مهلاً...أيّها السّادة !

-A A +A
اثنين, 2017-04-10 12:59
محمد فال ولد بلال

إنْ كان هناك شيءٌ واحدٌ يتقاسَمُهُ المُوريتانيُّون بعدالة ويُجْمعون عليه كافّة على اختلاف تَوَجُّهاتهم السياسيّة وآرائهم وانتماءاتهم العرقية أو الشرائحيّة أو الجهويّة... فهو بغضُ إسرائيل وحبّ فلسطين والدّعم المطلق لها. ولا يُمكنُ لأحد في موريتانيا أنْ يُزايدَ على أحد في موضوع فلسطين والقُدس المُحتلّة، لأنّه ببساطة يتعلقُ بالرّوح والوُجدان والمُعْتَقَد والمبدأ.

وإنّي عندما أسمعُ حديث بعض الإخوة والأخوات عن "التّطبيع" و"المطبّعين" و جيل "المطبّعين" و الموقف من "المطبّعين" يُخالُ إليّ أنّنا أمام أحزاب سياسيّة أو جمعيّات أو جماعات أو شخصيّات دَعَتْ للتّطبيع أو تَبَنّتْهُ أو دافَعَتْ عنهُ في الماضي. أمْ أنّ لدَيْنا الآن أحزابا أو جمعيّات أو شخصيّات تدعُو إليه وتَتَبَنّاهُ وتُدافعُ عنْهُ وتَرْتَضيه.

أيْنَ هذه الأحزاب والجمعيّات والشخصيّات؟ تباً لهُم جميعاً! وسُحقاً لهم ! وأين هيَ الدّعاية للتّطبيع؟ وأين مظاهرُهُ؟!مهلاً أيّها السّادة، ما حدثَ في أواخر تسعينات القرن الماضي من علاقة مشينة مع ذلك الكيّان الغاشم جاء نتيجةَ قرار اتّخَذَهُ رئيس الجمهوريّة في ظروف داخليّة رديئة عنوانُها التشرذُم والفشلُ والتّأزُّم، وظروف عربيّة أكثر رداءةً وفشلا عنوانها "أوسلو" و"التطبيع" و"الانبطاح". قرارٌ اتخذهُ الرئيسُ دونَ أي مناظرات أو مشاورات أو مداولات  شعبيّة أو برلمانيّة أو حزبيّة أو حكوميّة حتّى يتسنّى لنا معرفة منْ هُم "مع" القرار ومن هُم "ضده" ! ومن المعلوم ضرورةً أنّ العلاقات الخارجيّة تعتبرُ في كلّ زمان ومكان حديقة خاصّة برئيس الجمهورية.

أمّا الجهازُ الإداري برعاية الوزير الأول والوزراء ومجوعة كبار الموظفين من حول الرّئيس فهؤلاء وكلاء" الدّولة  (Grands Commis de l'État) يُنفّذون فقط، ولا يتحمّلون أيّ مسؤوليّة في القرار وما ينجمُ عنه من أضرار في ظلّ الأنظمة غير الديمقراطيّة.

وبالتّالي، ينبغي النّظرُ إليهم من زاويّة الأداء الشّخصي والكفاءة من عدمها.

ولا شكّ أنّهم ليسُوا سواء في ذلك، ليْسوا سواء في السّلوك والخِبرة والالتزام،،، منهُم مُلحلحٌ، ومنهُم مُسْرِفٌ على نفسه ومنهم مُقتصِدٌ. وعلى هذا الصّعيد، يُمكنُ تقييمهم والحكم عليهم بالبراءة أو الإدانة.

أمّا الاستقالة وغيرها من المُثُل والقِيّم العاليّة، فإنّ الحديثَ عنها اليوم أسهلَ بكثير ممّا كان عليه بالأمس. اليوم، بمقدرونا أنْ نتصوَرَ أو نحلُمَ باستقالة مسؤول بعد رُبع قرن (25 سنة) من محاولة إرساء دولة مؤسّسات حرّة ومستقرّة والعمل على توْفير بيئة مناسبة ومُحَفّزَة للنهوض بالفكر الديمقراطي والممارسة السياسيّة السليمة... ولكنّ الحُلم لم يتحقّق حتّى الآن ولمْ نُسجّل أيّ استقالة من وظيفة كبيرة أو صغيرة  في الدّولة... وفي هذه الحالة، فإنّهُ من غَيرِ الانصاف مُحاسبَة أو مُحاكمة "الأمس" على أساس معايير ومقاييس لم نصل إليها "اليوم" رغم الاستفادة من عوامل الزّمن والتّجربة والتّراكم... وفي مثل هذه الأوضاع، فإنّ باب التّوبة والاعتذار هو المُتاح... وحسب علمي، فما من شخصيّة سيّاسية أو وزير في الحكومات المُتعاقبة منذ 1960 إلى الآن، إلاّ واعتزل العمل السياسي نهائيّا،،، وإلاّ، تاب واعتذر بطريقة أو بأخرى عن أي خطإ أو تقصير قد يكونُ ارتكبَهُ في حق الوطن والمواطن قبل أنْ يعُودَ للسّاحة ... ولكنّ اعتذارهم قد لا يصل إلى مسامع وقلب الزّعماء كافّة.والله المستعان.