موريتانيا: الرئيس والشباب .. الحلم المؤجل \ محمد سعدن ولد الطالب*

-A A +A
أربعاء, 2014-08-20 14:33

مرت سنوات عديدة، ولكن ذاكرة الموريتانيين مازالت حافلة بمبادرة القراءة الجميع التي أطلقها الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، ومازالت أحاديث الكتاب ودور الكتاب وأغاني الكتاب شهادة على سنوات فلولكورية أمر فيها الرئيس الجميع قائلا "اللي ذاك يوحل فكتابو"، واستجابت نخبة المصالح ومافيا الفساد، ولكنها انهمكت في قراءة كتب التسطيح والتمييع وأفرغت مبادرة القراءة للجميع رغم نبل مقصدها من مضامينها الحقيقية وتحولت المبادرة إلى مهرجانات للتقرب من الحاكم والسمسرة والتزلف المعتق في خوابي الكذب والنفاق، وبدلا من أن تشيع ثقافة القراءة والكتب، تحول الأمر إلى مطية ركبها الأفاقون وأثرو من وراء صفقات كتب الطبخ و"كيف تتعلم الهيروغليفية في خمسة أيام"، وكتيبات "كيف تصبح مليونيرا في عشر دقائق"، وغيرها من كتب الدجل والخرافة وتسطيح العقول وتخديرها....

وقبل خمس سنوات، أعاد التاريخ نفسه، وكما العادة جاءت المشاهد مبتذلة ومملة، والديكور تافه، والممثلون فشلة، فقد أعلن الرئيس عزيز في ولايته الأولى أنه "رئيس الفقراء" وعلق "تيمة" الفقر عنوان عريضا لمشروعه الرئاسي، وكعادة المتزلفين وماسحي أحذية السلاطين، تداعت طوائف من الناس تاريخها مع التزلف طويل، وطبلت وزمرت وركبت الموجة فأطلقت مبادرات الاهتمام بالفقراء و,أعلنت المشاريع التي تخص هذه الفئة وغير ذلك الكثير، وبعد خمس سنوات، انقشع غبار الوهم وبانت الحقيقية عارية، فمساحات الفقر في موريتانيا الحبيبة لم تتقلص، ومعشر الفقراء تزايد بل وأصبحت فئات من الطبقة الوسطى تترنح على حافة الفقر، وتدور حول مراتعه الجدباء كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه..

ولعل من نافلة القول إن فكرة الاهتمام بالفقراء وقبلها فكرة القراءة للجميع كلها أفكار نبيلة إذا خلصت المقاصد، واتضحت الغايات وبني الأمر على صراط سوي، وأبعد عنه المتزلفون والمرتزقة، ولكن، وللأسف الشديد، فغالبا ما يحدث العكس حيث تتحول الأفكار النبيلة والمهمة إلى مجرد استعراض فلوكلوري تافه ووسيلة تكسب لسدنة التزلف ومدمني النفاق الذين يلبسون لكل عصر لبوسه، ويعزفون لكل ساكن جديد للقصر الرمادي لحنه الذي يريد...

واليوم، ونحن نشهد ولاية جديدة للرئيس عزيز، نشهد كذلك ميلاد "سينفونية جديدة" يراد لها أن تكون شعار المرحلة، ألا وهي الاهتمام بالشباب وإنشاء مجلس أعلى يكون يهدفه ترقية الشباب والاهتمام بقضاياهم المختلفة، وهي، لعمري، فكرة نبيلة كسابقاتها، بل وضرورة ملحة فالشباب في أي بلد هم وسيلة التنمية وهدفها، ولكن الخشية أن يتحول الأمر كما عادة يحصل إلى شعار تدوسه أقدام المتنفعين وتتقاذفه رغبات المتنفذين وصراعاتهم فيضيع في الزحام، ولعل "مبشرات" ذلك بدأت تلوح في الأفق، فالمجموعات الشبابية التي شاركت في إطلاق الفكرة في لقاء مفتوح مع رئيس الجمهورية، وتبنتها ودافعت عنها، بدأت تتصارع على طبخة "لما توضع في القدر بعد"، وبدأت الأيدي تمتد إلى كعكعة ماتزال في بدايات التحضير، واشرئبت الأعناق إلى مطمع "بالكاد لاح برقه"، وتفرقت الأهواء مللا ونحلا، كل حزب يسند ظهره رغبا ورهبا في مجموعة قبلية أو جنرال متنفذ أو شخصية سياسية مقربة من الرئيس، ووسط هذا الصراع المجنون على كراسي مجلس لم ينشأ بعد، وعلى امتيازات لم تعرف لحد الآن، بدأت الفكرة الرئيسية والهدف الأسمى والمتمثل في خدمة الشباب بدأ يضيع..

إن الأفكار العظيمة والنبيلة غالبا ماتتحول تحت ضغط المصالح الشخصية والرغبات والأهواء إلى مجرد حفلة تنكر فاشلة يقهقه فيها الشيطان ملأ شدقيه، وتذروها رياح النسيان والعدمية...

*كاتب موريتاني

[email protected]