قراءة في كتاب «أيّة فرنسا بعد عشر سنوات؟»

-A A +A
أحد, 2014-08-24 12:27

فرنسا ليست بالتأكيد أحد البلدان الفقيرة في عالم اليوم، والفرنسيون ليسوا في عداد الشعوب التي تعاني من العوز وضنك العيش بالقياس إلى أغلبية شعوب المعمورة. لكن مع ذلك أظهرت دراسات واستطلاعات رأي عديدة أنهم من بين أكثر شعوب العالم تشاؤماً فيما يتعلق بمستقبلهم.

الحكومة الفرنسية قررت في مثل هذا السياق عقد ندوة دراسية قبل عام، حول الصورة التي يمكن أن تكون عليها البلاد بعد عشر سنوات.

وجرى تكليف الاقتصادي الفرنسي والمفوّض العام للإستراتيجيات واستشراف المستقبل جان بيزاني ـ فيرّي بتحرير مساهمة كي تكون مقدّمة للندوة المعنية. وطلب منه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بناء على ذلك كتابة تقرير ـ مشروع حول صورة فرنسا المتوقعة بعد عقد من الزمن. ذلك التقرير هو موضوع كتاب صدر مؤخّراً تحت عنوان «أيّة فرنسا بعد عشر سنوات؟»

 

ويشير جان بيزاني ـ فيرّي أن هذا العمل لا يتعلّق في واقع الأمر بتوقعات، لكن بالأحرى يقترح فيه اعتماد بعض الخيارات المستقبلية بحيث تكون هي النواة لعدد من الورش التي ينبغي لها أن تساهم في عملية تحوّل وسط عالم يعرف الكثير من التحولات وتتسارع الأزمات فيه واحدة بعد الأخرى.

 

أمّا اختيار فترة العشر سنوات فيرمي إلى تجاوز كل الفترات الانتخابية الرئاسية ويبتعد عن إمكانية توظيف المشاريع المطروحة انتخابياً من قبل أي معسكر سياسي. ثم إن مثل هذه الاستمرارية الزمنية تسمح برؤية نتائج ملموسة على أرض الواقع. والتأكيد بكل الحالات أنه ينبغي تجنّب كسر معدّل النمو الاقتصادي، حيث إن ذلك يعني تلاشي الاستثمار وتراجع المستثمرين.

 

أمّا المشاكل والعوائق التي يمكن أن تقف حجر عثرة أمام النمو الاقتصادي الفرنسي فيحدد المؤلف على رأسها معرفة عمّا إذا كانت فرنسا تريد أن يكون النهوض الاقتصادي بالاعتماد على الصناعة أو بالأحرى على الخدمات الجديدة؟

 

وتتم الإشارة على الصعيد الصناعي أن فرنسا غدت اليوم من أكثر البلدان المتقدمة تراجعاً في مجال الصناعة وبالتالي تحتاج العودة إلى سياسة الاعتماد على التصنيع جهودا كبيرة، استثنائية. هكذا مثلا يتطلّب جعل الشركات الصناعية فاعلة اقتصادياً تخفيف الأعباء الواقعة عليها مثل ثمن الطاقة المرتفع وتخفيض الأعباء العامّة وتخفيف كلفة المعيشة بالنسبة للعاملين.

 

أمّا على صعيد التوجّه نحو قطاع الخدمات فيرى المؤلف أنه سيكون بالتأكيد أقلّ كلفة بالقياس إلى خيار العودة للتصنيع القادر على المنافسة. أقل كلفة لكن سيتطلّب إجراء تبدّل عميق وكبير في الأولويات بالقياس إلى ما هو قائم اليوم. هكذا مثلا يشير المؤلف أن التعليم العالي في أغلب بلدان العالم المقدّمة اليوم هو بصدد أن يغدو صناعة قابلة للتصدير.

 

في المحصّلة يصوغ المؤلف عددا من الخيارات وبالأصح «الورش التي ينبغي الشروع بتنفيذها»، خلال العقد القادم. إنه يحدد عددا من «الأوراق الرابحة»، التي تمتلكها فرنسا ويرى أنه عليها استثمارها في إطار خطط واضحة وقابلة للتنفيذ على مدى السنوات العشر القادمة.

 

ويؤكّد المؤلف على ضرورة اللجوء إلى «إصلاحات على المدى الطويل»، ذلك أن الإصلاحات الصغيرة لا تثير الطمأنينة وليست فاعلة. من هنا يجد أن أفق العشر سنوات يساعد على وضع إستراتيجية واضحة وتنفيذها بدقة.

 

المؤلف في سطور:

 

جان بيزاني فيرّي اقتصادي فرنسي، يشغل منصب المفوّض العام للإستراتيجيات واستشراف المستقبل منذ مطلع شهر مايو 2013، أنجز دراسات جامعية في الهندسة، وكان مدير مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية، كما كان المستشار الاقتصادي لدومينيك ستروس كان، وزير الاقتصاد والمال الفرنسي الأسبق قبل أن يصبح رئيس الصندوق الدولي، ويعمل جان بيزاني ـ فيرّي أيضا أستاذا في جامعة بروكسل الحرّة، من مؤلفاته «الامتحان الأميركي»، و«المغامرة الجيّدة»، و«أوروبا التي تفقد مكانتها» وغيرها.