جناسات الواقع الموريتاني ( الحلقة ٤) : مخبِر/مخرّب

-A A +A
اثنين, 2014-09-01 17:05

فى إحدى ليالي العام 2012 ، شاركني أحد الموظفين السامين فى القصر الرئاسي بعض القصص التي تعكس نظرة "ساكن القصر" للصحافة والإعلاميين فقال:ألحّ صحفي معروف فى طلب التعيين أو الحصول على امتياز مادي يعادل المقالات والتحليلات الموالية التي يمطر بها الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة تفخيما للرئيس وتقزيما لمعارضيه.

تٓحيّنْتُ الفرصة حتى كان مزاج الرئيس رائقا - يقول الموظف السامي- فعرضتُ عليه الأمر فأجاب: (( يٓنْسْخُ لا يْفٓتْرٓكْ، التعيين ماهُ خالكْ ظرْكْ، قل له يوخظ على .....يعطيه ذلك الذي يعرف، كافيه يٓنْسـخُ)).

ولعلمكم، فإن ذلك الذي يعرف هو مبلغ 300 ألف أوقية، نقلا عن الصحفي المعروف الذي احتج لدى الموظف السامي قائلا ان..... يماطله ويهينه مقابل 300 ألف!!!!!!!!! وهل لك كرامة يا هذا حتى تحتج أو ترفض الإهانة؟ لا تنفي هذه القصة المخجلة وجود صحفيين مؤمنين بخط سياسي معيّن يُسخّرون أقلامهم للدفاع عنه، سواء فى الموالاة أو فى المعارضة، لكن الطامة الكبرى هي وجود جيش عرمرم من المواقع والأقلام المجندة لخدمة من يدفع.

وبإمكان المتتبع المِهٓني أن يقرأ من عناوينها كل يوم مستوى علاقتها بالنظام، ومن عدة زوايا تبعث كلها على الشفقة. والواقع أن ثنائية المخْبِر/المخرّب ليست وليدة وصول النظام الحالي الى السلطة.

لقد كان الكم فى تراخيص الصحف يُقدّم منذ العام 1991 على أنه مكسب من مكاسب حرية التعبير، دون مراعاة للكيْف، ودون أية ضوابط أخلاقية أو مهنية.

( كانت أعراض الناس تُنتٓهٓكُ بغير حق، وتُتخذ عناوين الصحف مطايا للمزايدة وتصفية الحسابات....ولا أظن الطين جف فى هذا المستنقع....بل ازداد بلة على بلة).الخطير فى هذا المنزلق هو الانفتاح السمعي البصري الذي سيُدخل الخبر إلى كل الأذان، ويضعه أمام كل العيون التي لم يكن متاحا لها الخبر المكتوب فى الصحافة الورقية أو الإلكترونية.

ولا يزايِدٓنٰ أحد عليّ بالقول انني أدعو إلى تكميم الأفواه أو الوقوف فى وجه تيار حرية التعبير، فذلك كلام بلا نحوٍ وطعام بلا مِلح.ان أخشى ما أخشاه - ونُذُرُه قائمة- هو أن يتسلل المخبرون/المخرّبون إلى القنوات والمحطات كما عشعشوا فى الصحافة المكتوبة والإلكترونية فحولوا أغلب صحفها ومواقعها إلى شبكات للتجسس والنميمة وأكل أعراض الناس.والأخطر من هذا وذاك هو احتمال انشطار المشهد السمعي البصري إلى كانتونات أيديولوجية وعرقية.لنقف جميعا فى وجه هذا الإعصار التخريبي. / باباه سيدي عبد الله