ولاته .. عودة بعد ضياع / عبد الله الراعي

-A A +A
جمعة, 2018-11-30 12:56

 لابد أن نكتب عن ولاته حتى نُـشفى منها .. يجب أن ننثر ذلك العشق الأبدي  الذي خلفته في نفوسنا ونحن نتلمس عبق التاريخ ونتحسس أنفاسه الجميلة في الأزقة والرُحبِ وعلى الجدران وبين أضرحة العلماء والصالحين ..

وكأن أصوات من مروا من هناك كانت  تنادينا بصوت شجي عزفته أوتار الزمن  ليشنف مسامعنا ..

ويردد مع أطفال ولاته "أخذناك عهدا حملناك وعدا  ..  ونهديك سعدا لجيل أطل"..في الحقيقة لن يسامح التاريخ كل ذلك التنكر والنسيان الذي ظلت المدينة التاريخية تعيشه لعقود من الزمن ..

لقد كان النسيان  والغياب المستمر يبسطان أطرافهما على المدينة دون أن تفهم لماذا كل هذا الضياع  ولماذا  أصبح الحزن وليمة وطبقا مضافا بالإكراه إلى الأطباق الولاتية الشهية ..!في النسخة الثامنة من مهرجان المدن القديمة الذي باشر الإشراف عليه منذ سنوات  فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز سبيلا إلى افتكاك المدن التاريخية من ذلك الضياع السرمدي الذي عاشته طيلة الحقب الماضية .. بدت ولاته واقفة على أقدامها متجملة بكل كبريائها وعفتها  تلبس كل ما تملك وتقول كل ما تعرف ..

عن حضارة السنوكي و عن رحب لمحاجيب ،  وبارتيل ،  وابدوكلْ ، والشرفاء ، ودار أشبارْ  .. وعن علم الولاتي ،  وحكمة اكيك ،  وصلاح بودمعة  ، وفتوة التاكاطي ..

تلك الروايات والحكايات الجميلة التي ذابت ذات غفلة من الزمن دون أن تجد من ينفض عنها غبار الضياع ..! لقد شكلت هذه النسخة من المهرجان استثناء وخروجا بالمهرجان إلى فضاءات  أرحب، ليكسر بذلك حاجز الرتابة ويبدي الاهتمام بكل التفاصيل..

من النقوش والآثار إلى المكتبات والأضرحة و شواهد المدينة وأعلامها ومعالمها ،حيث باشر معالي وزير الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة ذ/ سيدي محمد ولد محم  طيلة أيام المهرجان العديد من الزيارات الميدانية شملت "موقع تويْكْريتْ الأثري بمنطقة واد إينيتي" على بعد 50 كلم من مدينة ولاته وموقع تيزغت قرب ولاته.. كل الآثار في هذه المواقع كانت تبحث عن من يشعر بها و يحاورها ويتحسس عظمة من نقشوها على تلك الصخور الصامدة رغم عاديات الزمن وبدت وكأنها تشعر بزوارها  وتكتشف ملامحهم لأول مرة .إنها المرة الأولى التي يقف فيها وزير موريتاني على هذه الآثار وتلك خطوة عظيمة تحسب للحكومة الموريتانية التي تسعى جاهدة إلى نفض الغبار عن كنوز من التاريخ والحضارة البشرية ظلت مطمورة على مدى عمر الدولة الموريتانية .

سيحسب للقائمين على تنظيم  النسخة  الثامنة من مهرجان المدن القديمة ذلك الاهتمام المنقطع النظير بتاريخ المدينة العتيقة وما حولها من الآثار النفيسة، كان لابد للمهرجان أن يضع شيئا من الترتيب على فعالياته حتى تعم وتشمل كافة الإرث الإنساني الذي تزخر به مدننا التاريخية وهو ما ظهر بجلاء خلال يوميات نسخة ولاته 2018 حيث كانت أياما مشحونة وغنية بالوقوف على كل التفاصيل رغم صعوبة الإحاطة بها .