كلـــنا مكطع لحجار....إرشيفنا و تاريخهم.الجزء الثاني.....الاسماء المستعارة

-A A +A
سبت, 2015-05-02 11:36
ممه محمادة

بعدما افطرت الساكنة من صومها الطويل، و ابتلت العروق، شرعَ انصار القيصر في التبتلِ و الشكر، مُذكرين الجميع ان من لا يشكر الناس لا يشكر الله. و على خلافهم دخل احفاد الكادحين في خلوة مع الذاكرة، مستحضرين أمجاد السلف و مُؤكدين أن هذه الأشبال من تلك الأسود، و كان صوت الوسط مبحوحا و ضعيفا كالواقع الصحي للمدينة. بين هذا وذاك ضاعت فرصة تاريخية و نادرة كان بإمكانها ان توقظ الوعي الجماعي من سباته، ليقتنع الجميع ان ما يجمعنا أكثر من ما يفرقنا. و أن المجتمع أي مجتمع لا يعتبر مجتمعا، الا إذا حقق نسبة مقبولة من التوافق و الانسجام سواء مع الذات أو مع الآخر و العالم.

وعلى غرار كرة القدم فإنك حين تضيعُ هدفا مؤكدا، تستقبله في شباكك، ظهرت هجمة مرتدة على شكل أسماء مستعارة، بعضها متسلل و الآخر أهدافه سليمة، لتُدخل التحكيم في محكٍ حقيقي.

زمجرَ التحكيم و صَّفرَ في وجه الجميع مدافعا عن توجهاته على طريقة أحمد مطر:

أسفي أن تخرج أجيال لا تفهم معنى الحرية

لا تملك سيفا أو قلما لا تحمل فكرا وهوية

لتثورَ ثائرة الجمهور، ويعلنها حربا لا هوادة فيها، فتحتَ أي يافطة سيقبل بانتهاك خصوصيته، ثم إن الحرية تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.

أذكُرُ حينها اني اضطرِرتُ الى نشرِ المنشور التالي:

"جدلية الأسماء المستعارة: أنا شخصيا ضد سب وشتم الآخرين، معاذا الله، لكني ضد تقييد الحرية بشكل مطلق.

فلولا الأسماء المستعارة لما أستمتعنا بشخصية عملاقة كحسن ولد المختار....ووو كما أن بعض أخواتنا (الحقيقيات)تمنعهن القيود الاجتماعية وبعض الأعراف من الظهور يساعدهن التخفي على تخطي هذه الحواجز....والمساهمة في الحراك الفكري الذي تعيشه المقاطعة.

فالصفحة بمجرد تسميتها بكلنا مقطع لحجار تسقط ملكيتها عن أي شخص. نعم نذكر للأخ ضياء مبادرة الإنشاء، وتلك محمدة تذكر فتشكر. لكن من حمل هم الصفحة على عاتقه و وضعها في موازات كبريات الصحف ووسائل الإعلام، بل جعلها خبزهُ اليومي في ظل غلاء الأسعار، ليس المؤسس ولا أنا ولا أنت.

كلا، بل هو ذلك المعارض حد النخاع والمقتنع أن ما تعيشه المقاطعة من ويلات سببه تعاقب الأنظمة الفاسدة، هو ذلك الموالي الذي لم تمنعه موالاته من الاعتراف بتأخر النظام في حل الأزمة بشكل نهائي، هي تلك التي لا تفهم في السياسة لكنها بعد صومِ شاق وطويل أعياها وجود ما تفطر عليه، حتى الأسودان لم يعودا في متناول إلا من جادت عليه الأقدار.

هي تلك التي ارهقتها الأعراف الاجتماعية، لتصرخ نعم أنا مسلمة، أحترم مبادئ الشريعة, لكنني ضد القيود.. العادات و الترهات الواهية. وأنتم يا مستترون بالله عليكم لا تحرمونا ولا تحرموا أنفسكم من هامش الحرية الذي أوجدناه جميعا. وأنت يامن تسمي نفسك بالإدارة ليس لك أي حق ولا مصلحة في تقييد الحرية. نعم الحرية المطلقة مفسدة مطلقة . و أذكر الجميع أن التقييد و الانحياز أثبتت التجارب القريبة والقريبة جدا أضراره, وما الجزيرة منا ببعيد."

بعدَ ذلك تم نقاشٌ جانبي حول الموضوع، اتحفظ على نشره دون اذن المعنيين.

اجمل ما في ذلك النقاش انه اظهر درجة من النضج و تقبل الرأي الآخر ابهرت كل المتتبعين.

استبشرت الأسماء المستعارة بتوجه التحكيم، و وجدت في المجموعة ملاذا آمنا لتعشش و تتكاثر. فهي على اختلاف مشاربها شعوب و قبائل.

نذكرُ منها قبيلة الفتيات الباحثات عن أمل أو متعة منعها المجتمع أو سوء الطالع، والتي تنحدرُ منها فخذية الشباب الذين يستهويهم انتحال التاء الساكنة، بحثا عن صيد ذوي النفوس الضعيفة، دون ان ننسى عشيرة الرجال الذين يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة مقابل استخدام اسمائهم المستعارة للهجوم على خصوم السياسة الذين يعجزونهم على ارض الواقع، ليبحثوا عن هزيمتهم افتراضيا.

و اخيرا الأشراف، ونذكر منهم X ould Y الذي كاد يثير جنون بعض المسؤولين في جهاز الدولة الموريتانية وأثار الرعب في نفوس آخرين، والفضول عند غيرهم. وكان ظاهرة تستحق الدراسة بغض النظر عن حقيقة ما كان ينشر او أهدافه.

وعلى مستوى الأدب العالمي نذكر ما خصــت به الأديبــة الفرنسيـــة جـــــورج ساند نفسهــــــا ذات يــــــوم بالقول:

"في يوم ما سيفهمني العــالم أكـــثر، لكن غير مهـــم إن لم يـــأت هذا اليوم، سأكــــون قــد فتحـــت الطريـــق لامـــرأة أخرى".

وجــــورج ساند، هو الاســـم المستعـــار لـ أورور أرمانـــديـــن دوبـــان بارونـــة دودافـــان (1823 1892 ) لقبت بروائيــــــة الأريــاف، ووصفهــا فولــــتير إنها الروائيـــة التي تجســــد المجد الفردي للأدب النسائي، ورثاها فيكتــــــور هوغو بقوله:

لم تفتقر هذه المرأة المجيـــدة إلى شيء، إذ كانـــت قلبـــــا كبيرا وفكـــرا عظيما وروحا نبيلـــة، ولابد مـــن الإقرار بـــان ما يميز روائعها من غيرهـــا وما يجعلهـــا قوية التأثـــير شيئـــان عذوبتها ودعوتها إلى الخير.

وهاذ رائد القصص القصيرة الروسي أنطون تشيخوف يقول عن نفسه" منحت اسم عائلتي للطب، المهنة التي لن أتخلى عنها حتى الممات. فيما يخص الأدب، فأني سأتخلى عنه عاجلا أم آجلا، لأن الطب مهنة جدية أما لعبة الأدب فتتطلب ألقابا مختلفة!!".

اما على المستوى المحلي نذكر جميل عبد الودود، الذي ان تحدث بلغة الصغار حسبته من "جينكات" العاصمة، و ان تحدث بلغة الكبار حسبته من جماعة الحل و العقد.

لنصل الى مسك الختام، إكس ولد إكس إكرك (حسب الكاتب أحمد ولد إسلم)، جندي مجهول يستحق تكريما بل نصبا تذكاريا عند ملتقى الطرق المقابل لمدخل المطار، إنه ذلك المنقب في كنوز التراث الموريتاني، الملم بدقائق الحوادث، المستمع الجيد لأحاديث المشارفين على توديع الدنيا، ذو الذائقة الفنية الرائعة التي تنتقى أعذب ما في الأدب الحساني الموريتاني فتنشره، وألطف ما في طرائف الأدباء فتنثره، يجول بين خزائن الكتب المحمية بجلود الأنعام في ولاتة، وما سار به ركبان إكيدي، ورواه حفظة آدرار، لا يختلف اثنان على حسن ذائقته، ولا يتمارى خصمان في دقة سنده، لكنه مجهول.

ربما تعمد الرجل أو المرأة أو مجموعة الأشخاص أن يبقوا كذلك، فلو كشفوا وجهوهم لن يسلموا من جهوي متعصب، ينفر مما كتبوا قبل قراءته، وعنصري يعاني عقدة الاضطهاد يعاديهم لاختلاف لونهم عن لونه، أو أمي يرى ما يكتبون مضيعة للوقت، أو متزمت يرى في إبداعهم فتنة للخلق عن الخالق.

لتبقى الاسماء المستعارة بحرٌ لا ساحل له مليءٌ بالمطبات و اسماك القرش، لكنه في المقابل ملئ بالتحف التي لا يحسن وصفها الا حافظ ابراهيم في قوله...

أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ . . . فَهَلْ سَأَلُـوا الغَـوَّاصَ عَـنْ صَدَفَاتـي

يتواصل..................