فرنسا .. شرطى إفريقيا الجديد \ شريف سمير

-A A +A
ثلاثاء, 2014-08-19 07:26

في الماضي، اتجهت بوصلة فرنسا إلي أفريقيا لتقويض مخططات بريطانيا عدوها اللدود وقتذاك للتوسع في آسيا من بوابة الهند، وكانت هذه هي بداية قصة فرنسا مع القارة السمراء ومحاولة اختراق دولها عسكريا وسياسيا كخطوة مبدئية للسيطرة علي ثروات وكنوز هذه الدول وامتلاك مفاتيح اقتصادها، ليتبلور المخطط الفرنسي المرسوم بدقة للفوز بـ «غنائم أفريقيا».

ومع اندلاع ثورات الربيع العربي في بعض دول شمال أفريقيا، أفرز انفلات الأوضاع الأمنية مناخا ملائما للتدخل الخارجي في ظل نشوء خلايا القاعدة تنشط عبر الحدود المشتركة في الصحراء، وهو الأمر الذي دفع فرنسا إلي تكثيف دورها العسكري للقيام بدور “شرطي إفريقيا الجديد”، والذي يسبق أحيانا الدور والتدخل الأمريكي في القارة، خاصة بعد تصاعد تهديد الجماعات المتطرفة علي رأسها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأنصار الشريعة وبوكو حرام بشن هجمات مسلحة ضد السفارات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية والمصالح التجارية في السنوات الأخيرة.

وحملت منطقة الساحل الغربي الإفريقي، الممتدة من تشاد شرقا إلي موريتانيا غربا، أهمية استراتيجية كبيرة لفرنسا لسببين، أولهما، يتمثل في ظهور حركات الإسلام السياسي المعتدلة والمتشددة، مما استفز الدول الكبري للإسراع في مواجهة فروع القاعدة، تحت شعار “مكافحة الإرهاب”، بينما تركز السبب الثاني علي رغبة الغرب في الاستئثار بالثروات الطبيعية في تلك المنطقة، بما في ذلك اليورانيوم، الذي يستخدم في إنتاج القنبلة النووية، فضلا عن الالماس والذهب.

 

وحرصت فرنسا علي إعادة وجودها العسكري في المنطقة عبر تدريبات ودعم لوجيستي لجيوش الدول الحليفة في المنطقة، وإقامة قواعد عسكرية دائمة في بعض الدول المركزية مثل جيبوتي وتشاد وإفريقيا الوسطي، وفي عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، خرج إلي النور “مشروع إفريقيا” العام 1997، لإعادة تنظيم الوجود الأمني الفرنسي في القارة السمراء، بحيث يضم خبراء، ومستشارين.

 

وجاء الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا أولاند ليدخل تعديلا طفيفا فيما عرف بـ”مبدأ أولاند”، ويقوم علي فكرة التدخل الفرنسي المحدود، استنادا إلي تأييدين دولي ومحلي، علي أن يتم الحفاظ علي مصالح فرنسا السياسية والاقتصادية في مواجهة نفوذ قوي أخري، خاصة الولايات المتحدة والصين.

 

وصارت أطماع الكبار في امتيازات الأفارقة محركا للآلة الفرنسية لتنتشر قواتها في مالي لمحاربة الإرهاب، وفي إفريقيا الوسطي لمواجهة الحرب الأهلية بين المسلمين والمسيحيين، ورجح خبراء في العلاقات الفرنسية الإفريقية بأن يكون وراء هذا التحرك السريع هو رغبة باريس تقوية نفوذها في إفريقيا، واسترداد المواقع الاقتصادية والتجارية التي فقدتها في العقدين الأخيرين.

 

ورأت الخبيرة الفرنسية في العلاقات الدولية، آن «جيوديشيلّي»، أن فرنسا عندما تهب لنجدة بلدان إفريقية مهددة في أمنها فإنها تسعي لإعطاء دفعة جديدة للشراكة الفرنسية الإفريقية، فيما أكدت المعلقة السياسية، «آلبا فانتورا»، أن العملية الفرنسية في أفريقيا الوسطي ترمي إلي الحفاظ علي ورقة إفريقيا، وحماية مصالح الشركات الفرنسية، والاستيلاء علي مناجم الالماس والثروات الطبيعية الهائلة وخصوصا في إفريقيا الوسطي التي تعد مركزا تجاريا عالميا للالماس، وتمثل صادراته نحو 60% من الدخل القومي لهذا البلد. وسبق ذلك البترول الليبي الذي فتح شهية فرنسا ليبدأ التحرك بدعم الثورة عسكريا ضد نظام الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، عام 2011 حتي تحقق الهدف بإسقاط نظامه بالتدخل العسكري المباشر بناء علي تفويض من مجلس الأمن، إلا أن مراقبين ومحللين ليبيين اعتبروا موقف باريس ذريعة لاختراق الدولة الليبية ووضع اليد علي خزائن البترول.

 

وعلي الرغم من التوغل الصيني والكوري في القارة الإفريقية، وعلي الرغم من وصول قوي أخري صاعدة مثل البرازيل والهند، ومحاولات واشنطن لإيجاد طرق لها إلي القارة السمراء، فما زالت فرنسا هي الأقرب والأقدر سياسيا وثقافيا علي الأقل علي الوصول إلي أعماق الأفارقة، وما زالت جذورها ممتدة حتي هذه اللحظة، وتستطيع أن تبني عليها، وها قد جاءتها الفرصة.