عبد الله ولد ابنحميده .. الفارس الذي ترجل

-A A +A
أربعاء, 2015-05-20 00:57

حين سئل ذات مرة أحد السياسيين البارزين عن المناضل الأسطورة نيلسون مانديلا أجاب بكلمات قليلة في حق الرجل لكنها مشحونة بالدلالات ، قال : "ذاك رجل أدى واجبه على الوجه الأكمل " ، ولذلك عندما مات مانديلا حفرت هذه العبارة الخالدة على قبره : ( هذا قبر رجل أدى واجبه ) ، نعم أدى مانديلا واجبه على الوجه الأكمل ، ثم مضى إلى مثواه الأخير.

أما في بلادنا فقليلون جدا هم أولئك الذين يستحقون أن يطلق عليهم هذا اللقب ، وكان من أهم تداعيات ذلك بقاء بلادنا - المتخمة بالثروات النفيسة والخيرات والوفيرة - مصنفة ضمن مجموعة الدولة الأقل تقدما والأكثر فقرا لعقود من الزمن ، ما جعل دُوّلا كثيرة تجاوزتنا هي أقل منا ثروات وأسوء منا مناخا وتضاريس ، ولولا وجود قلة قليلة جدا ممن يؤدون واجبهم على الوجه الأكمل لكانت موريتانيا آلت إلى الزوال منذ عقود من الزمن .

ولعل من سوء الطالع أنه ومنذ أيام قليلة طالعتنا بعض المواقع الإخبارية المحلية بنبإ إحالة رجل ينتمي إلى هذه المجموعة المُخلصة والمُتفانية إلى التقاعد ، ويتعلق الأمر هنا بالمستشار ورجل الدولة البارز الدكتور عبد الله ولد ابنحميده ، وهو رجل جمع بين صفات قلما تجدها في موظف موريتاني سامٍ هي : التفاني في العمل والتواضع وحسن الخلق وحب مساعدة الناس .

لقد تعرفت على المستشار والأكاديمي ولد ابنحميده مطلع العام 2014 بعيد خروجي ووفد من أطر شريحة لمعلمين من لقاء جمعنا برئيس الجمهورية وعرفت فيما بعد أن سعادة المستشار كان عرّاب ذلك اللقاء الفريد والنادر من نوعه ، والذي اسفر عن نتائج إيجابية جدا منها على سبيل المثال أنه أسهم في تخفيف حالة الاحتقان والغضب العام لدى أطر وشباب شريحة لمعلمين، خاصة بعد قيام رئيس الجمهورية بتسمية سيدة من بنات هذه الشريحة وزيرة للثقافة فالخارجية لا حقا ثم تسمية أول سفير من هذه الشريحة ، إضافة لبعض التعيينات المحدودة الأخرى ، مع أن هناك إجماعا على أن ما قيم به حتى الآن لا يلبي الحد الأدنى من تطلعات شريحة عانت التهميش والإقصاء طيلة نصف قرن من الزمن .

وتعرفت على المستشار ولد ابنحميدة عن قرب حين زرته في منزله لأقدم له الشكر على مساهمته الفاعلة في ترخيص منظمة "إنصاف " ، حيث وجدت منزله يومئذ يعج بالمراجعين من عامة الشعب : هذا لديه حاجة وذلك يلتمس مساعدة وآخر يريد تسهيل مهمة بعد أن وُصدت الأبواب في وجهه بسبب استحكام البيروقراطية في إداراتنا ومؤسساتنا الرسمية .

خلال تلك الزيارة جلست إلى جابت الرجل وراح يحدثني بكل أريحية عن ماضيه النضالي لصالح الطبقات المسحوقة والمستضعفة واسمعني نماذج من كتاباته حول الموضوع ، ثم قام و بكل تواضع واصطحبني إلى الباب الخارجي لمنزله البسيط ، مقارنة بالفلل الفاخرة المجاورة لمنزله العامر، ثم ودعني و أعطاني رقم هاتفه الشخصي !.

ثم تعددت زياراتي للمستشار حين لمست فيه التواضع وحسن الخلق وحب مساعدة الناس ، حيث زرت منزله مرتين أخريين إحداهما التمس تدخله الشخصي لرفع الظلم عن أحد أطر هذه الشريحة ، وفي الثانية جئت منزله أطلب مساعدته لتسريع عملية تزويد قريتنا (كضَّان ) الواقعة ضمن مثلث الأمل بالماء الصالح للشرب ، بعد أن اشتدت معاناة الناس من العطش ، حيث أبدى اهتماما واضحا بمعاناة قريتنا و أثمرت جهوده مع جهود بعض الفاعلين الآخرين من أبناء القرية في تسريع عملية تزويدها بالماء الصالح للشرب .

وعلى الرغم من سهولة لقاء المستشار واستعداده لكل الطلبات لم أطلب منه يوما أية مساعدة شخصية رغم أنني أحمل شهادة جامعية وعاطل عن العمل منذ تخرجي ومعيل لأسرة كبيرة .

و لم أكن لأسمح لنفسي بكتابة مثل هذه الأسطر في حق رجل هو على رأس وظيفته السامية و أزور منزله من حين لآخر ، لأنني اعتبر ذلك ضربا من التزلف والنفاق المذموم و التقرب المكشوف وتلك مسلكيات تتناقض مع قناعتي الشخصية ، أَمَا وقد أحيل الرجل إلى التقاعد ويوشك أن ينفض الناس من حوله - بعد أن ذهب النور الذي كان معه - في مجتمع اشتهر بضعف الذاكرة والتنكر لأصحاب الفضل و الأيادي البيضاء ؛ فقد وجدت من واجبي الأخلاقي والديني أن اذكر الرجل ببعض مما أعرفه فيه من دماثة الخلق وحسن معاشرة الناس والسعي في مساعدتهم إنصافا للرجل وإعلاء لقيم نبيلة توشك أن تندرس و تختفي بين أطرنا وساستنا .

من المؤكد أن فخامة رئيس الجمهورية سيجد حتما من يسُدّ الفراغ الوظيفي الذي نجم عن تقاعد المستشار ولد ابنحميدة ؛ لكنه لن يجد على الأرجح من يضاهي ولد ابنحميده في تفانيه وإخلاصه وحسن معاملته الناس الذين أَلِفوه وأَلِفوا منزله الذي شكل بحق همزة وصل حقيقية بين الراعي والرعية ... فتحية للمستشار المتقاعد عبد الله ولد ابنحميدة ، وليرحم الله أصحاب الحاجات ومن وُصدت في وجوههم الأبواب .. و تقطعت بهم السبل . بقلم : أحمد ولد الســالم [email protected]