الذكرى الخالدة / معمر ول محمد سالم

-A A +A
سبت, 2017-12-30 19:09

تتوغل السنون في مضارب الخلود سراعا، لكنها تضيء الأرجاء المدلهم ليلها كلما لاح طيف الذكرى. أحد عشر عاما، مرت على صعود الشهيد صدام حسين منصة المستحيل في عالم البطولة والشهادة.

تعيد الذكرى كل عام استحضار تجربة البعث في قطر العراق، تلك التجربة التي شكلت أيقونة التجسيد الفريد لمشروع الثورة العربية الوحدوي، حتى لا نسمح للانتهازيين بوضع جدار عازل بين الشهيد صدام حسين والمشروع الفكري الذي يمثله من خلال التخلص الذي يروج له المرجفون والمتنطعون "اختاره الله على أفعاله" وهو مدح تنزع مراميه وجبلة صاحبه إلى الذم لا محالة، وهي جبلة بصاحبها دخن من الشعوبية أو الحسد.

فهو يعنى وفقا لمفهوم المخالفة أن سابقته ساءت. ولعمري إن سابقاته وسابقات سابقاته حسنت مثلما حسنت خواتمه، والأصل تتبعه الفروع...إن مشهد الاستشهاد الجماعي لقادة تجربة البعث العظيم في قطر العراق الشقيق، أبانت معدن الحزب النفيس، ولا غرو، فهو فكر أصيل سال مداده بوحي من قيم الصحراء والخيمة العربية والذات العربية، فأشرق حين حشدت الأمة كل قُواها لتنجبه، فحشد كل قُواه لينجب لها قائدا عظيما بحجم صدام حسين.

فلم يكن صدام حسين مجرد رجل عظيم ترك ذكرا وذكرى في نفوس البشر كالإسكندر الأكبر وسيف بن ذي يزن وكليب... بل كان أمة بأكملها.. دخل خالد الذكر تاريخ الأمة العربية ذات ليلة يغشى الظلامُ سماءَها، فاحتضنها بذراعيه على طريقة النسر وأقواس النصر التي تصد الغزاة عن بوابات الأمة، فكانت ذراعه اليمنى درعا للعراق (البوابة الشرقية للأمة العربية)، فما كان للصًفويين أن تطأ أقدامهم أرض الرافدين إلا أسرى، وكانت ذراعه اليسرى تصدُ الغزو عن البوابة الغربية للأمًة العربية (بلاد شنقيط).

وقد تمكن صدام حسين من تجسيد جيد للمشروع الحضاري والوحدوي للأمة العربية في مقابل المشروع الغربي والفارسي والتركي.. فأسس الجامعات والمعاهد العليا وبنى جيشا عربيا قويا وأقام نهضة ثقافية واجتماعية كبرى، فأمم النفط وأنشأ بطاقات التموين والتأمين الصحي والتعليم المجاني.. لذلك لم يكن صدام حسين يعيش لذاته، فلم يسع لمجد ذاتي، ولا لطموح شخصي، ولا لمكاسب ذاتية، وما ينبغي له ذلك، وإنما نذر حياته لتجسيد مبادئه التي آمن بها، فشدت عضده، بعد أن أخرجه اليُتم من العوجة ثائرا.. وقد جسد أبو عدي -في صلابته وإصراره

- الذات العربية الخالدة، فقدم تجربة فريدة لمشروع نهضوي عربي، لا شرقي ولا غربي، ولا طائفي.. وقدم في لحظات الصعودِ إلى الخلودِ صورة للمؤمنين الواثقين من قضاء الله و قدره، الذين يتقدمون (والجنة تلمع بين سيوفهم) كما يقول الأستاذ المؤسس.

الرفيق معر محمد معمر