حصيلة اليوم الأول من محاكمة بيرام ولد أعبيدي

-A A +A
خميس, 2014-12-25 00:11

عرفت مدينة روصو عاصمة ولاية الترارزة جنوبي موريتانيا ظهر اليوم وقائع اليوم الأول من محاكمة رئيس مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية بيرام ولد الداه ولد اعبيدي ورفاقه أمام محكمة الجنح في روصو، حيث استغرق التحضير لانطلاقتها اليوم عدة ساعات، وواكبها حضور جماهيري وحقوقي كبير، وإجراءات أمنية مشددة.

 

التحضير للمحاكمة بدأ منذ ساعات الصباح الأولى حيث توافد المئات من أعضاء وأنصار المبادرة التي يقودها بيرام ولد اعبيدي، قدم بعضهم من مناطق نائية بعيدة من بنيها النعمة، وانواذيبو، وامبود، وغيرها من المدن الداخلية.

وطوقت قوات من الحرس مبنى المحكمة في روصو، فيما أغلقت قوات الشرطة الطرق المؤدية إلى المحكمة، ووضعت قوات الدرك في حالة تأهب في المدينة.

 

الجماهير المحتشدة أمام المحكمة فضلت ملأ وقتها بترديد الشعارات المؤدية لولد اعبيدي، والمطالبة بإطلاق سراحه بشكل فوري، كما رددوا شعارات تطالب بالمساواة، وبمنحهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.

 

تأخر لما بعد الظهر

ورغم حضور القضاة لمبنى المحكمة حوالي العاشرة صباحا، إلا أن التخوف الأمني من حجم الحشد الجماهيري أدى لتأخر بداية المحاكمة لما بعد الظهر، فيما تأخر وصول ولد اعبيدي ورفاقه من السجن إلى الساعة الثانية ظهرا.

 

نشطاء حركة "إيرا" المتهمين في الملف الذي حمل الرقم: 285/2014 اختاروا الظهور في زي موحد، حيث لبسوا سروالا تقليديا أسود اللون، وقميصا أبيض اللون، وعمامة حاولوا أن تكون بالشكل التقليدي للعمامة الموريتانية، واكتفى النشطاء بهذا الزي، فيما ظهر قادة المبادرة بأزياء متكاملة.

 

وركب نشطاء "إيرا" المستجلبين من السجن للمحكمة في الجزء المكشوف من سيارات الشرطة، ولوحوا بأيديهم للجماهير المحتشدة في محيط المحكمة.

وقد اقتحم عدد من الجمهور بوابة المحكمة مع وصول السيارات التي تقل المحاكمين، في وجدت قوات الحرس صعوبة كبيرة في إعادة ضبط الأوضاع، حيث أغلقوا الطريق بعد دخول السيارة الأولى، قبل أن يسمحوا – بعد ضبط الأوضاع - لبقية السيارات الأمنية بالدخول.

 

ضوابط المحكمة

الساعة: 13.55 دقيقة وصل ولد اعبيدي ورفاقه إلى مبنى المحكمة، بعدها بحوالي ساعة دخل القاضي محمد ولد الطيب رئيس المحكمة إلى القاعة، مصحوبا بممثل النيابة ونائب وكيل الجمهورية القاضي مولاي اعل ولد مولاي اعل، وكاتب الضبط الشيخ ولد اهريم، إضافة للفيف من المحامين الموريتانيين يبلغ 22 محاميا، بقيادة نقيب المحامين الموريتانيين الشيخ ولد حندي.

رئيس المحكمة ولد الطيب تحدث قبل بدأ الجلسة عن ضوابط المحاكمة، مؤكدا أن تتشكل من نيابة تمثل الدولة، وتقدم التهم باسمها، ومحامين يقدمون الدفاع عن المتهمين، وجمهور يراقب، ويقارن الأدلة، ومحكمة تصدر الأحكام، مطالبا كل طرف بالقيام بدوره.

 

وطمأن ولد الطيب المحاكمين بأن حقوقهم مضمونة، قائلا: "من يرغب منكم في التدخين فليبد لنا ذلك وسنسمح له به خارج القاعة، وكذا من يرغب في أكل أو شرب، ومن يحس بإرهاق أو تعب ويفضل تأجيل محاكمته، فسنوفر له ذلك، حتى ولو استمرت المحاكمة سنة كاملة".

وأكد ولد الطيب أن المحكمة ستصدر حكمها دون الخضوع لوجهة نظر أي طرف آخر، سواء رئيس الجمهورية أو الوزير أو غيرهما، داعيا دفاع المتهمين إلى تنسيق الجهود، وتفادي الصدام، لأنه أفضل من الصدام.

 

جدل ترتيب المحاكمين

كانت أولى خلافات الدفاع ورئيس المحكمة حول ترتيب استنطاقه للمتهمين، حيث رأى رئيس المحكمة أن يرتبهم بناء ورود أسمائهم في ملفات الضبط القضائية، لكن الدفاع اعترض على الأمر، معتبرا أن القانون صريح في الاعتماد في ترتيبهم على محضر الإحالة، وهو ما استجاب له رئيس المحكمة.

قرار آخر من رئيس المحكمة كان محل رفض من المتهمين، حيث قرر أن يأخذ واحدا أو اثنين منهم لمساءلتهم، على أن تعود البقية للسجن "للاستراحة فيه"، لكن جميع المعتقلين فضلوا البقاء في المحكمة لمتابعة تفاصيل الجلسة، وهو ما استجاب له رئيس المحكمة.

 

وكان أولى الماثلين أمام محكمة الجنح بيرام ولد الداه ولد اعبيدي رئيس مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية، حيث سأله رئيس المحكمة، عن اسمه وتاريخ ميلاده، كما سأله إن كان قد خدم في الجيش، وهو ما أجاب عنه بيرام بالنفي.

وكان رابع الأسئلة عن مهنته، فأجاب بأنه "كاتب ضبط من دون راتب"، حيث تحفظ ولد عبد العزيز على ملفي – يقول ولد اعبيدي – وكل الوزراء يعترفون بحقي، ويعلنون عجزهم عن تسوية قضيتي.

 

وقد قرأ ولد الطيب على ولد اعبيدي التهم التي وجهتها له النيابة العامة، وهي:

-  التجمهر.

- التحريض على التجمهر.

- عصيان القوة العمومية.

- الاعتداء على القوة العمومية أثناء أدائها لمهامها.

- استغلال منظمة غير مرخصة.

التهم التي تعاقب عليها المواد: 101 – 102 – 103 – 104 – 191 من القانون الجنائي الموريتاني، وبعقوبة تتراوح ما بين 3 – 6 أشهر إلى 5 سنوات.

 

ولد اعبيدي قال إن هذه ليست هي تهمه الحقيقية، لأن الدولة لا يمكن أن تواجهه بتهمته الحقيقية التي هي محاربة العبودية، ورفضه لأن يباع أو يشترى.

 

وقال ولد اعبيدي إن ما من تجمهر كان بسبب وجود القوة الأمنية ومنعها للمشاركين في القافلة من مغادرة المكان، متسائلا عن سر تجاهل المحكمة للتجمهر غير المرخص الموجود الآن أمام المحكمة، قائلا: "لم لا تأتون بهذه الآلاف لتسجنوهم معنا".

 

وتحدث ولد اعبيدي عن تغيير التهم الموجهة له – رسميا – أكثر من مرة، فقد كانت الدعاية العنصرية، والزندقة، والعمالة للأجنبي، قبل أن تصبح تنظيم قافلة غير مرخصة، واستقرت أخيرا على التهم التي قرأها رئيس المحكمة.

وسرد ولد اعبيدي اللحظات الأخيرة للقافلة، متهما السلطات الأمنية بأنها قصدت فعلا اعتقاله، واعتقال أفراد مبادرته، وإطلاق سراح الآخرين، بل وتركهم يواصلون مسيرتهم إلى انواكشوط.

 

وفي جواب على سؤال من رئيس المحكمة حول تعريفه للعبودية العقارية، قال ولد اعبيدي إنه يقصد بها امتلاك بعض الأسر والشخصيات للمناطق الزراعية التي يقطنها ويستغلها بعض المزارعين من الحراطين، ويتوارثونها أبا عن جد، واستغلال هذه الأسر لجهودهم نهاية كل حصاد زراعي، وترك الفتات لهم ليعتاشوا عليه في انتظار موسم زراعي آخر.

 

واتهم ولد اعبيدي الاستعمار الفرنسي بالتواطئ مع ملاك العبيد، ومنحهم ملكية الأراضي، معتبرا أن الأمر تزايد مع وجود الدولة الموريتانية.

 

كما تحدث ولد اعبيدي عن تجاهل القضاء لمواد القانون العقاري، مؤكدا أنه تابع 215 نزاعا عقاريا في عدة ولايات، وكان القضاء يحكم في كل مرة لصالح الأسياد، وضد العبيد، وسكان الأراضي الزراعية.

 

ولد اعبيدي تحدث عن وجود "جنود" لحركة "إيرا" في الرئاسة وفي مختلف الوزارات، وفي الجيش، مشيرا إلى أنهم أبلغوه ليلة مغادرته انواكشوط بأن السلطات تنوي اعتقاله.

 

كما تحدث عن تلقيه معلومات عبر أحد مستشاري الوزير الأول اتصل عليه ضابط في الاستخبارات الخارجية يسمى الدح ولد مولاي اعل، وهو مقرب من ولد عبد العزيز – حسب ولد اعبيدي – وأخبره أن التعامل مع بيرام ولد اعبيدي لم يعد ممكنا، كما تحدث مدير الأمن الجديد اللواء محمد ولد مكت عن ضرورة إسكات ولد اعبيدي أو قتله.

 

وأضاف ولد اعبيدي يبدو أنهم كانوا على علم بما تحضر له ولاية شيكاغو، وربما وجدوا أخباره خلال وجود ولد عبد العزيز في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان لبيان ولاية شيكاغو المدين لموريتانيا وقع كبير على الاستخبارات الموريتانية. يقول ولد اعبيدي.

 

قياس على أسئلة الرئيس

المحامي محمد ولد أحمد مسكه، سأل ولد اعبيدي عن حقيقة ما يذاع عنه حول موقفه من الدين الإسلامي، وعن موقفه من العلماء، وكذا موقفه من "البيظان"، لكن رئيس المحكمة اعترض على الأسئلة معتبرا أنها خارج نطاق التهم، وهو ما رد عليه المحامون بأنها مقبولة قياسا على سؤاله هو عن معنى "العبودية العقارية" لدى ولد اعبيدي.

 

بيرام ولد الداه ولد اعبيدي قال إنه يبلغ من العمر الآن 49 عاما، وقد ولد مسلما، وعاش كل عمره مسلما، مؤكدا إيمانه بالله وباليوم الآخر، وبالكتب، والرسل، لكنه يكفر بما وصفه بكتب النخاسة الفقهية، وغير نادم على حرقها لأنه يعتبرها قربة لله.

 

وعن موقفه من العلماء قال ولد اعبيدي إنه لم يتحدث عن أي من العلماء إلا ردا على موقف من العالم تجاهه، متهما العلماء الذي هاجمهم بأنه كفروه قبل أن يهاجمهم.

 

أما موقفه من البيظان فرأى بيرام أنه هناك مجموعة من البيظان تحتكر الحكم وخيرات البلد، وتكرس العبودية، وهو يقف ضدها.

 

هل هذا هو مرشح الرئاسة حقا؟

المحامي لوغرومو عبدول قدم عدة أسئلة، كان أولها هو:

-         هل هذا الماثل أمامنا الآن هو بيرام ولد الداه ولد اعبيدي المترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والذي حل في المرتبة الثانية؟

 

وهو ما علق عليه رئيس المحكمة بأن هذا السؤال لا يتطلب سوى كلمة واحدة، هي: نعم، لكن ولد اعبيدي علق سأجيب بنعم، لكني سأضيف لها بعض "الملح".

 

وكان رد ولد اعبيدي أنه هو المرشح في الانتخابات الأخيرة، وهو من جاء في الرتبة الثانية، وهذا ربما يكون أحد أسبابي وجودي هنا في هذا السجن، إضافة لمحاولة منعي من السفر إلى أوربا.

 

أما سؤال المحامي عبدو الثاني فكان: هل اعترضت إحدى الهيئات الدستورية على ترشحكم، أو تحدثت عن رئاستكم لمنظمة غير مرخصة، وهو ما رد عليه ولد اعبيدي بأن كل الهيئات المسؤولة بما فيها أعلى هيئة وهي المجلس الدستوري، صادقت على صحته ترشحه قانونيا، وأخلاقيا.

 

ملاحظات سريعة:

-  تأخرت انطلاقة المحاكمة 5 ساعات بسبب التخوف الأمني من الحشود الجماهيرية أمام المحكمة.

- جرت وقائع المحاكمة في قاعة صغيرة، لا تتجاوز صفوف مقاعدها الاسمنتية 12 صفا، وهو ما قصر الحضور داخل القاعة على 70 شخصا.

- خلت القاعة من أي أجهزة صوتية، وهو ما حال دون سماع بعض الأسئلة.

- لوحظ نقص في المقاعد في قاعة المحاكمة، وهو ما أدى لجلوس بعد المتهمين على بلاط القاعة.

- أصيب أحد المتضامنين بعد تعرضه للضرب على يد أحد أفراد الحرس، وقد سقط عند مدخل المحكمة، حيث نقل لاحقا إلى المستشفى بعد وصول سيارة إسعاف لنقله.

- لوحظ غياب أي حضور أجنبي، باستثناء تمثيل السفارة الأمريكية من طرف موريتاني.

- قدم رئيس المحكمة اعتذاره في نهاية الجلسة عن التأخر الذي كانت عرضة له، معتبرا أن ضرورة اتخاذ بعد الإجراءات الأمنية أدت له.

- تعذر فتح الباب الخلفي لحائط المحكمة، وهو ما أدى لإدخال المتهمين من الباب الرئيسي حيث احتشد الجماهير على السيارات التي تحملهم، وصعد بعض الشباب عليها.

- وفر نشطاء "أيرا" مياه الشرب للمحتجين عبر عربات تجرها الحمير، كما أحضروا مئات الوجبات السريعة للمحامين وللنشطاء الحقوقيين الحاضرين للجلسة.

 

التمس بيرام ولد اعبيدي مع إعلان رفع الجلسة الأولى بعد انتهاء الاستماع إليه، أن يسمح له بحضور بقية جلسات الاستماع لرفاقه، وهو ما استجاب له رئيس المحكمة.

 

الاخبار