التنوع الثقافي في موريتانيا / التقى ولد عبد الحي

-A A +A
أربعاء, 2014-07-09 12:30

يعتبر التنوع الثقافي واحدا من أرقى المميزات البشرية التي تكون في العادة سلاحا ذو حدين فكلما كانت النظرة إليها بطريقة إيجابية كانت تبعتها إيجابية ومفيدة أما إذا كان التعاطي معها بتلك النظرة المتخلفة السلبية كانت نتيجتها تدميرية لا فائدة فيها.

والتنوع الثقافي إن تم توظيفه بطريقة حضارية يصبح مصدر قوة وثرى لأي مجتمع حظاه الله به فهو جميل كجمال ألوان الطبيعة وتجاور الأشياء فيها ليشكل بذلك لوحة فنية جميلة تتناغم فيها الألوان والأشكال كل حسب طبيعته وخصوصيته فالتنوع الثقافي في المجتمع الموريتاني الذي هو بالأساس مجتمع عربي إفريقي توحدت فيه هذه القوميات بروح الإسلام التي أفرزت مجتمع موريتاني متماسك منصهر في بوتقة واحدة متناسيا جميع خصوصياته وفروقه التي تؤدي إلى التفرقة والشحناء وهو يؤسس بذلك إلى إيجاد أرضية صالحة للتعايش السلمي على أساس المودة واحترام حقوق الإنسان فالعامل الأهم في التنوع الثقافي هو الثقافة بمفهومها الشامل بدءا بالعامل الاجتماعي وانتهاء إلى العامل الثقافي الذي لا يختلف اثنان على أنه يرتكز على الانتاج الأدبي والفكري والفني ليشكل بذلك الوعاء الذي يتضمن كل عناصر التعبير التي تحمل خصوصية ومثل وقيم أي مجتمع و تتمحور أساسا حول التكامل والتسامح والأخوة والعدالة والمساواة واحترام العقل وكرامة الإنسان ورفض الظلم والعدوان.

إن من الأهمية بالمكان أن نشير إلى أن واحدا من معاني الثقافة إن لم يكن هو معناها الأشمل هو القدرة على التأقلم وتهذيب النفس وتكوين الإنسان وتربيته على الالتزام بالمثل العليا لكي يصل إلى مستوى الكمال, وإذا كان هذا هو معنى الثقافة وهدفها فلا يمكن أن تتصادم ثقافة مع أخرى لأن هذه المثل والقيم هي التي تشكل مفهوم الإنسانية التي تتجاوز المكان والزمان والعرق واللون والدين في إطار تنوعها مشكلة بذلك أرضية صالحة للتعايش السلمي بين الانسانية جمعا.

إن إيماننا في جمعية المسرحيين الموريتانيين أن التنوع الثقافي هو نعمة من الله أنعم  بها على الموريتانيين وهو عنصر قوة وثراء ومصدر فخر واعتزاز هذا الإيمان والاقتناع هو ما دفعنا إلى العمل مع هيئة الأمم المتحدة للسكان لإطلاق مهرجان سنوي للتنوع الثقافي والذي انطلقت دورته الأولى في نهاية سنة 2011 حيث كان فرصة فريدة ومتميزة استطاع الجمهور الذي حضر هذه التظاهرة أن يكتشف خلالها بعض الكنوز الثقافية العربية والإفريقية التي تشكل نسيج الثقافة الموريتانية الغنية بتعدد منابعها ومشاربها.

فمن خلال هذا المهرجان اكتشف الجمهور عرضا لظاهرة العرس في التراث الشعبي في جميع القوميات واكتشف أنها تقريبا هي نفسها مع بعض التفاصيل الدقيقة التي تعتبر خصوصية كل قومية من هذا المجتمع مما أضفى مسحة جمالية على هذه التظاهرة بالإضافة إلى مظاهر من الفلكلور الشعبي وبعض العادات والتقاليد الغذائية والاجتماعية والانتاجات الفكرية والأدبية من شعر وحكايات شعبية وأمثال ورقص وغنى وأهازيج، بعد هذه التظاهرة أصبح الجميع على يقين بأهمية التنوع الثقافي كأساس لفرض حق الاختلاف الفكري والثقافي لكونه حقا لا يمكن التنازل عنه وهذا هو حق الشعوب والمجتمعات والأفراد في التعبير عن هويتها ووجدانها.

فنحن في جمعية المسرحيين على يقين أن مستقبل هذا المجتمع لا يمكن أن يضمن تماسكه واستمراره إلا باحترام حق الاختلاف وذلك بالاعتماد على العلم والفكر و تطوير حقوق الإنسان في جميع أبعادها.

إن مشاريعنا المستقبلية ستنبني أساسا على أن تكون جميع الفعاليات والتظاهرات التي ستقوم بها جمعيتنا في نهاية هذه السنة وطيلة السنوات المقبلة ستتمحور أساسا حول أهمية إحساس المواطن الموريتاني بدور الثقافة والاعتماد عليها في نشر ثقافة التنوع واحترام الآخر و الاعتراف بحقوقه لكي نهيئ لبيئة اجتماعية يمكن أن يتفتق فيها الإبداع بجميع أنواعه و اصنافه في بيئة سليمة ولعلنا إذ نهيئ لمهرجان المسرح المدرسي سنة 2014 والذي كان شعاره هذه السنة التنوع الثقافي خيار لا بديل له، إنما نؤسس لمستقبل زاهر تتعايش فيه كل القوميات الموريتانية في كنف الاعتراف بالآخر وحقه في العيش الكريم على هذا الحيز الجغرافي مما سيضمن وجود مجتمع موريتاني تنمحي فيه كل الفروق و الأفكار المتخلفة ذات البعد الاقصائي العنصري التي تشكل عقبة هامة أمام نمو وتطور هذا المجمع في إطار منسجم ومتآلف بعيدا عن التعصب والتخلف