مبدعون فلسطينيون غلّفوا المشهد الثقافي بكآبة رحيلهم في العام 2019

-A A +A
ثلاثاء, 2019-12-31 11:36

الثالث من الشهر الأخير للعام 2019، فقدت الساحة الأدبية العربية، قامةً كبيرة في عالم الترجمة والأدب، برحيل المترجم الفلسطيني الكبير صالح علماني، عن عمر يناهز السبعين عاماً، مخلفاً وراءه مئات العناوين المترجمة عن الإسبانية من روايات ودراسات لأبرز كتّاب العالم، بينهم غابرييل غارسيا ماركيز، وخوسيه ساراماغو، وإيزابيل الليندي، وماريو بارغاس يوسا، ولوركا، إدواردو غاليانو، وجيوكاندا بيللي، وماريو بينيديتي، وأنطونيو سكارميتا، ولويس لانديرو، وآريل دوفمان، وكارلوس فوينتس .. والقائمة تطول.

وكانت مصادر في عائلة المبدع الكبير ذكرت لـ”الأيام”، أن رحيله كان مفاجئاً في إسبانيا، إثر نوبة قلبية حادة ومفاجئة، وأن زوجته نقلته إلى المستشفى لكنهم لم يفلحوا في إنقاذ حياته.

وقالت سوريا علماني، ابنة شقيق صالح علماني، وتقيم في رام الله: تواصل معنا قبل أقل من أسبوع، وكان بصحة جيدة، بل أخبرني أنه كان بصدد البدء في ترجمة كتاب جديد دون أن يحدد ماهيته .. خبر حزين بالفعل، خاصة أن عمّي صالح كان يسكن معنا في ذات المنزل، قبل عقود، في دمشق.

واستذكرت علماني، في حديثها لـ”الأيام” تفانيه في عمله الإبداعي قائلة: عندما يكون منغمساً في ترجمة جديدة، فإنه يعيش حالة انفصال عن الواقع، وتتملكه العصبية .. مضيفة: في تلك الأوقات، لو كان في الخارج “ضرب مدافع” لن يشعر به، كما لم يكن يستمع لكثير مما نقوله، وكأنه في عالم آخر، وكان مستعداً أن يمكث لثلاثة أيام أو يزيد دون طعام، بحيث تكون القهوة رفيقته حينها كما السجائر .. عندما يعمل على ترجمة كتاب ينفصل عن العالم الخارجي، كما استذكرت سعادته البالغة، حين كان من المقرر تكريمه في فلسطين قبل ثلاث سنوات، لفرط رغبته في زيارة وطنه، إلا أن الاحتلال حال دون ذلك.

ولا يمكن لمتحمس للأدب المحمول على السحرية من أميركا اللاتينية أو الأدب الاسباني إلا وقد مر باسم صالح علماني (1949 ــــ 2019) ماركة الترجمة المسجلة، والقامة الأدبية التي ساهمت في تعريف الأجيال العربية بمؤلفات أعمدة الأدب العالمي من روائع، لذا سيستعيد اليوم كلّ قراء هذا الأدب الرفيع اسم مترجمهم الألمعي بعدما أسدل الستار على تاريخ حافل من العطاء في مكان إقامته بإسبانيا.

وعلماني مترجم فلسطيني احترف الترجمة عن اللغة الإسبانية بشكل خاص، ولد في حمص العام 1949، وتعود أصوله إلى ترشيحا في الداخل الفلسطيني، ودرس الأدب الإسباني وأمضى أكثر من ثلاثين عاماً في خدمة أدب أميركا اللاتينية المكتوب بالاسبانية، ليصنع معادلات موضوعية وأساليب جمالية تعني اللغة العربية على وجه الخصوص، حتى بات من الممكن القول عن حرفته أنها فكّ للنص الأدبي وإعادة تركيبه بلغة مختلفة دون إفقاده هويته أو أصالته أو عناصره المتينة وفرادة اللغة التي كتب فيها

وترجم علماني ما يزيد على مئة عمل عن الإسبانية، لذا حظي في مكان إقامته بعناية وافرة، وإحاطة توازي الدور الهام الذي لعبه كجسر ثقافي حقيقي، وناقل معرفي، هو الذي أتاح مساحة معرفية شاسعة للقراء العرب كي يطّلعوا عن كثب على أهم النتاجات الأدبية، فقد كرّمته مدريد مرّات عديدة.

وبدأ صالح علماني عمله في وكالة الأنباء الفلسطينية ثم أصبحَ مُترجمًا في السفارة الكوبية بدمشق، وعمل في وقتٍ لاحقٍ في وزارة الثقافة السورية، وتحديداً في مديرية التأليف والترجمة، وكذا في الهيئة العامة السورية للكتاب إلى أن بلغَ سنَّ التقاعد في العام 2009.

وبعدما ترجمَ عشرات الكُتب عن الإسبانية؛ طالبَ خمسةٌ من أبرز كتّاب أميركا اللاتينية الذين ترجم لهم الحكومةَ الإسبانية بأن تمنحه الإقامة تكريمًا لمنجزه في “نقلِ إبداعات اللغة الإسبانية إلى العربية”؛ وهو ما حصلَ حينما مُنح الإقامة في إسبانيا مع عائلته بعد نزوحه من سورية.

وحصلَ علماني العام 2015 على جائزة “جيرار دي كريمونا” للترجمة، كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العربية والدولية حول الترجمة، كما أشرف على عدد من ورش الترجمة التطبيقية في الترجمة في معهد سيرفانتس بدمشق.

وكان علماني يرى أن المشكلة أثناء الترجمة في اللهجات الأميركية اللاتينية وليس في اللغة الإسبانية بحدّ ذاتها؛ حيث أن تلك اللهجات تختلف من بلد إلى آخر، لكن دراسته الطب ومعرفتهُ بشعوب القارة وأحوال معيشتهم وحكاياتهم وخرافاتهم وآلامهم وموسيقاهم، واطلاعه على تاريخ أميركا اللاتينية بشكلٍ عام ساعده في فهمِ كل الاختلافات.