ماكرون الذي اقترح إنشاء جيشٍ أوروبيٍ هو الآن يقفُ أمام جيشٍ من الأزمات الداخلية

-A A +A
اثنين, 2018-12-10 09:25

مايا التلاوي

أسباب الحراك الشعبي الذي شهدته مدن وبلدات فرنسية إنما هو بسبب انعدام ثقة الشعب الفرنسي بسياسة ماكرون الاقتصادية رغم تراجعه عن بعض القرارات التي أثارت حَراك السترات الصفر في وجهه .

قد يركُن ماكرون إلى عدم اتفاق التيارات المُحركة للمتظاهرين على رؤيةٍ واحدةٍ ناظمة وإلى عدم وجود قيادة سياسية توجههم دائماً حيث تأمل حكومته، لكن الحراك بما يمثله يملك قابليات الاستمرار والتوسع وليست الشعارات المطالبة باستقالة الرئيس ماكرون سوى مظهراً من مظاهر ذلك .

تعمل السلطات الفرنسية على خطين لاستيعاب الحراك الأول الاجراءات الأمنية والثاني عبر استمرار الحوار مع شخصيات تمثل الحراك وإن على نحو غير رسمي أو مقبول من الجميع وهو مسعى يُفهم عادةً على أنه محاولة لتفكيك بنية الخصم .

الحوار الذي يشدد رئيس الحكومة الفرنسية إدوارد فيليب  دائماً على استمراره وتقدمه لا يبدو أنه أنتج تراجعاً في زخم التظاهرات فضلاً عن أنه لن يتطرق إلى مسائل أساسية ألهبت نفوسَ فرنسيين كثيرين ، فالمعضلة ليست مرتبطة بالضرائب فقط بقدر ارتباطها بتوسع الفوارق الطبقية انطلاقاً من سياسات تديرها شخصيات تؤمن بأن عجلة الاقتصاد تتحرك عبر إراحة أصحاب رؤوس الأموال من الضرائب بما يساعدهم على تشغيل الطبقات المتوسطة والفقيرة .

شيء ما من سياسات دونالد ترامب يحصل في فرنسا وهو مالم يمكن لأجيال عاشت على صورة فرنسا الاشتراكية ودولة الرعاية أن تقبله .

ليس معلوماً حتى الآن حجم التطور الذي سيبلغه حراك السترات الصفر وما إذا كان سينقسم على نفسه أو سيتوحد تحت عناوين مُحددة .

الحراكُ بدأ يلهمُ مجتمعات أوروبية أخرى وماجرى في بلجيكا وهنغاريا رغم ضموره سريعاً يوضح ذلك ويوضح تشارك معظم الأوروبين في معاناتهم الاجتماعية .

يتطور المشهد الفرنسي أسبوعياً في فترة يحاول ماكرون من خلالها تفعيل الدور الفرنسي على الساحة الدولية ، فهو اقترح إنشاء جيشٍ أوربيٍ ، لكنه اليوم يقفُ أمام جيش من الأزمات الداخلية .

كاتبة وباحثة سياسية