قراءة في مواقف بعض قادة النضال الحقوقي في موريتانيا

-A A +A
جمعة, 2020-02-21 12:25
الاستاذ / إسلمو ولد أحمد سالم

يعاني النضال الحقوقي في موريتانيا من الاستغلال السياسي ، فقد ظل عبر التاريخ الحديث للدولة ، وسيلة للتلميع و التموقع،  و قد شهدت المرحلة مناضلين تميزوا من حيث الخطاب و الشعبية و ممارسة السياسة ، و من أهمهم :

1- الرئيس / مسعود ولد بالخير:و قد بدأ حياته إداريا و موظفا ملتزما ، لا يرى فرقا بين الشرائح ، معتبرا أن التفاوت الاقتصادي ناتج عن مستوى التعليم،  و تأثير بعض بقايا العبودية،  ثم دخل بقوة بخطاب مشحون،  يتهم أحيانا فيه بالحقد و الكراهية ، لكن ذلك لم يدفعه للتعامل مع الأجنبي أو تسويق القضية خارجيا ، و لقد عاني مسعود من حظر حزبه و مضايقته ، لكنه لم يدع للعنف أو المواجهة .ثم انتقل الرئيس مسعود إلى مرحلة الواقعية ، و دخل في تحالف مع الناصريين 1994 أعطاه طابعا قوميا ، و حسن صورته لدى الشعب ، و وصف بالوطنية الطافحة،  لخطاباته الوطنية و دعوته للتماسك المجتمعي و التمسك بالأرض،و أظهر نوابه درجه كبيرة من النضج و الاهتمام بشؤون الفقراء دون تمييز. و لا ينسى المواطنون الصوت القوي الجازم للنائب المعلومة بنت بلال و هي تسطر بلغتها الجميلة ملاحم  من الحوارات الوطنية الساخنة تحت قبة البرلمان .

كان الرئيس مسعود واقعا ، يتعامل بعقل و حكمة ، ففي انتخابات 2006 دعم مرشح الأغلبية في الدور الثاني من أجل تموقع حزبه ، لقناعته ألا مناص من نجاح المرشح ، و لخوفه على تماسك الحزب ، و قام بحركات مماثلة في مراحل لاحقة ، لضمان  أكبر استفادة من السلطة ، دون التخلي عن ثوابته و وطنية.

2\ الرئيس بيجل ولد هميد..كان موظفا ماليا مرموقا،  و قياديا معتدلا في حركة الحر ، و لم يشهد التطرف في المواقف ، و حافظ على أخلاق ارستقراطية رفيعة ، و درجة كبيرة من الثبات مع ممارسته للسياسة .و قد عرف بصورة الرجل الموريتاني المتمسك بالقيم الحضارية ، الباذل ماله و علاقاته في الناس . كما عرف بيجل بالوفاء ، فرغم العادة المتفشية في ساستنا في التسابق في طمس علاقتهم بالماضي كلما تغير نظام ، فإن بيجل يدفع ثمن وفائه و صدقه في موقفه بعد و قبل التغيير ، و قد وقع له ذلك مع معاوية ، و مع ولد عبد العزيز .من الناحية الحقوقية ، لا يتحدث بيجل عن الشرائحية،  و يعتبر الناطقين بالحسانية قومية واحدة ،و يظهر ذلك في حضوره القوي في مجتمعه و مدى تقديره و تأثيره. 

3\ النائب بيرامه ولد الداه ..بدأ حياته المعنية كاتب ضبط في القضاء ، ثم حقيقيا ، تدرج ليصبح حقوقيا لاذع اللسان في قضايا العبودية ، و ارتسم صورة الرئيس مسعود نموذجا ، لكنه ربط علاقات خارجية وطيدة مع منظمات ينتقد عليها البعض طريقتها في التعامل مع ملف حقوق الإنسان في موريتانيا ، و تنقل النائب بيرمه من مكان لآخر في أوربا يسوق اتهاماته للمجتمع بمحافظته على العبودية و عنصريته أحيانا في التعاطي مع الشرائح .

لا يأخذ النائب بيرمه وتيرة واحدة ، فهو أمام جماهير الحركة لاذع شديد التطرف ، و في الخارج متهم بالاستثمار في القضية،  لكنه في مجالسه الخاصة و مع الأصدقاء و الأهل،  يكون رجلا مثقفا عاديا و بأسلوب متمدن. حديث بيرامه عن هذه القضايا خارجيا غير مبرر خاصة أنه برلماني يستطيع النقد تحت قبة البرلمان،و تفاعل الجهات الخارجية معه غير موضوعي لأنه لم يعد حقوقيا،و إنما  أصبح رجل سياسة ، برلمانيا يمثل حزبا عروبيا في البرلمان .يستمع لبيرامه الكثير من الناس،  لكن أنصاره يفهمون الوضعيات المختلفة لخطاباته ، فهو أمام الجماهير مواطن جسور ، لا يخاف السجن و يناضل من أجل الضعفاء ، و هو في الخارج ينبغي أن يقنع أن هناك قضية إنسانية  تتطلب المساعدة و الدعم،  و في الحياة العامة موريتاني مسالم كبقية الموريتانيين،  يعيش حياة ترف و هدوء ، و يحب الراحة و الذكر الحسن ..لا توجد في نظري قوة تستطيع التأثير على تماسك المجتمع ، فالخلفية الإسلامية المحافظة،  و روح التسامح و حب الرفاهية،و الكسل و الخوف من التجديد، كلها تجعل الموريتانيين يتعاملون مع كل الخطاب التي تحاول التأثير فيهم بالتجاهل و عدم الإكتراث.