تاريخ الإجازة والترفيه

-A A +A
سبت, 2020-01-04 09:12

يمكن إرجاع تحديد الأسبوع بسبعة أيام إلى تاريخ طويل يمتد إلى أربعة آلاف عام، إذ اعتقد البابليون القدماء أن هناك سبعة كواكب في النظام الشمسي وخططوا أيامهم بالطريقة نفسها وقسموا الأسبوع لسبعة أيام لا ترتبط بحركة الشمس أو القمر، وسرعان ما انتشرت الفكرة ولقيت قبولاً في مصر الفرعونية واليونان القديمة.

لكن ثقافة العمل لخمسة أيام أسبوعيا وأخذ عطلة يومين في نهاية الأسبوع هي فكرة عالمية حديثة، ويدور الكثير من النقاش حولها في الوقت الراهن، إذ يقوم كثير من الناشطين حول العالم بالحشد لصالح فكرة تقليص أسبوع العمل من خمسة أيام إلى أربعة أيام، وتكتسب الفكرة مؤيدين ومعارضين، بينما تدرس الشركات والسياسيون التحول إلى عدد أقل من ساعات العمل الأكثر إنتاجا، وفق تقرير”الجزيرة”.

وبالنظر لتاريخ الترفيه الحديث، من المذهل أن هناك عددًا من أوجه الشبه بين النقاشات الحالية وتلك التي وقعت في القرن 19 عندما عرف العمال عطلة نهاية الأسبوع لأول مرة. وفي الواقع تعد عطلة السبت والأحد والتوقف عن العمل ليومين أسبوعيا ظاهرة حديثة نسبيا.

وطوال القرن 19، قلّص تشريع الحكومة لساعات العمل وجود العمال في المصانع ووفر فترات راحة منتظمة، بحسب براد بيفين أستاذ التاريخ الاجتماعي والثقافي، جامعة بورتسموث البريطانية الذي يدرس تاريخ الترفيه والعطل.

لكن عطلة نهاية الأسبوع لم تنشأ ببساطة عن التشريعات الحكومية -لقد تشكلت من خلال مجموعة طويلة من الحملات، بقيادة النقابات العمالية وشركات الترفيه التجارية وأرباب العمل أنفسهم، بحسب مقال الأكاديمي البريطاني لموقع كونفيرذيشن.

وكان تشكيل عطلة نهاية الأسبوع في بريطانيا مسألة مجزأة وتدريجية، إذ كان عليها التغلب على التقاليد الشعبية غير الرسمية التي حددت شكل أسبوع العمل خلال القرن التاسع عشر.

الاثنين المقدس

على مدار معظم القرن 19، نظم كثير من العمال الحرفيين المهرة إيقاعات العمل الخاصة بهم بأنفسهم لأنهم غالبا ما استأجروا مساحات وورش عمل وكانوا مسؤولين عن ضمان إنتاجيتها من السلع على أساس أسبوعي.

وأدى هذا الانتظام إلى ممارسة شعبية في بريطانيا عرفت باسم “الاثنين المقدس”، ورغم أن الاسم يحاكي دلالة دينية فإنه استُخدم بصفته ممارسة مدنية بالكامل، وناضل لأجلها العمال لتوفير فترة راحة أطول خلال أسبوع العمل.

في الواقع اعتاد العمال العمل بانتظام من يوم الثلاثاء لصناعة منتجاتهم وإنهائها بحلول ليلة السبت من كل أسبوع حتى يتمكنوا من الاستمتاع بيوم الأحد عطلة قانونية لهم، ولكنهم أيضًا اعتادوا التغيب من العمل يوم الاثنين للتعافي من الشراب والمقامرة والتجهز للعودة للعمل.

وبحلول منتصف القرن 19، كانت ممارسة “الاثنين المقدس” شعبية في المجتمع البريطاني، وارتبطت بالكثير من الأنشطة الترفيهية -مثل قاعات الموسيقى والمسارح وصالونات الغناء التي نظمت فعالياتها في هذه العطلة غير الرسمية- وكان العمال ذوو الأجور المنخفضة على استعداد فعليًا للتخلي عن راتب يوم مقابل الحرية.

واضطر بعض أرباب العمل لإعطاء العمال نصف يوم السبت في مقابل ضمان حضورهم يوم الاثنين، واستغرق الأمر عقودا لتتغير إجازة السبت من نصف يوم إلى يوم كامل، وفي عام 1908، أصبح مصنع “نيو إنجلاند” أول مصنع أميركي يؤسس أسبوعًا لمدة خمسة أيام بحسب تقرير لصحيفة ذي أتلانتيك الأميركية.

ولاحقا عزز الكساد العظيم في عشرينيات القرن الماضي فكرة اليومين عطلة لنهاية الأسبوع، إذ تم اعتبار ساعات أقصر للعمل علاجًا لنقص العمال، وأصبح من الصعب على أرباب العمل كسر العادة التي كانت قد ازدهرت في نهاية القرن 19.

ومع ذلك، كانت الهيئات الدينية والنقابات العمالية حريصة على تقنين اليوم الإضافي عطلة رسمية لا تعتمد على العرف السائد فحسب، وجادلت الهيئات الدينية بأن استراحة يوم السبت ستحسّن “الثقافة الذهنية والأخلاقية” للطبقة العاملة وهكذا أصبح السبت بدلاً من الاثنين هو اليوم الثاني للعطلة.

وعلى سبيل المثال، في عام 1862، كتب قس شهير مقالاً لصحيفة كوفنتري هيرالد واعتبر فيه أن عطلة نهاية الأسبوع ستسمح لعمال أكثر حضورا وانتعاشا بحضور قداس الكنيسة يوم الأحد.

وتاريخيا، أقرت دول إسلامية يومي الخميس والجمعة عطلة نهاية الأسبوع، وفي الواقع لا يزال كثيرون يعتبرون إقرار عطلة نهاية الأسبوع يومين رسميين بمثابة إنجاز كبير في تاريخ النقابات العمالية، التي جادلت بأن العطلة ستفيد في جعل العمال أكثر جدية وانتظاما في أداء مهامهم.

فرصة ترفيهية

شجعت صناعة الترفيه التي ازدهرت في بداية القرن العشرين في جعل السبت يوم إجازة إضافي، وتبنى مشغلو القطارات الفكرة كذلك، حيث أقروا رسوما مخفضة على رحلات (القطار) النهاري إلى الريف بعد ظهر يوم السبت في بريطانيا.

مع تزايد أعداد أرباب العمل الذين تبنوا إجازة السبت نصف يوم، تحولت المسارح وقاعات الموسيقى أيضًا إلى تقديم فعالياتها الترفيهية يوم السبت بدلاً من الاثنين.

وربما كان النشاط الترفيهي الأكثر تأثيرًا في صياغة الأسبوع الحديث، هو قرار تنظيم مباريات كرة القدم بعد ظهر يوم السبت، إذ إنطلق “جنون كرة القدم” -كما كان يسمى- في تسعينيات القرن 19 كما بدأ أسبوع العمل الجديد في التبلور.

لذلك أصبحت فترة بعد ظهر يوم السبت عطلة جذابة للغاية للعاملين، لأنها سهلت القيام برحلات رخيصة وأشكال ترفيهية جديدة ومثيرة.

لم يكن اعتماد عطلة نهاية الأسبوع الحديثة سريعًا ولا موحدًا، إذ كان قرار اعتماد يوم السبت لنصف يوم يقع على عاتق الشركة، وبدأت الحملات لعطلة نهاية أسبوع ثابتة في أربعينيات القرن التاسع عشر لكنها لم تحصل على مؤازرة واسعة النطاق لمدة خمسين عامًا أخرى.

بحلول نهاية القرن التاسع عشر، كانت هناك جاذبية لفكرة عطلة تمتد من ظهر يوم السبت وتشمل الأحد في نهاية كل أسبوع، وعلى الرغم من اختلاف أسبابهم، فإن أصحاب العمل والجماعات الدينية وقطاع الترفيه التجاري والعمال كانوا جميعًا يرون بعد ظهر يوم السبت استراحة مناسبة لأسبوع العمل.

ووضع ذلك التقليد الأساس لعطلة نهاية الأسبوع التي استمرت 48 ساعة كما نعرفها الآن، ويعود ذلك لحقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، إذ تم تبنيها من قبل أرباب العمل الذين وجدوا أن استراحة السبت والأحد الكاملة قللت من احتمال التغيب وأدت لتحسين الكفاءة.