قمة قصــر المرابطيـــــن .. ودلالاتها السياسية والحضارية

-A A +A
اثنين, 2018-07-02 21:44
الاستاذ  الدكتورمحمد المختار سيدي محمد مدير الوثائق الوطنية

تتوشح العاصمة نواكشوط هذه الأيام بأعلام شقيقاتهاالافريقية، وتغتسل بمياه المحيط، وهي تستقبل الوفود الرئاسية التي تداعت للمشاركة في قمة نواكشوط بحضورالرئيس الفرنسي وممثلين عن الاتحاد الأوربي والجامعة العربية والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية بقضايا التنمية والحكم الرشيد ومحاربة الفساد والإرهاب والتطرف والتهريب والجريمة المنظمة والأوبئة، وهي الملفات ذات الأولوية القصوى على مستوى القارة الإفريقية والعالم من حولها.

مما يستدعي وقفة تأمل مع أسئلة مشروعة تطرح نفسها، بإلحاح، هذه الأيام تتعلق بمقومات وخلفيات النجاح الكبير الذي يحققه فخامة السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز في قيادته للمحفل الإفريقي، وتزكية القادة الأفارقة لهذا المسار، ومباركة المنظومة الدولية، وتطلعها إلى نواكشوط للعبور بالمنتظم الإفريقي إلىبر الأمان والتنمية والاستقرار.

لقد قيل قديما في المأثورات اليونانية إن الخلطة التي تستحق أن تسوق هي تلك التي أشفت مرضى البيئات المختلفة، وإلا لا تكون، وهكذا كانت المقاربات الموريتانية في مجال محاربة الفساد وترشيد الموارد الوطنية خدمة للتنمية الشاملة، ومكافحة الإرهاب التي اعتمدت الحزم والعزم والعقوبة والعفو في ذات الوقت، وأبانت على سداد رأي ونفاذ بصيرة لدى القيادة الموريتانية ممثلة في شخص السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي لم يساوم على حرمة الوطن ومصالحه العليا، ولا على أرواح المواطنين والأجانب المستأمنين، والذي وضع أسس مقاربة وطنية شاملة تضمنت، من بين محاور أخرى:

• تحسينا معتبرا لجاهزية قواتنا المسلحة وقوات أمننا، مكنت من محاربة جادة للإرهاب، وردع للمجرمين، نالت إعجاب المراقبين،

• انتهاج سياسة رزينة وحازمة في التعامل مع كافة المواقف بعيدا عن التهور وعن الجمود والخنوع.

• فتح حوار فكري مع الشباب المغرر بهم أسفر عن عودة العشرات منهم إلى رشدهم

• تنظيم ندوات دولية شاركت فيها شخصيات علمية عالمية ووطنية لمناقشة قضايا الإرهاب وسبل مكافحته

• اعتماد سياسة خارجية تدافع عن المصالح العليا للبلد، وتحافظ على دور موريتانيا المتميز عالميا جعلتها تتصدر معظم اللجان والبعثات المنتدبة لفك النزاعات، والصراعات الإقليمية والدولية،

• احتواء مضاعفات الحرب في مالي من خلال تأمين الحدود، وتوفير الإيواء والإغاثة للمتضررين من هذه الحرب رغم الأزمة الاقتصادية العالمية.ولعل من عوامل نجاح هذه المقاربة أنها خططت ونفذت بعقول وسواعد وطنية، وحظيت بالتفاف شعبي منقطع النظير في أوساط القوى العاملة وفعاليات المجتمع المدني وقادة الرأي والفكر والسياسة مما أعطاها براعة اختراع" محلي بامتياز" توج بانتصارات على الأرض كان من أبرز نتائجها أن دكت قواتنا المسلحة أوكار الإرهاب والجريمة المنظمة ونقلت المعركة إلى خارج الحدود، وغيرت موازين الحرب من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم والمطاردة، مما أقنع الأفارقة والعالم أن الدرس الموريتاني حري بالعناية والتمثل نظرا لوجاهته ونجاعته وفرص تهجيه في بيئات إفريقية فيها من عوامل الوصل أكثر مما فيها من نوازع الفصل، وفيها من أسباب عدوى الحروب والأوبئة ما يستوجب الاحتراز غيرأن شعور الموريتانيين بالمسؤولية تجاه الأشقاء الأفارقة يسوغ ما يبذل اليوم من تضحيات؛ولا شك أن نجاح موريتانيا اليوم، بقيادة السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، في تحقيق هذا الاختراق الدبلوماسي المشرف، وتنظيم قمة قصر المرابطين، بما ترمز إليه من دلالات تاريخية وسياسية وحضارية، في أصعب مراحل التاريخ الإفريقي، يمثل تعبيرا صادقا عن تمسكها الدائم بأهداف ومبادئ هذا المحفل القاري، ودعمها لتطلعات شعوبه المشروعة في الحرية والانعتاق، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أنه يجسد مركزية الدور الموريتاني في المحفل الإفريقي كونها عضوا مؤسسا لهذه المنظمة القارية، ولها وزنها المحسوس ومكانتها المركزية في التقارب العربي الإفريقي، وفي نصرة القضايا العادلة، وتصدر وقيادة لجان الوساطة والتحكيم، وفض النزاعات بالطرق والوسائل السلمية، بفعل الإرادة السياسية القوية لقيادتها، وبحكم موقعها الاستراتيجي، و اتكائها على قرون من التواصل الحضاري والاجتماعي المؤثر والمستمر في عموم الساحل والصحراء، أيام كانت البلاد تتحكم في المبادلات التجارية، وفي مسارات جيوش الفتح، ورحلات الحج، وزوايا التصوف، وأحواش المحاظر، وفي القيادة أو التأثير الفاعل في الامبراطوريات الكبرى، من غانا إلى الصونغاي ومالي، ومن المرابطين والتكرور إلى الممالك والإمارات السودانية، واللمتونية، والمغفرية، والطارقية، مما يعني باختصار شديد أن موريتانيا كانت دائما طرفا فاعلا ومحوريا في المعادلات المحلية والإقليمية، وهي اليوم مصممة على أن تبقى رقما لا يمكن تجاهله في عموم إفريقيا، وفي منطقة الساحل والصحراء على وجه الخصوص،بما يضمن لها أمنها ومصالحها والتزاماتها الدولية، ويحقق الاستقرار والتنمية في إفريقيا والعالم.

الاستاذ الدكتورمحمد المختار سيدي محمد  مدير الوثائق الوطنية

  [email protected]