تركيا... غول اقتصادي في عهد أردوغان

-A A +A
جمعة, 2014-08-01 14:55

تشكل قصة نجاح حزب العدالة والتنمية في المجال الاقتصادي التركي إحدى أهم عوامل ازدياد شعبية الحزب جماهيريًا ومن العناصر الأساسية التي دفعت إلى إعادة فوزه بالانتخابات التشريعية، والرئاسية للعام 2007، والتي استطاع من خلالها اكتساح جميع منافسيه، وخصومه، وإحراج النخبة العلمانية و الجيش و وضعهم في خانة ضيقة.

 

ولا تقتصر عوامل النجاح الاقتصادي، وتأثيراتها على الداخل التركي فقط بل تتعداه إلى إطارها الإقليمي والدولي و هو الذي قد يسمح لها في المستقبل القريب بلعب أدوار إقليمية كبيرة، يكون الاقتصاد العامل الأول وراء تحريكها.

 

لقد كان الوضع الاقتصادي البائس والانهيار التجاري و المالي لتركيا يشكّل التحدي الأول و الأساسي والرئيسي لحزب العدالة و التنمية عند تسلمه لمقاليد السلطة في تركيا في العام 2003.

 

فقد استطاع الحزب في هذه الفترة بقيادة رجب طيب اردوغان، وبمساعدة أيضا عبد الله غول عبر السياسة التي تمّ انتهاجها النهوض بالاقتصاد التركي بما يشبه المعجزة، ما انعكس ايجابيا على نظرة الجمهور التركي للحزب خاصة بعد عقود طويلة من فضائح الفساد و الرشاوى و البؤس المالي و الاقتصادي الذي عاش فيه الأتراك في ظل الحكومات العلمانية و القومية المتتالية على الحكم.

 

أمّا معدّل الدخل الفردي فقد ارتفع من 2589  دولار للفرد عند مجيء حزب العدالة، والتنمية للحكم إلى حدود 5700 دولار. و بينما كان النمو الاقتصادي في تركيا يشكل نسبة 2.6% منذ الأعوام 1993 ، وحتى العام 2002، فقد ارتفعت هذه النسبة بشكل هائل، ومضاعف و سريع إلى 7.3% في الأعوام ما بين 2003 -2007

 

 أرقام الاقتصاد التركي تتحدث عن نفسها منذ تولي أردوغان للسلطة، حيث تعتبر تركيا مقصدًا للاستثمارات المباشرة، والتي تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار منذ العام 2003.

برزت تركيا خلال العقد الماضي، وبالتحديد منذ تولي أردوغان للسلطة بحجم الصادرات الهائل والمتنامي بصورة كبيرة على مر الأعوام، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى وصول قيمة الصادرات التركية إلى 152 مليار دولار خلال العام الماضي، أي عشرة أضعاف قيمة الصادرات التركية قبل تولي أردوغان السلطة.

وتمكنت تركيا في عهد أردوغان من الوصول إلى المرتبة الـ17 على قائمة أقوى الاقتصادات في العالم، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، حيث اظهرت الأرقام وصول الناتج المحلي الإجمالي في تركيا إلى نحو ثلاثة أرباع تريليون دولار في هذه الفترة أي أنه ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل العام 2003.

العام 2023 يوافق الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية تحت المؤسس كمال الدين أتاتورك، وهو التاريخ ذاته الذي حدده أردوغان لتصبح تركيا من بين أعظم الاقتصادات في العالم، من خلال مشاريع وتطوير لمرافق وبنى تحتية جديدة، في مقدمتها مطار جديد سيكلف مليارات الدولارات في اسطنبول، وجسور وقنوات مائية.

ويقول تيم آش، رئيس الأسواق النامية ببنك ستاندارد: "في السنوات الأخيرة كان النجاح بتركيا يتصل جزئيا بالحكومة المكونة من حزب واحد، إلا أن اردوغان كان جزء اساسي في هذا النجاح."

شهد الاقتصاد التركي تقدّمًا ملحوظًا خلال العام 2013، حيث بدأ بحجم صادرات قياسية، فيما شهد الاقتصاد العالمي أزمة كبيرة.

ففي الوقت الذي بدأت فيه المنطقة الأوروبية بمحاولات تجاوز أزمتها الاقتصادية، الناتجة عن الأزمة العالمية، بدا فيها استعادة النموّ ضعيفًا وغير منتظم، بينما تمكّن الاقتصاد التركي من تسجيل رقم قياسي في حجم صادراته، التي تجاوزت الرقم القياسي المقدّر بـ 152 مليار، و561 مليون دولار أميركي، والذي سبق أن حقّقه في يناير 2012.

ووفقًا لوكالة الأناضول، أكّدت وكالات التصنيف العالمية، التقدّم الذي شهده الاقتصاد التركي، حيث رفعت وكالة "ستاندرد آند بورز"، التصنيف الائتماني، التركي للقروض طويلة الأمد، من الدرجة "بي بي"، إلى الدرجة "بي بي +".

كما دخل الاقتصاد التركي مرحلة جديدة في العلاقة مع صندوق النقد الدولي، خالية من الديون، حيث سدّدت تركيا آخر دفعة من ديونها للصندوق، والتي بلغت قيمتها 421 مليون دولار أميركي.

وافتتحت تركيا مشروع مترو الأنفاق "مرمراي"، المعروف بمشروع العصر، الذي يمرّ أسفل مضيق البوسفور، ويربط بين شقي مدينة اسطنبول الأوروبي والآسيوي.

و يشكّل الاقتصاد التركي بحسب التقرير الصادر من عن مركز "ستراتفور" في 2007 اكبر اقتصاد إسلامي على الإطلاق متفوقا بذلك حتى على حجم الاقتصاد السعودي، مع الأخذ بعين الاعتبار انّ تركيا حقّقت ذلك دون انضمامها إلى الاتحاد الأوربي، و لنا ان نتخيّل قدرتها اذا ما تمّ قبولها فيه.

وتركيا ليست الصين من الناحية الاقتصادية، و لكنها بالتأكيد تشكّل أكبر اقتصاد في شرق المتوسط، جنوب شرق أوروبا، الشرق الأوسط و منطقة القوقاز. صحيح انّ هذا النمو لازال هشّا و قد يتم عرقلته، لكن الصحيح ايضا اننا نرى تقدّما نحو الأمام و ليس الخلف، كما انّ الاقتصاد التركي بات يشكّل الاقتصاد الاقليمي الأكثر ديناميكية و قيادية. و اذا ما اضفنا إلى كل هذا موقع تركيا الجغرافي و دوره في ان تضم تركيا اكبر شبكة نقل و مرور للطاقة في العالم، فان التحليل يقودنا إلى انّ دور تركيا في تعاظم مستمر و يتجه نحو استعادة حالته التاريخية و ان كان بشكل بطيء.

المنارة