العيد في موريتانيا: تشكيلات من "غزة" و"القسام"

-A A +A
ثلاثاء, 2014-07-29 09:07

يغتنم الموريتانيون فرصة حلول عيد الفطر لإحياء عاداتهم وتقاليدهم التي يغلب عليها التكافل الاجتماعي، وإكرام الأصهار وكبار السن، وتفرض التقاليد المتوارثة تقديم هدايا للأصهار عبارة عن ملابس العيد أو خروف أو مبالغ مالية.

ورغم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البلاد، فإن "واجب الأصهار" لا يزال متبعاً. ويلزم العرف الموريتاني الرجل مهما كان مستواه المادي بتقديم "الواجب" الى عائلة زوجته، بينما تقوم الزوجة بشراء هدايا لعائلة زوجها وتقديمها لهم قبل العيد بأيام.

ورغم أن الهدف من هذه العادة، هو التكافل والإحسان بين الأهل، فإنها أصبحت مناسبة للتباهي والتفاخر بين الناس بقيمة الهدية، مما يشكل عامل ضغط على رب الأسرة الذي يجد نفسه مضطراً لإرضاء أطفاله وزوجته وتقديم هدية قيّمة لأصهاره.

يقول سعيد ولد المختار (موظف في وزارة الصحة) في حديثه لـ"العربي الجديد": إن تكاليف العيد تساوي دخله ثلاثة أشهر، لكنه مضطر لتلبية حاجات أسرته التي لا تقبل العذر. ويضيف: مع اقتراب العيد يرتفع سقف طلبات النساء والأطفال، وتتصارع في أنفسهم مخاوف عجز رب الأسرة عن شراء ما يرغبون فيه... وأمام إلحاحهم وثقل العادات يذعن الرجال لمتطلبات العوائل في العيد".

ويشير إلى أن عيد الفطر هذه السنة يأتي أياماً قبل نهاية الشهر، مضيفاً أن "عدم صرف الرواتب يجعل الوفاء بمتطلبات العيد صعباً للغاية".

زكاة وذبيحة

يتميز الاحتفال بعيد الفطر بزيارة الأهل والأقارب، وطلب الصفح والرضا من الوالدين وكبار السن. وبحسب العادات الموريتانية يتم إخراج زكاة الفطر المعروفة محليّاً بـ"الفطرات" صباح يوم العيد وقبل الخروج الى الصلاة، ويتم إخراجها من الأرز أو الدقيق أو القمح ، بينما يفضل الجيل الجديد تقديمها نقداً للمحتاجين أو التبرع بها لمصلحة الجمعيات الخيرية.

غير أن صلة الرحم والزكاة، ليست السمة الوحيدة للعيد، فالموريتانيون يحرصون على ارتداء الملابس التقليدية وتقديم "العيدية" للصغار وشراء الذبائح لإقامة ولائم عائلية أيام العيد.

يقول الباحث الاجتماعي، أحمد ولد الخليفة إن "انتهاء الصيام في موريتانيا يعني ذبح أضحية يوم عيد الفطر لإكرام وفادة الضيوف والمهنئين". ويضيف: هذه العادة منتشرة في موريتانيا نظراً لانخفاض أسعار الأغنام، لكن الذبح في عيد الفطر لا يحظى بأهمية، وهالة عيد الأضحى، فذبيحة عيد الفطر تتم بهدف إعداد أطباق الشواء وتقديمها للمهنئين بالعيد.

ويشير ولد الخليفة إلى أن المجتمع الموريتاني لا يزال يحافظ على طقوس وعادات العيد، لكنه يؤكد أن ضغط العادات وارتفاع الأسعار وكثرة النفقات يدفع رب الأسرة الى الاقتراض لإتمام فرحة العيد.

البخور وزينة النساء

قبل الخروج الى الصلاة يرتدي الموريتانيون ملابسهم التقليدية، وهي عبارة عن "دراعة" للرجال و"ملحفة" للنساء، ثم يقومون بإخراج زكاة الفطر وتوزيعها على المحتاجين. وبعد الانتهاء من الصلاة يعود الموريتانيون الى منازلهم لتناول الفطور وتبادل التهاني مع الأهل والجيران وطلب السماح والاعتذار عن الأخطاء.

وتزين النسوة بيوتهن يوم العيد، ويستقبلن الزوار بالبخور الفاخر حيث تتناوب ربة البيت والبنت الكبرى على الترحيب بالزوار والمهنئين بمواقد البخور ليعطروا أجسادهم ووجوههم. ويسود الاعتقاد بين الموريتانيين أن البخور يطرد الأرواح والعيون الحاسدة ويجلب البركة.

"يعتبر الحصول على العيدية أو "أنديونه" كما يسميها الموريتانيون تقليداً أصيلاً يفرح الصغار الذين يتباهون بملابس العيد وما جمعوه من مال يستطيعون إنفاقه بكل حرية لشراء الحلوى والألعاب النارية وارتياد أماكن الألعاب"

غير أن هذه العادة ليست الوحيدة التي تحرص عليها الموريتانيات، بل إنهن يخصصن أياماً قبل العيد لزينتهن بارتياد الحمام المغربي والتزين بالحناء واستعمال الضفائر الإفريقية التي تزيدهن جمالاً.

تقول ربة المنزل خيرة بنت التراد إن "النساء تتخلى عن الزينة في رمضان احتراماً لقدسية هذا الشهر. وفي العيد يعدن لأناقتهن وزينتهن التقليدية الضرورية للظهور بأبهى حلة في العيد".

وعن مراسم عيد الفطر تقول: نتناول التمر في الصباح قبل الصلاة، ونقدم أقداح اللبن وكؤوس الشاي للزائرين والمهنئين، ونعد الشواء والكسكس في الغذاء، وفي المساء نحرص على صلة الرحم وتبادل التهاني وطلب الغفران والعفو من الأقارب والجيران.

ويقضي الشباب عيدهم في التجول وسط المدينة أو "التفحيط" بالسيارات خارجها، بينما يجمع الصغار "العيدية" من الأهل وزوار البيت والجيران، ويعتبر الحصول على العيدية أو "أنديونه" كما يسميها الموريتانيون تقليداً أصيلاً يفرح الصغار الذين يتباهون بملابس العيد، وما جمعوه من مال يستطيعون إنفاقه بكل حرية لشراء الحلوى والألعاب النارية وارتياد أماكن اللعب.

ويستغل المغتربون عيد الفطر لزيارة الأهل في القرى البعيدة حيث يفضل أغلبهم التمتع بالعطلة السنوية في هذا العيد مما يمنح الأطفال فرصة قضاء جزء من العطلة في المدينة والباقي في الأرياف للتعرف على مناطقهم الأصلية، وتعزيز الروابط الاجتماعية في زمن انشغل فيه الجميع بالإنترنت والتلفزيون. وتبدو المدن الرئيسية في موريتانيا شبه خالية في ثاني أيام العيد بسبب سفر العائلات الى القرى.

زحمة العيد وملابس غزة

دفعت زحمة العيد السلطات إلى اتخاذ إجراءات صارمة في كافة الأسواق ومنعت المركبات من الاقتراب من السوق المركزية في العاصمة نواكشوط الذي يعرف توافد أعداد كبيرة من المتسوقين أيام العيد، كما أغلقت الطرق كافة المؤدية إليه من مسافات بعيدة أمام حركة السيارات.

"استقر التجار على إطلاق أسماء مشاهير وأحداث على الملابس كما هي عادتهم في كل عيد، حيث ظهرت تشكيلات جديدة من ملابس "غزة" و"القسام" و"عزيز" لجذب الزبائن وإغرائهم بشرائها "

ويهدف هذا الإجراء إلى التخفيف من ازدحام الأسواق، ومنع تكدس السيارات أمام السوق والسماح للمواطنين بالتسوق براحة والحد من جرائم السرقة والنشل. وخصصت السلطات مواقف للسيارات بعيدة عن السوق وفتحت ممرات آمنة تجنباً للزحمة، كما نشرت وحدات راجلة على محاور عدة وسط العاصمة.

ومع اقتراب عيد الفطر انتعشت الأسواق التجارية في موريتانيا وظهرت صرعات جديدة في الملابس، استقر التجار على إطلاق أسماء مشاهير وأحداث عليها، كما هي عادتهم في كل عيد، حيث ظهرت تشكيلات جديدة من ملابس "غزة" و"القسام" و"عزيز" لجذب الزبائن وإغرائهم بشرائها.

وحققت هذه السلع مكاسب مادية مهمة بعد فترة وجيزة من طرحها في الأسواق، وتسبب الإقبال على هذه البضاعة في فوضى عرضها، حيث عمد الباعة المتجولون الى عرضها على مشارف الأسواق، وأمام المساجد وعلى قارعة الطريق، وأدت هذه "الدعاية التجارية" إلى زيادة في أسعار الملابس التقليدية المصنوعة محليّاً.

واللافت أن المشاهير في موريتانيا لا يمنحون موافقتهم التجار من أجل إطلاق أسمائهم على البضاعة واستغلال الشهرة تجاريّاً، ولا يحتجّون أو يطالبون بتعويض على تجاهل المعلنين الحصول على موافقتهم قبل وضع صورهم وأسمائهم على علب الملابس، لأنهم يعرفون أن هذه خصوصية تميز الموريتانيين، فما إن تشتهر شخصية سياسية أو فنية أو إعلامية حتى يبدأ التجار في استغلالها وإطلاق اسمها على تجارتهم.

العربي الجديد