رسالة مباشرة إلى الأشقاء العرب المتحاربين

-A A +A
خميس, 2017-07-13 14:13
إسلمو ولد سيدي أحمد كاتب وخبير لغوي وباحث في مجال الدراسات المعجمية والمصطلحية

ابْتُلِيَ الوطنُ العربيُّ في الآونة الأخيرة-بصفة خاصة-بحروب أهلية عبثية مدمِّرة أتت على الأخضر واليابس... دمرت الحجر وقتلت أو شردت البشر...أقول "الأهلية"، بصرف النظر عن التدخلات الأجنبية، لأنها تدور-في الغالب- بين فصائلَ عربيةٍ.

إنّه لَمِن الغريب حقا أن يعجز الأشقاء العرب عن حل خلافاتهم بطرق سلمية، عن طريق الحوار والتفاهم وتحكيم العقل...من الآثار الوخيمة لهذه الحروب العربية الداخلية، أنها فتحت الأبواب للمزيد من التدخل الأجنبيّ...لقد علَّمَنا التاريخُ أنّ الاستقواء بالأجنبيّ-لغير ضرورة-لاخيرَ فيه، خاصة عندما يتعلق الأمر بخلافات داخلية بين مواطني البلد الواحد.

إنّ المُتتبِّعَ لِما تتعرض له البلدان العربية-الواحد تِلْوَ الآخَر-مِن تدميرٍ ممنهَجٍ للعُمران وقتْلٍ وتشريدٍ للإنسان، يُدرِك-دون عَناءٍ-أنّ عدد الحُكماءِ العرب (ضمن من يتولون تسيير الشأن العام العربيّ) في تقلُّصٍ وانكِماشٍ-للأسف الشديد-بينما عدد المتهوِّرين (حتى لا أقولَ أكثرَ من ذلك) في تزايُدِ مستمرٍّ.

إنّ عدمَ التوصُّل إلى حلول سياسية للخلافات العربية البينية، لدليل قاطع على أنّ معظم الحكّام العرب وعدد كبير من الحركات السياسية قد فضلوا طريق العنف والحرب على غيرهما من الطرق السلمية الحضارية...نقول هذا الكلام-دون تعميم-لأنّ هذه الحروب كانت وَبالًا وشرًّا مُستطِيرًا على المنطقة العربية وعلى العالم، ولا أحدَ يستطيع التنبؤ بنهايتها أو تداعياتها على الأمن القوميّ العربيّ...ولعلنا نَلفِت نظر المتحاربين المتصارعين على السلطة إلى أنهم لن يجدوا بنًى تحتية (لأنها دُمِّرت) تخدم إدارتهم لشؤون البلد-في حالة "الانتصار" الوهميّ لبعضهم على بعض-ولن يجدوا سُكانا (لأنهم قُتِلوا أو شُرِّدوا) يَتَسَلَّطُون عليهم...عِلمًا بأنّ الدولة (أيّ دولة) عبارة عن: أرضٍ وشعبٍ وسُلطةٍ. بمعنى أنّ "المنتصر" في هذه الحروب الأهلية العبثية التي تعتمد سياسة "الأرض المحروقة"، سيجد نفسَه في ورطة حقيقية لأنه فقد الأرض/ العُمران وفقد الشعب/ السكان...بعبارة أخرى، فإنّ مثلث "الأرض والشعب والسلطة" فقد ضلعيه الجوهريين (الأرض والشعب/ أي العُمران والبنى التحتية).

يُشار إلى أنّ الحروب التي نتحدث عنها هنا، ليست تلك التي تُفرَض علينا من الخارج-ظلمًا وعدوانًا- حيث يجب ان نتصدّى لها ونقاومَها بكل ما أوتينا من قوة وإمكانات. بل المقصود هذه الحروب الأهلية التي أضرت بتماسك جبهاتنا الداخلية وجعلت الأخ يسفك دم أخيه بغير حق ويدمر الأرض ويشرد المواطنين الأبرياء العزَّل وينتهك حرمة الشيوخ والنساء والأطفال !

مع الإشارة إلى أنّ الحروبَ قد تكون ضرورية (والضرورة تقدَّر بقدرها) في بعض الحالات، عَمَلًا بقاعدة "أخف الضررين"، بشرط أن يكون الهدف منها الضغط على المتحاربين-الأطراف المتعنتة خاصة- حتى يجنحوا للسلم ويجلسوا إلى طاولة المفاوضات من أجل الوصول إلى حل سياسي...في النهاية لن يكون الحل إلّا سياسيا...

نرجو من العليّ القدير أن يُوفقَ مَن بقيَ من الحكماء العرب-على قلتهم-في وضع حد لهذه الحروب الأهلية العربية المشؤومة. وما ذلك على الله بعزيز.