ملاحظات أخرى على هامش مؤتمر "أفلام" / محمد الأمين ولد الفاضل

-A A +A
أربعاء, 2014-09-03 23:43

أثار مؤتمر "أفلام" جدلا كبيرا ونقاشا حادا، واختلف الناس حوله اختلافاكبيرا، وإسهاما في هذا النقاش فإني سأعود مرة أخرى للكتابة عن هذاالمؤتمر، وذلك لأقدم جملة من الملاحظات حول المؤتمر، ولن أنسى أيضا أن

أتحدث عن بعض الحضور، والذين أثار حضورهم نقاشا حادا كان في بعض الأحيانأكثر حدة من النقاش الذي أثاره المؤتمر :

1 ـ في اعتقادي بأنه على الموريتانيين جميعا أن يرحبوا بعودة المنخرطينفي "أفلام" إلى أرض الوطن، وعليهم جميعا أن يشجعوهم على الانخراط فيالعمل السياسي وفق الدستور، وعليهم جميعا أن يرحبوا بهذا التطور والتغيرالحاصل في خطاب "أفلام"، حتى وإن كان ما يزال تطورا خجولا.

2ـ علينا جميعا أن نشجع الحكومة على فتح حوار مع قادة هذه الحركة، وأنتوفر لهم  المناخ الملائم للانخراط في العمل السياسي السلمي، كما أنه علىالأحزاب السياسية أن تنفتح على هذه الحركة وأن تشجعها على الانخراط فيالعمل السياسي.

3 ـ ولكن في المقابل، فلم يكن من المناسب ولا من اللائق أن يتم تنظيممؤتمر علني باسم "قوات التحرير الإفريقية الموريتانية" في العاصمة نواكشوط، فماضي هذه الحركة معروف، ولم يكن من المناسب أن ترفع لافتة باسمهذه الحركة، وأن يرفع علمها، وأن ينظم تحته مؤتمر يدعو صراحة للحكمالذاتي لمدن الضفة. كان الأنسب حسب وجهة نظري الخاصة أن يتم تنظيم هذاالمؤتمر بشكل عادي دون الإعلان عنه، ودون دعوة الأحزاب ولا الصحافة إليه،وإذا ما اتفق المؤتمرون على تأسيس حزب سياسي وفق مقتضيات الدستورالموريتاني فحينها يتم الإعلان عن المؤتمر، وحينها يكون من المقبول دعوةالأحزاب الأخرى، وحينها لن يقبل أي عذر من أي حزب سياسي تخلف.

4 ـ إن هذه الأوراق النقدية التي نتعامل بها، والتي نحبها حبا عظيما،ليست إلا مجرد أوراق، وهناك أوراق كثيرة أحسن منها شكلا، ولكن هذهالأوراق اكتسبت قيمتها من القيمة التي نمنحها لها، والتي جعلت منهاأوراقا ذات قيمة مالية ونقدية، وفي اليوم الذي ننزع منها تلك القيمةفإنها ستتحول إلى مجرد أوراق بلا أهمية وبلا قيمة.

ونفس الشيء يمكن أنيقال عن العلم الوطني، فما هو إلا قطعة من قماش، قد لا تكون من أحسنالقماش المتوفر، ولكن الناس أعطوها قيمة جعلتها تتميز عن كل قطع القماشالأخرى، نفس الشيء يمكن أن نقوله أيضا عن النشيد الوطني.إن هيبة الدولة وسيادتها ما هي إلا كلمات لا تكتسب أهميتها إلا من الشحنةالتي تعطى لها، وهذه الهيبة لابد أنها ستتأثر سلبا عندما ترفع جماعة منالموريتانيين علما لها غير العلم الموريتاني، وأن ترفعه في قلب العاصمةنواكشوط، وهي لابد أن تتأثر سلبا عندما تخرق جماعة ما المادة الأولى منالدستور الموريتاني فتطلق دعوات عنصرية، وتطالب بحكم ذاتي لمدنموريتانية، وهي لابد أن تتأثر سلبا عندما يظهر في القنوات التلفزيونيةالحرة، وفي المواقع صورة لافتة كُتبت عليها سطور فرنسية بأحرف كبيرةوملونة، وجعلت فوق سطور عربية كتبت بأحرف صغيرة سوداء.هذه الأمور قدنعتبرها مسائل صغيرة وتافهة وهامشية، ولكن علينا أن نعلم بأن احترامنالها هو الذي سيمنح للدولة هيبتها، وازدراؤنا لها هو ازدراء للدولةالموريتانية . وقبل أن اختم هذه الملاحظة لابد أن أقول بأنه بإمكاننا أننغير كل هذه الأمور إذا لم تكن ترضينا: العلم ، اللغة الرسمية للبلاد،الحكم الذاتي، ولكن هذه الأمور لا يمكن تغييرها إلا بالوسائل والأساليبالدستورية، فعلى من يرغب في تغييرها بأن يقدم مشروعا سياسياللموريتانيين، فإن قبلوا به، وأعطوه الأكثرية في أي انتخابات، فساعتهايكون من حقه أن يدعو إلى استفتاء على دستور جديد يشرع للحكم الذاتي، أويشرع حتى للانفصال.5 ـ لم يكن حضور أحزاب معارضة لهذا المؤتمر موفقا، وأنا هنا لا أنتقدحزبا دون حزب، لأن ذلك الانتقاد الذي يميز بين أحزاب المعارضة التي حضرتلا يخلو هو أيضا من شحنة عنصرية، ولم تكن الحجج التي تم تقديمها من طرفبعض الحاضرين بمقنعة لي.فلم يكن من اللائق أن يحضر رئيس حزب سياسي لمؤتمر تنظمه حركة تدعو إلىحكم ذاتي، ولم يكن من المناسب أن يبقى جالسا دون أن ينسحب، وهو يرى بعضمواد الدستور الموريتاني يساء لها. وهنا قد يقول قائل، وما أكثر من يقولبذلك القول، بأن السلطة القائمة هي من سمحت بتنظيم المؤتمر، وهي من يسيءإلى الدستور الموريتاني بكل أنواع الإساءة الممكنة، بما في ذلك الانقلابعلى رئيس منتخب. لهؤلاء أقول بأنه من المفترض بأن تكون المعارضة تقدممشروعا مغايرا للسلطة الحاكمة، فإن أساءت السلطة الحاكمة للدستور، فعلىالمعارضة أن تحترم ذلك الدستور، فبذلك وحده ستقنع الشعب الموريتاني بأنهامعارضة تشكل بديلا للسلطة، وأنها تسعى فعلا لإقامة دولة الحق والعدل التييحترم فيها القانون، والتي يجد فيها كل موريتاني حقه كاملا غير منقوص.6 ـ لم تكن البيانات التي أصدرتها بعض الأحزاب السياسية للتنديد بعدمسماح السلطات بعقد مؤتمر "أفلام" بالبيانات المقنعة. الغريب في الأمر أنتلك البيانات احتجت بالمادة العاشرة من الدستور الموريتاني التي تضمن حقالتعبير والتجمع، ولكنها في الوقت نفسه تجاهلت المادة الأولى من نفسالدستور، وهي المادة التي انتهكها المؤتمر الذي اتخذ طابعا عرقيا، والذيدعا إلى حكم ذاتي لمدن الضفة. لا يليق بحزب سياسي عريق أن ينتصر للمادةالعاشرة من الدستور الموريتاني، وذلك في وقت يخذل فيه المادة الأولى مننفس الدستور.7 ـ من حقنا أن نخاف على وحدتنا الوطنية التي باتت مهددة أكثر من أي وقتمضى، فهي مهددة لأن الرئيس كان قد أعلن في بداية مأموريته الثانية بأنهسيحميها، وسيمنحها الأولوية في مأموريته هذه، وكان ذلك نذير شؤم علىالوحدة الوطنية، فأن يعلن الرئيس بأنه سيهتم بأمر ما، وسيمنحه الأولوية،فذلك يعني بأن ذلك الأمر سيزداد خرابا وانهيارا، ويكفي لتأكيد ذلك أننتأمل حال رموز الفساد في أيامنا هذه، والمكانة الرفيعة التي يتمتعونبها، وذلك رغم أن الرئيس كان قد وعدهم في بداية مأموريته الأولى بأنهسيشيد لهم السجون وسيلقيهم فرادى وجماعات في تلك السجون.ومما يقلق أيضا على الوحدة الوطنية هو طغيان الخطاب القبلي والجهويوالعرقي والشرائحي والفئوي على الخطاب الوطني الجامع، ويكفي أن تأخذوالقطة سريعة من موريتانيا في هذا العهد لتعلموا بأن بلادكم في خطر، وبأنوحدتكم في خطر، وبأن الخطاب الوطني الجامع يختنق، وينخفض، ويخفت لصالحالخطاب الفئوي والشرائحي والعرقي والقبلي والجهوي. فأهل "الشرك" يقولونبأنهم مهمشون، وشبابهم وأطرهم في كل يوم يتذمرون،

وأهل "الساحل" يقولونبأنهم من خيرات مدنهم محرومون، ولكنهم صامتون صابرون محتسبون، و"الولوف"غاضبون وما عادوا للظلم والتهميش يحتملون، و"السنونكي" يجتمعون وينذرونويقولون بأنهم  بعد يومهم هذا ما عادوا للتهميش يقبلون، و"البولار"يقولون بأنهم ظلموا، وبأنهم في كل يوم للمعاناة يتجرعون، وللإقصاءيبتلعون، وفي بحر من الأحزان والآلام هم غارقون ، وأهل "الكبلة" قلقونوخائفون ومن حالهم ضجرون. أما "لحراطين" فهؤلاء قد جمعوا معاناة الجميع،وأحزان الجميع، ومصائب الجميع، وآلام الجميع، وهموم الجميع، جمعوا كلذلك، أو يزيدون ، و"لمعلمين" فها هم قد أطلقوا حراكهم ليرفعوا عنهم معاناة امتدت لقرون.

فهل يا ترى تسكن معنا على هذه الأرض أمة من الجن، تنهب خيرات هذاالبلد،وتهمش أهله كلهم أجمعين، وبكل شرائحهم وأعراقهم وفئاتهم وقبائلهموجهاتهم؟حفظ الله موريتانيا..