موريتانيا .... أرهاصات عملية نقل السلطة / إسلمو أحمد سالم

-A A +A
اثنين, 2018-03-05 17:08

تطرح في البلد ، و في أي بلد ، عملية نقل السلطة بما تعنيه من سلطان وسيطرة، أكبر معضلة يواجهها المجتمع .

و مهما كانت  آلية نقلها آمنة ، و مدى ضمان والالتزام بها ، فإن محاولات الالتفاف عليها ، و التحايل على بنودها يظل هاجسا يقوض الاستقرار و البحث عن الرخاء ، للفرد و المجتمع .و إذا كانت آلية نقل السلطة غير سليمة ، او طرق تنفيذها غير سلسة ، فإن البلدان تكون معرضة للاضطرابات و عدم الاستقرار.

منذ 1991 بدأت موريتانيا تخطو خطواتها الأولى نحو التعددية و الديمقراطية ، و لم يكن الشعب قد نضج للعملية ، و لم يتوفر البلد بعد الانقلاب العسكري على نظام قوي يؤسس لمفهوم الدولة ، و إنما ظلت السلطة محل صراع بين قادة الجيش ، و رغم محاولات بعضهم القضاء على بعض المفاهيم المعرقلة للنمو ، إلا أن عدم وجود رؤية لديهم ، و طبيعة الارتجالة التي تعتبر صفة سائدة عند جميع الموريتانيين ، جعلت التأثر بسيط ، و سرعان ما اختفت مظاهر التغيير عندما وجد ولد الطائع أن تمكنه من السلطة مرهون بإحياء القبلية ، و استغلال موارد الدولة لذلك .

 اضطر ولد الطائع ، في أواخر عهده ، لما رأى الدولة في حالة إفلاس ، لاستثمار المواقف الخارجية من أجل الحصول على التمويلات ، فكانت العلاقة مع إسرائيل ، و حملة إعتقال الإسلاميين و مصايقتهم ، مما سبب الاحتقان الذي تسبب في انقلاب فرسان التغيير ، ثم انقلاب 2005م .

لم تكن الدولة العميقة على استعداد للقبول بالتغيير الهادئ الذي كان يقود الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله ، و الذي يبدو أنه تملص من مطامح الآتين به للسلطة ، فرجعت الدولة القهري بالانقلاب ، ثم بالانتخابات التي أعقبتها ، الرئاسية و التشريعية و المحلية .

كان على النظام أن يبقي على بصيص أمل في التناوب ، بإبقائه على عدد المأموريات ، لكن مضايقة الزمن جعلت التفكير ينصب على محاولة الالتفاف على الالتزامات ، و العودة للسلطة .يستغل أركان النظام مخاوف المواطنين من عدم الاستقرار ، و بطبيعتهم  الوديعة و التي لا تؤمن بالدولة ككيان ، و علاقات الأفراد داخل المجتمعات من أجل التأثير على الرأي العام ، لتسويق طبخة مقبولة خارجيا ، و يمكن ضمان تنفيذها داخليا.

تضج الساحة  بالخطابات المنمقة ، و الروح الوطنية العالية التي يتم تقمصها ، و يستغل في ذلك جهل المواطنين و نقص ثقافتهم ، و حتى عدم اهتمامهم، و مهما كانت المؤهلات الذهنية لأصحاب الحناجر (الغيورين على البلد)  ، و مستوى التكوين و القدرة على تقديم البراهين و الأدلة ، فإن المتلقى موجه بواسطة خبرته في النزعات الطبيعة التي تتحكم في المسؤولين ، و يقوم بتمرير كل تلك الخطابات على ذلك المحك .

سيقومون بتحريك الشباب ، و بمسيرات و مهرجانات خطابية ، و سيروجون حاجتنا للتلاحم و الاستقرار ، لكن العقل الباطن لكل متحدث تسيطر عليه فكرة واحدة ، هي البحث عن الذات ، و تنمية الذات و تمجيد الذات ، و العقل الواعي للمتلقي قد خبر اللغة و الخطاب و الخطيب .

ليس ولد عبد العزيز أسوأ رئيس يمر على الكرسي ، و لا يبدو أنه الأكثر نهما في البقاء ، لكن المحيطين به مصابون بهيستيريا ، تعكس خلطة من الخوف و الرجاء و حالة الترقب لما هو قادم .

و يرى المراقبون أن المخاض المعلن إنما هو استغلال للنقم الشعبي على الحكومة و الحزب ، من أجل صرف نظر المواطنين إلى أي بديل قد يتم تقديمه على نار هادئة ، بعيدا عن الأضواء المسلطة هذه الأيام ، و التي سيعتبر فرسانها أوراق محروقة . و يرون أن السلطة الحقيقية إنما هي بيد الجيش ، و سيقدم بديله في الوقت المناسب ، و بعد حصر السخط الشعبي نحو الحزب و أعضاء الحكومة  .