها العقل العربي في العصر الحديث.

 

اتركوا عنكم هذه التعديلات فالمواطن البسيط أنهكته الأسعار المرتفعة وقتلته الأدوية المزورة ولن تضيف هذه التعديلات له أي إضافة تذكر، بل ستستنزف جيبه وتزيده هما على هم وغما على غم.