قمة الذل والخنوع

-A A +A
ثلاثاء, 2017-05-23 14:56
سعدنا ولد حمادي

صعدت يوم أمس في بُرص المال والأعمال العالمية أسعار أسهم جميع شركات الدفاع والصناعات التسليحية إلى مستويات قياسية، على وقع الاتفاقيات الضخمة التي تم توقيعها بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.

 

أسعار أسهم شركات بوينغ، لوكهيد مارتن، نورثروب گرومان، رايثيون، جنرال دايناميك، وغيرها شهدت ارتفاعا قياسيا لم يحصل إطلاقا عبر تاريخ الأسواق المالية.

 

ولئن كان صرف كل تلك المبالغ الفلكية سينعش اقتصاد الولايات المتحدة, و سينهك الاقتصاد السعودي ويؤثر على برامجها التنموية المستقبلية، إلا أن ما يبعث حقا على الحزن هو معرفة أن كل تلك الترسانات من الأسلحة سوف تستخدم لدك عرب ومسلمين أبرياء في اليمن وسوريا بأطنان من أحدث أنواع الأسلحة وأكثرها فتكا.

 

على أن الأدهى من كل ذلك هو أن السعوديين بفعلتهم تلك يكونون قد كافؤوا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - أكبر إسلاموفوبي عرفته الإدارة الأمريكية - على نهجه المعادي للإسلام والمسلمين وعنصريته المقيتة ضد العرب والمهاجرين.

 

مواقف ترامب من الإسلام و المسلمين, وهي التي ساعدته في الوصول إلى البيت الأبيض, لم تكن أبدا سرا يتهامسه بعض مؤيديه، بل إنه هو نفسه جاهر بها، وبلغت به الفجاجة أن يتعمد الكذب ويقول إنه شاهد بأم عينيه آلافا من العرب في نيوجرسي يحتفلون بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهي الكذبة التي لم يتراجع أو يعتذر عنها، كما أنه تعمد الكذب أكثر من مرة عندما قال إن الولايات المتحدة تسمح بدخول الآلاف المؤلفة من الإرهابيين كل سنة إلى أراضيها، في إشارة إلى المسلمين الوافدين إلى أمريكا.

 

ترامب أيضا عيَّن ستيف بانون كأكبر مستشار إستراتيجي في البيت الأبيض، و هو الأب الروحي للإسلاموفوبيا في أمريكا، وهو مؤسس صحيفة Breitbart، والتي يُجمع الكل على أنها أوصلت كره الإسلام والمسلمين إلى مستويات قياسية لم تشهدها أمريكا من قبل.

 

ستيف بانون هو من تشير كل أصابع الاتهام إلى مسؤوليته عن قرار حظر دخول المسلمين من 7 دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، و هو القرار الذي تم إيقافه مؤقتا من طرف بعض القضاة الفيدراليين بحجة مخالفته للدستور الأمريكي، كما أنه هو نفس القرار الذي كان بعض المحللين يتوقعون أن تزداد رقعة تطبيقه بزيادة دول إسلامية أخرى للحظر لو كان كتب له النجاح.

 

ترامب أيضا هو من عيّن الجنرال مايكل افلين كمستشار للأمن القومي الأمريكي، و هي أعلى وظيفة أمنية في أمريكا. الجنرال افلين معروف بعدائه للمسلمين، وكان قال في إحدى تغريداته على تويتر إن الخوف من المسلمين أمر طبيعي.

 

لا يخلو أي منصب سام في البيت الأبيض الحالي من شخص معروف بعدائه للإسلام والمسلمين والعرب، بمن فيهم استيفن ميلر، وهو أحد الكلاب المسعورة المعروفة بعدائها للعرب والمسلمين، وهو - للمفارقة - من كتب خطاب ترامب الذي ألقاه في الرياض.

 

على الرغم من كل ذلك، وعلى الرغم من كل الفضائح التي واكبت عمر رئاسته القصير، والتي تلاحقه في حله وترحاله، والتي قد تتسبب حتى في خلعه من الإدارة، إلا أن السعوديين بالغوا في إكرام ضيفهم وأغدقوا عليه بكل تلك المبالغ الخيالية.

 

ألم يكن أولى بالسعوديين استثمار نصف ترليون دولار في العالم العربي والإسلامي؟

ألم يكن العائد على الاستثمار أكبر بكثير لو أنهم فعلوا ذلك؟

لماذا يتهافت زعماء الدول الإسلامية على السعودية من أجل لقاء ترامب؟

 

سيأتي يوم يتحسر فيه أحفادنا على غبائنا، وسيدرك السعوديون يوما أن لعنة النفط كانت نقمة عليهم، رحمة لغيرهم من غير المسلمين.

 

قمة الرياض عكست أحوال العالم الإسلامي المزرية وأماطت آخر الأقنعة عن وجه مملكة آل سعود الحقيقي. بدا ذلك واضحا عندما اعتذر الرئيس السوداني عن عدم الحضور، وهو من كان قرر سابقا أنه سيحضر بعد تلقي طلب الدعوة، لكن رفض الأمريكيين لحضوره أثبت بوضوح أن الكلمة الفصل هي للضيف الأمريكي، وليست للسعوديين، وإن كانوا هم المستضيفين، ولم يشفع في ذلك مئات المليارات من الدولارات.

 

لست من محبي بعض السياسات الإيرانية، لكن صَدق الرئيس الإيراني حسن روحاني عندما وصف القمة بأنها أقرب إلى استعراض مسرحي وأنه لا قيمة لها. كم كنت أتمنى ألا تكون هذه القمة انعقدت أصلا!