حقيقة الاكتشافات النفطية الاخيرة فى موريتانيا/ بقلم: الدكتور المهندس احمد ولد اميسه

-A A +A
اثنين, 2015-02-23 15:36

بعيدا عن السياسة، فان موريتانيا حديثة عهد باستكشاف البترول ، فقد كانت أولى عملية الاستكشاف تعود إلى بداية الستينات من القرن الماضي في الحوض الساحلي والسبعينات في حوض تاودني مع TEXACO و AGIP و بعد توقف طويل تم استئنافها في نهاية التسعينات مع هاردمن ريسورسز، وقد تم تسجيل أول اكتشاف فابل لاستغلال سنة 2001 من طرف الشركة الاسترالية وودسايد و كان ذلك هو حقل شنقيط والذي دخلت من خلاله موريتانيا التاريخ كدولة منتجة للبترول ، و مما تقدم يمكن القول أن مجال الصناعات البترولية مجال جديد على الموريتانيين حكومة و شعبا و بالطبع صحافة و إعلاميين، و لعل ذلك ما يفسر بعض الأخطاء و الأغلاط التي تنشرها صحافتنا من وقت لأخر و لا أقول هنا أن ذلك يتم عن سوء نية أو كمغالطات و إنما عن جهل لأبجديات قطاع الاستكشاف البترولي و مبادئه الأساسية لذا رأيت انه من المفيدة تقديم بعض التوضيحات و شرح بعض المفاهيم الهامة لمن أراد الخوض في هذا المجال سواء من باب توصيل المعلومة أو الدراسة و التحليل و ما قد ينجر عن ذلك من نقد .و في هذا المجال فانه من الضروري الحديث عن منشأ النفط و تفسيره العلمي و توضيح مفهوم المكمن و المصيدة البتروليين مرورا بمختلف مراحل استكشاف البترول و الطرق المستخدمة في ذلك مع شيء من الشرح للقوانين و العقود التي تحكم العلاقة بين الدولة الموريتانية و الفاعلين أو المستثمرين في هذا القطاع.

 

فقد اختلف العلماء كثيراً حول الأصل في منشأ النفط وظهرت نظريات عديدة تحاول تفسير ذلك، كان من أهمها نظرية الأصل المعدني و التي تفترض أن الفحوم الهيدروجينية قد تشكلت نتيجة لتأثير بخار الماء على كربيدات المعادن القلوية الترابية في أعماق الأرض، ومع مرور الزمن تكاثف نتاج ذلك مشكلاً المادة المعروفة بالنفط.و نظرية الأصل العضوي والتي تفترض أن الأصل في منشأ النفط يرجع إلى تحلل المواد العضوية من بقايا الحيوانات والنباتات خلال ملايين السنين، حيث اختلطت المواد العضوية التي كانت تجرفها الأنهار والرياح إلى قاع البحيرات والبحار والمحيطات بمواد عضوية أخرى داخل هذه البحيرات والبحار والمحيطات، ثم كونت طبقات الطمي والرمل التي حملتها الأنهار والرياح على الترسب فوق هذه المواد العضوية المتحللة. كما أن طبقات الأرض كانت عرضة خلال الملايين من السنين للتغيرات، حيث ارتفعت أجزاء من القشرة الأرضية وانخفضت أجزاء أخرى وتكونت سلاسل جبلية واختفت أخرى، وردمت بعض الأجزاء من الأرض التي كانت مغطاة بالمياه، كما أن البراكين والزلازل قد عملت أيضاً على زيادة هذا التغيرات. وقد أدت هذه العوامل جميعها إلى تحول المواد العضوية تحت تأثير الضغط والحرارة الشديدين إلى مواد هيدروكرونية (زيت خام وغاز طبيعي)، ثم أخذت مادة الزيت الخام المختلطة مع الماء والغاز تنساب خلال الصخور المسامية أو المنافذ الصخرية لتتجمع وتستقر فيما يسمي بالمكامن النفطية في باطن الأرض. والمكامن هي عبارة عن التركيبات الجيولوجية الصخرية المحتوية على مادة النفط والمانعة لتسربه خارجها، ويوجد الزيت الخام في الممكن مخلوطاً بالماء والذي عادة ما يكون تحت مادة الزيت نظراً لأن كثافته أكبر من كثافة الزيت، كما يتجمع الغاز في فوهة المكمن وهو محتوياً على الكثير من الشوائب المختلفة. وتوجد المكامن على بعد آلاف الأمتار تحت مستوى سطح الأرض في أنواع مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر: مكامن التحدبات والمكامن الطبقية والمكامن الناتجة عن حدوث تصدعات في القشرة الأرضية و القبب الملحية. وتعتمد كمية النفط في المكمن على عدة عوامل أهمها: مساحة المكمن ودرجة سمكه ومدى قابليته للرشح والسماح للنفط بالانسياب، بالإضافة إلى درجة المسامية ونسبة المياه والشوائب.و المكمن يطلق عليه أحيانا اسم المصيدة ، حيث يعنى هذا اللفظ ضمنياً حقل النفط نظراً لأن هجرة المواد العضوية المتحللة إلى زيت وغاز وماء يتم اصطيادها جيولوجياً في ما يسمى بمكمن النفط، الذي يعد لاحقاً حقل من حقول النفط المستهدفة بحفر آبار الإنتاج مع وجود فرق بين المكمن البترولي و المصيدة البترولية يتمثل في كون المكمن يشكل جزءا من طبقة صخرية واحدة , بينما تتكون المصيدة البترولية من عدة طبقات بعضها يحتوي على النفط أو الغاز , و بعضها يعمل على منع حركة النفط أو الغاز و إبقائه داخل المصيدة البترولية.

 

إن وجود حقل نفطي يتطلب توفر عدة شروط أو عوامل تتمثل في:

 

1. وجود المواد العضوية المطمورة في قاع البحار والمغطاة بالأتربة والرمال المساعدة في تكوين النفط.

 

2. وجود الطبقات الصخرية المسامية الرسوبية التي تسمح للنفط بالتحرك أو الهجرة عبر مساماتها.

 

3. وجود مصائد النفط التي يتجمع فيها النفط الخام مختلطاً بالماء.

 

كما يجدر التنويه إلى انه يوجد فرق بين ما يسمى المقطع و الحقل و البئر البترولية ، فالمقطع هو عبارة عن المساحة الأرضية و المحددة بإحداثيات معلومة سواء كانت في البحر أو على اليابسة ، أما الحقل فهو الجزء من المقطع الذي تتوفر فيه الشروط الأنفة الذكر و قد يحتوي الحقل عدة آبار سواء كانت آبار استكشاف أو تطوير أو حقن مائي أو غازي أو إنتاج. لذا فان المقطع قد يحتوي عدة حقول و الحقل بدوره يحتوى عدة أبار بترولية. فعلى سبيل المثال عندنا في الحوض الساحلي بموريتانيا و استنادا للتقطيع القديم فان المقطع 4 يحتوي على حقول شنقيط و بندا وولاة و حقل شنقيط به ما يزيد على 14 بئر.

 

المراحل الأساسية لعمليات استكشاف البترول:

 

تمر عملية استكشاف البترول بمراحل عدة يمكن تلخيصها في عمليات الدراسة المبدئية مروراً بعمليات الاستطلاع أو البحث والاستكشاف ثم الحفر.و تعتمد شركات البترول في مرحله البحث الكشفي المبدئي علي المعلومات المتوافرة لدي شركات بترول أخري سبق أن قامت بأعمال البحث الكشفي المبدئي في تلك المناطق أو في أرشيف القطاع الحكومي المعني، وفي الحالات التي لا تتوافر فيها المعلومات عن المنطقة لكونها مناطق جديدة لم يسبق البحث فيها فان شركات البترول تقوم بأعمال الكشف المبدئي بنفسها أو عن طريق شركة متخصصه في هذا المجال. وتتم هذه الدراسة المبدئية من خلال دراسة ظروف المنطقة والعوامل التاريخية المحيطة بها ونتائج العمليات الاستكشافية السابقة التي تمت بها بالإضافة إلى البحوث العلمية الاستكشافية السابقة المتاحة. وقد تجرى عملية فحص ظاهري للتربة بغرض التعرف على الأماكن المرشحة لوجود النفط بها، كما قد تقوم الشركات أحياناً بإجراء عمليات تأكيدية أولية من خلال بحث جوي وسطحي لغرض رسم خرائط توضيحية مبدئية لإظهار مدى احتمالات وجود النفط من عدمه. وفي حالة تزايد الاحتمالات بنسب مقنعة لوجود النفط، فإن الشركة تسعي للحصول على حق الامتياز بالتنقيب عن النفط من خلال تقديم طلب إلى الدولة مالكة أرض النفط، ويتم بعد ذلك اتخاذ الإجراءات القانونية والتوقيع على العقد بين الشركة المستثمرة والدولة. أما مرحلة البحث و الاستكشاف فهي تشتمل على كافة العمليات التي تتم في سبيل البحث والكشف عن النفط وتقديرات الاحتياطي المرتبطة به. وتتم معظم هذه العمليات في ظل ظروف صعبة واحتمالات غير مؤكدة، كما تستلزم هذه المرحلة نفقات كبيرة تنفق في مجال الأبحاث الجيولوجية والجيوفيزيائية في مناطق البحث وفي حفر الآبار الاستطلاعية في مناطق لم يتم التثبت من وجود النفط بها، وبالتالي تعتبر هذه الأموال المنفقة خسائر فادحة في حالة عدم العثور على النفط بكميات مجدية اقتصادياً.

 

وتتلخص الأعمال الأساسية لهذه المرحلة فيما يلي:

 

1. تحديد مناطق الصخور الرسوبية السميكة، أي المناطق المحتمل وجود النفط بها وتحديد حدودها وأبعادها بدقة.

 

2. البحث عن مصائد النفط لاختيار الأسلوب المناسب لحفر الآبار، نظراً لإخلاف طبيعة تلك المصائد، فمنها ما يظهر فوق السطح، ومنها ما يكون مغموراً تحت الماء.

 

3. اختيار المصائد المناسبة من بين عدة مصائد لإجراء عمليات حفر الآبار الاستكشافية، حيث يتم التركيز على المصائد القريبة من الأحواض النفطية.

 

4. البدء في عمليات حفر الآبار الاستكشافية للتأكد من وجود النفط، وإجراء عدة اختبارات لتقييم الكميات الإنتاجية لهذه الآبار، وفي حالة التثبت من وجود النفط بكميات يمكن استغلالها تجارياً يتم الإعلان عن هذا الاستكشاف الناجح، أما في حالة حدوث العكس فتعتبر هذه الآبار جافة وغير مجدية اقتصاديا لاستخراج النفط منها.

 

و من الأهمية بمكان الإشارة إلى انه خلال هذه المرحلة يتم الاعتماد على طرق المسح الجيولوجي و طرق المسح الجيوفيزيائي ،و طرق المسح الجيوفيزيائي بما في ذلك المغناطيسي منها او السيزمي تعطينا فكرة عن وجود تركيبات جيولوجية يمكن أن تكون مكامن أو مصائدة للبترول و على أساسها يتم تحديد منطقة حفر الآبار ، و اعتمادا على وجود هذه المكامن أو المصائد و من خلال دراسة خصائصها و حساب أحجامها و الفراغات و المسامات الموجودة بها ، يمكننا الحصول على تقديرات أولية للكمية التي يمكن أن تحتويها من البترول في حالة ما إذا وجدت مع انه لا يمكن الحديث عن وجود فعلي للبترول إلا بعد القيام بحفر بئر استكشافية واحدة على الأقل. و لعل هذا هو ما تعتمد عليه بعض المصادر الإعلامية الوطنية اليوم و التي تتحدث عن وجود احتياطي هائل من النفط في المياه الموريتانية تم اكتشافه من طرف شركة كوسموس الأمريكية فلتصحيح المعلومات فان ما يجري الحديث عنه لا يعدو كونه تقديرات أولية مبنية على حجم و خصائص المكامن التي تم تحديدها اثر عمليات البحث الجيوفيزيائي الذي قامت به الشركة و لم يتم لحد الساعة حفر اية بئر يمكن من خلالها الجزم بوجود نفط في هذه المكامن من عدمه.

 

أما العلاقة بين الدولة الموريتانية و المستثمرين فتحكمها العقود الموقعة طبقا لمدونة البترول و التي كانت في السابق يطلق عليها عقود تقاسم الإنتاج المعروفة اختصارا ب PSC(و للتوضيح فان PSC هي اختصار لمصطلح عقد تقاسم الإنتاج و ليست حقلا بتروليا كما أوردت بعض المواقع الالكترونية و وسائل الإعلام الوطنية مؤخرا ). أما اليوم فيحكمها ما يطلق عليها عقود التنقيب و الإنتاج و التي تم اعتمادها بعد مراجعة صيغة العقود السابقة و إدخال تحسينات عديدة عليها من أهمها حصول الدولة الموريتانية ،ممثلة في الشركة الموريتانية للمحروقات و الأملاك المعدنية و بشكل تلقائي على 10 في المائة من أي عقد تنقيب و إنتاج موقع مع أي متعاقد ، و هذا يجرنا إلى الحديث عن موضوع تداولته بعض المواقع الالكترونية في الأسابيع الأخيرة حيث كتب بعضها أن متعاقدا يمنح الدولة الموريتانية 10 في المائة فقط من النفط في مقاطع امتيازاته و هنا أود أن أوضح أن الدولة لا تمنح و إن ما يتم الحديث عنه هنا هو حق مستحق بقوة القانون و طبقا لمقتضيات عقد التنقيب و الإنتاج فهذه العشرة في المائة هي اقل حصة يمكن أن تحصل عليها الدولة تلقائيا إذ انه في حالة اكتشاف بترولي أو غاري قابل للاستغلال فان الدولة الموريتانية يمكنها الدخول في رخصة الاستغلال بحصة تتراوح ما بين 10 إلى 14 في المائة ،هذا طبعا دون الحديث عن حصة الدولة من الإنتاج و التي تتراوح ما بين 30الى 42.5 في المائة و ضريبة الأرباح الصناعية و التجارية و التي تبلغ 26 في المائة والضرائب على الأجور و علاوات الإنتاج و التي تتراوح مابين 4 إلى 12 مليون دولار حسب كمية الإنتاج و رسوم التعويض عن مساحة الاستكشاف و الاستغلال و التي تتراوح مابين 2 دولار للكيلومتر المربع كحد ادني في فترة الاستكشاف الأولى و المحددة بثلاث سنوات و 170 دولار للكيلومتر المربع خلال فترة الاستغلال.

 

 

 

و في هذا التوضيح المتواضع أتمني أن يكون أفراد جالياتنا بالإمارات العربية المتحدة و روسيا و الذين اتصلوا بي مهنئين و مستفسرين عن حقيقة ما أشيع عن اكتشافات بيترولية هائلة في المياه الإقليمية الموريتانية أتمني أن يكونوا قد و جدوا ما يشفي غليلهم و يجيب على تساؤلاتهم و خاصة أولئك الذين لم يروق لهم نفينا لتلك الشائعات أو على الأقل عدم حصول ما يؤكدها في الوقت الراهن