جريمة القرن أو الجريمة المركبة

-A A +A
خميس, 2018-10-25 08:18
د. كمال الهلباوى

كانت وفاة البوعزيزى فى تونس فى أوائل يناير سنة 2011 ، سبباً فى إندلاع الربيع العربى فى تونس، وكان البوعزيزى قد أشعل النار فى نفسه اعتراضا من السلطات الظالمة على مصادرته بضاعته البسيطة التى يرتزق منها حلالاً. وقامت الاضطرابات ثم الثورة ورفعت شعارات: لا للبؤس، لا للبطالة، ولا للاستبداد وانتشرت الثورة فى كل تونس وهرب ابن على الى السعودية، وأرى أنه كان من الواجب -فى ظنى- أن تكون جريمة قتل الاعلامى السعودى خاشقجى فى قنصليه بلده فى تركيا، سبباً فى إندلاع ثورة الربيع العربى أو الخريف العربى أياً كان، فى السعودية، ليس فقط من أجل بشاعة تلك الجريمة والتخطيط لها من دولة مستبدة ظالمة ضد شخص أعزل لا يملك إلا الكلمة، ولكن من أجل فساد ذلك النظام وإفساده – وهو يزعم الاصلاح- بإشعال حرب اليمن ودعم الارهاب والارهابيين فى أكثر من بلد عربى قريب، وسجن العلماء والفقهاء، ومحاصرة دولة قطر، بعد أن فشل غزوها كما غزا صدام الكويت من قبل، وأيضا بسبب التقارب والتودد والتطبيع مع أعداء الأمة، والتخطيط والسعى المستمر للايقاع بالجمهورية الاسلامية، وإشعال الفتن الدينية والمذهبية، والوقوف ضد المقاومة العظيمة فى الأمة، وإهدار الثروات فيما لا طائل منه. والانصياع للهيمنة الغربية والتكبر والتجبر على إخوانهم من العرب والمسلمين.

القتل جريمة شنعاء منكرة ، سواء أكان القتيل كبيرا أو صغيرا، غنيا أو فقيرا، نكرة أو معروفا، فالقتل إزهاق للنفس إلا ان يكون قصاصاً أو دفاعاً عن النفس أو الوطن. وقد قال الله تعالى عنها وعن بشاعة هذه الجريمة”مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا “لأنك كقاتل تقتل النفس التى خلقها الله تعالى، وليس لك عليها من سلطان. والغدر بالمقتول جريمة، وقد شاهدت الدنيا كلها الغدر والقتل فى جريمة خاشقجى رحمه الله تعالى، والتخطيط للقتل عمداً خسة وجريمة فى حد ذاته، واستدراج القتيل الى مكان يحسبه آمنا جريمة، وتقطيع الجثة أو إخفائها جريمة، والكذب فى الشهادة جريمة. كل ذلك يدعونى أن أقول عن مقتل خاشقجى جريمة القرن أو جريمة مركبة. وأكبر من كل تلك الجرائم أن تأتى ممن هو مكلف شرعا وقانونا ودستورا وعرفا وأخلاقا، أن يحافظ على أمن تلك النفس التى أزهقها. وأكبر من كل ذلك أن تأتى هذه الجريمة من مسلم فى وقت يتهم فيه الاسلام ذاته بالارهاب، وتأتى من مسؤولين فى بلد الحرمين الشريفين، حيث ينبغى أن يأمن الناس فيهما وحولهما حتى لو كان خارجهما خوف ورعب وقتال وإجرام. والجريمة – فى ظنى – لا يقوم بها فريق أمنى من تلقاء نفسه، ويتخذ تدابير عديدة وطائرات خاصة ويقوم بالقتل والغدر فى بلد مسلم آخر يبعد الآف الكيلومترات من تلقاء نفسه.

لا تزال السعودية تعانى من جريمة يوم 11 سبتمبر 2001، التى أعتقد أن أعداء الاسلام والعروبة دبروها، فجاءت جريمة القرن هذه (مقتل خاشقجى) لتفتح ملفات قديمة وحديثة، وتقدم ذريعة لأعداء الاسلام والعروبة، أن يستمروا فى إتهامهم للعرب والمسلمين بالارهاب. تباينت المواقف نحو هذه الجريمة الشنعاء وظهر هذا التباين خصوصا فى الاعلام العربى. كما ظهرت آثار الغطرسة السعودية والأرز السعودى على موقف بعض الرؤساء والاعلاميين من العرب وحتى ترامب الذى لا يهمه عدل ولا ظلم بل المصلحة الامريكية والصهيونية.

جاءت جريمة قتل خاشقجى معقدة لكنها تفضح الديكتاتوريات التى تتستر بالاصلاح، وتفضح النفاق والمنافقين الذين دأبوا على الدفاع عن الحكام الفاسدين والمجرمين بالباطل ، وجاءت لتنبه العالم كله إلى ظلم وجبروت الديكتاتوريات التى تتستر بإسم الدين الاسلامى، وبإسم الاصلاح، أو الترخيص للنساء بقيادة السيارات والانفتاح حتى على الاغانى والموسيقى الهابطة لإرضاء الغرب. كيف يتسنى لأهل الفساد والغطرسة أن يكونوا من المصلحين أو الإصلاحيين؟. سيكون هناك، بل انه بدأ بالفعل، أثار اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية لتلك الجريمة البشعة. وقد يرى بعض المراقبين أو المترقبين، بما فى ذلك ترامب أو اردوغان، ان معاقبة المجرمين كافية شافية، دون ابن سلمان او مع ابن سلمان، ولكننى أظن أن ابن سلمان هذا جاء عقابا للاسرة الحاكمة وآل سعود جميعا باستثناء المعارضين منهم والصالحين الذين لم يعد لهم حول ولا قوة أمام هذا الدب الفاشل. وهؤلاء وإن زاد عددهم بعد الملك فيصل رحمه الله تًعالى، الا أن الفساد قد زاد، وأصبح حكم آلِ سعود وبالا على الداخل والخارج. لا أظن أن هناك حلا إلا تغيير هذا النظام حتى ترتاح المنطقة وتهدأ الأمور والأوضاع وتقل المؤامرات، وهذا موكول للشعب السعودى وليس على المعارضة السعودية وحدها. وبالله التوفيق.