للإصلاح كلمة تتعلق بمؤتمر افلام وحضور الرئيس جميل له / محمدو ولد البار

-A A +A
ثلاثاء, 2014-09-09 09:04

من المؤسف جدا أن موريتانيا تفاقم فيها أخيرا نسيج مجتمعي كان هو أقوى الشعوب إسلاما وتضامنا وتعاونا إلى أن صار بعضه يُسمع بعضه منكرا من القول وزورا،إن أي موريتاني مخضرم في هذا الوطن قد عايش إنشاءه ليكاد  ينفطر قلبه اليوم حزنا على ما يرى ويسمع

 هذه الأيام من دعاية نشاز من أغلب مواطني هذا البلد كل على شاكلته.

إن ذلك المواطن المخضرم لا شك أنه بعد سماعه لهذا النشاز المقيت سينطلق لسانه ثناء وترحما وإعجابا بعقل وثقافة وعفة ألئك الرجال في جميع مواقعهم في الدولة ومسكنهم على أرضها ولونهم من بين ألوان شعبها ، ألئك الرجال الأفذاذ الذين استلموا هذا البلد البدوي والخالي من كل منشآت الحضارة الضارب في أعماق القبيلة والفئوية المعتز كله بجينه وناحيته وفئته أخذوا هذا المجتمع من المستعمر اللا مبالي بأي مستقبل ستتجه إليه موريتانيا أخذوا هذا الوطن أخذ عاقل متبصر مقتدر.

فأنشأ حكومات متعاقبة لا تعرف التحاصص القبلي ولا الجهوي ولا الشرائحي في الوظائف وإنما تعرف النزاهة والكفاءة اللتين لا نسب لهما ولا لون ، وكان من حسن حظ الوطن أن جميع ساكنيه مسلمون ،ومادام الدين واحد ولاسيما الدين الاسلامي المسامح فلا عبرة بالألوان ولا نوع الثقافة .

وكان من بين الوزارات وزارة الوظيفة العمومية وكانت تلك الوزارة صماء بكماء عمياء إلا عن حاملي الشهادات .

وكان من معطيات الحال آنذاك أن المستعمر فتح مبكرا مدارسه للتعليم الفرنسي فقط على طول النهر السنغالي المتاخم لمركزه الإفريقي {دولة السنغال} من انواذيبو شمالا إلى سيلبابي جنوبا ولم يتسنى للولايات الأخرى البعيدة أن يزاول أبناؤها الدراسة إلا قليلا من أهل السعة منهم ،ونتج عن ذلك كون أكثر حملة الشهادات من الناحية الغربية من الوطن ولاسيما المدن المتاخمة للنهر وأهلها أقبلوا على الثقافة الفرنسية المقروءة في المدارس آنذاك ومعمول بها في الإدارة ، وبما أن المستعمر لم يترك لهذا الوطن موظفين من أي فئة لا متوسطة ولا عليا ، فقد استقلت الوظيفة العمومية الخريجين من تلك المدارس مهما كانت مستوياتهم حتى أصبح جل الموظفين الموريتانيين من لون واحد تقريبا في جميع المؤسسات الوطنية ولاسيما الفنية منها مثل المالية والبريد والمواصلات وشرائك البناء والمؤسسات الصحية إلـى آخر الوظائف ،

فلو نظر المطلع على المؤسسات آنذاك لظن أن الأفارقة الزنوج يمثلون 80 %

من سكان موريتانيا وهم قطعا يمثلون هذه النسبة ولكن في الموظفين في ذلك الوقت فقط .فمع أني أكره تسمية المواطنين بالأفارقة الزنوج لأننا كلنا أفارقة إلا أنه اصطلاح لا مناص من استعماله ،ولقد أحسن الموريتانيون الأوائل بعد الاستقلال لتسميتهم للولايات بالأرقام من رقم 1 إلى آخره ليبتعدوا عن أي تسمية توحي بالجهة أو الانتماء حتى جاء العسكر وردها إلى التسميات الجهوية ولا بد على هامش الكتابة في اجتماع "منظمة افلام" أن أمر قليلا على قضية كلمة الشرائح المكونة للشعب الموريتاني لأقول أن العالم يقسم شرائح المجتمع حسب اللغات المكونة للمجتمع ولا يوجد أي شعب يتكلم بلغة واحدة ينقسم إلى شريحتين بل إن الأصح أن توجد شعوب في دول مختلفة تكون اللغة الواحدة لحمة شريحتها وتوحدها ولا يوجد شعب يتكلم عدة لغات يكون اللون وحدة شريحته ، وعليه فإن ما يسمى البظان ولحراطين الناطقين جميعا بالعربية {الحسانية} لا يحص تقسيمهم إلى شريحتين فكلام البظان يطلق على اللهجة الحسانية وهم يتكلمون بها جميعا وكلمة لحراطين مجرد اصطلاح مثل كلمة "ازواية" و"لعرب" إلى آخر المسميات المميزة لفئات الشريحة الواحدة وكلمة الأرقاء والأرقاء السابقين تعبير ديماغوجي أطلقه أصحاب المصلحة الخاصة الضيقة  لأن غالبية لحراطين لم يسبق عليهم رق ولا تشملهم كلمة الأرقاء السابقين.

كما أن ما يسمى بالزنوج الأفارقة ليسوا شريحة واحدة فاتحاد الألوان لا يصير الفئات يحتلون شريحة واحدة ،

فموريتانيا فيها أربعة شرائح حسب لغاتها – العربية-البولارية-السنكية- الولفية ،كما نص على ذلك الدستور في مادته السادسة.

وهذه الشرائح لونها لا يجعل بعضها أقرب لبعض ولا يبعده عنه فتفكير سياسيو البولار خاصة بالحكم الذاتي لا يستند إلى واقع وإلى أرض ولا إلى شعب ولا إلى سلطة وهذه هي مكونات الدولة .

فالشرائح غير البولار الزنوج هما السونك وأولف وهؤلاء لا يفكرون في حكم ذاتي ولا يصح منهم ذلك لأن حياتهم المعيشية أكثر انسجاما مع شريحة البظان من غيرها وتعد ولاية كيد ماغة المثل الأعلى لذلك ،فأكثر السونوكيين فيها يتقنون اللهجة الحسانية ولا يعرفون لغة البولار ولا أولف وكذلك أولف في انجاكو وما جاورها يعرفون الحسانية ولا يعرفون البولار ولا السنكية هذا عن مكونات الشرائح وعلاقة بعضها بالبعض ، أما عن الأرض فأين أرض البولار الخاصة بهم حتى يفكر سياسيوهم بالحكم الذاتي فيها فالذي يجب استنكاره  ليس مجرد طلب الحكم الذاتي بل يجب التحذير من تصوير جغرافية مناطقية انفصالية لأن مجرد اظهار ذلك التفكير إلى الوجود سيؤدي لا قدر الله إلى حرب أهلية بل حرب مناطقية وولائية بين سكان المنطقة والولاية الواحدة   فسياسيو البولار لا يمكن أ يمتد تفكيرهم إلى سكان كيد ماغة من شريحة السونك الذين يمثلون 50% ويمثل البظان 40%  وتبقى 10% يمثلها الفلانيون الرحل من شريحة البولار .

فلم يبق لتفكير هؤلاء السياسيين إلا جنوب ولاية لبراكنة وما فيها من بولار والنزر اليسير من ولاية كوركل التي كانت نيابتها عند عائلة اكويتا من السنكيين.

وعندما يقف صاحب المنظار الجغرافي ليخطط لمنطقة بولارية يمكنها أن تفكر في الحكم الذاتي فعليه أن يستعمل منظار صاحب الخط الهندسي لطريق يريد تعبيدها ،فعندما ما يحيد عن ذلك الخط أمتارا جنوبا فسيجد النهر وعندما ما يحيد مثل ذلك شمالا فسيد الساكنة تغيرت ولا تتكلم البولارية مع ما في هذا الخط الهندسي المستقيم من الشرائح الأخرى .

وعلى من يطلب حقيقة ذلك أن يتجه إلى السجلات والأرشيف ليجد أسماء نواب في المنطقة وشيوخ لا يتكلمون البولارية  ولا داعي الآن لتفصيل ذلك ما دامت كلمة الحكم الذاتي إفرازات سياسيين عادو للتو من الخارج ويريدون الشعبية في مناطقهم بدعوى لا شعبية تساندها ولا أرض تنفذ عليها.

وبالمناسبة فإني أقول لهؤلاء السياسيين ولجميع الشعب الموريتاني المسلم المسالم والذي أرجو منه أن يقرأ هذا التوضيح أن موريتانيا الحالية أو موريتانيا ما بعد الاستقلال وحتى الآن لم تقع فيها أي حرب أهلية ولا عنصرية.

فقبل الاستقلال وقعت كثير من الحروب ولكنها شملت كل القبائل الموريتانية بعضها مع بعض مهما كان لونها ولم تسلم أي جهة حتى سميت الأرض بالأرض السائبة ، أما بعض الاستقلال فقد وقعت مناوشات وفتن خطيرة بين فئتين من شريحتي البظان والبولار دون أن تتضرر الشرائح الأخرى الزنجية فالمناوشات وقعت بين طلاب الشريحتين أعلاه سنة 66 ولم يشترك فيها غير الطلاب فيها بينهم ووقعت في مدينة انواكشوط فقط.

أما الفتنة المأسوف عليها والتي وقعت سنة 89 فقد بدأت وانتهت بين فئتين من المهنيين العسكريين من الشريحتين أعلاه ولم يشترك فيها إلا مسلحون من الفريقين بل إن المطلع على كثير من حقائق موقف البظان المدنيين فسيرى العجب العجاب من تصرف المسلم الخائف من الله مع أخيه المسلم المغلوب على أمره فقد أودع البولار لإخوانهم البظان من الأموال المنقولة وغير المنقولة ووجدوها بعد رجوعهم كاملة غير منقوصة .

والحقيقة أن العسكريين البولاريين في محاولة انقلابهم بادئ الأمر لم يلاحظوا قول الله تعالى : {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } والعسكريين البظان لم يتمثلوا قول الله تعالى {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا }

أما ضحايا هذه الفتنة التي أصابت ظلما وعدوانا كثيرا من الأبرياء من فئة الفلانيين البدويين من شريحة البولار من جنوب لبراكنة وحتى كيد ماغة فكان سببها فتوى إجرامية من مؤرخ أوحى إلى الرئيس آنذاك عندما بطشت السنغال بجميع الناطقين بالحسانية حتى المتجنسين منهم بالجنسية السنغالية فأفتى ذلك المؤرخ ليحمل أوزارا مع أوزاره بأن الفلان الرحل قادمون أصلا من السنغال فأمرت السلطة حينها مختلف عسكرييها وإدارييها بتسفيرهم وأخذ أموالهم ففعل الشيطان أفاعيله المخلدة في النار وأنساهم قوله تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمدا إلخ الآيات فوسوس لبعض العسكريين حتى عملوا ما الله به عليم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

وملخص تلك الفتنة ما يلي : أولا موريتانيا لم تقع فيها حرب أهلية منذ  الاستقلال لأن شعبها كله مسلم ومسالم وسلطتها التي تسلمتها بعد الاستقلال زرعت ألونها ولغتها وسقتها بماء واحد وبإدارة نظيفة لا تعرف للون ولا للغة مكانا داخلها.

ثانيا :ما وقع من المناوشات والفتنة كان محدودا في مناوشاته وفئويا مهنيا في فتنته التي آلت  إلى الأحداث بين العسكريين فقط ،والتسفير قامت به السلطة وحدها نتيجة للأسباب أعلاه والشعب الآخر بريء من ذلك كله .

أما تشبيه موريتانيا بدول أخرى مثل : السودان أومالي أو الأكراد فهو تشبيه مع فارق كبير :

فكل هذه الدول فيها أقاليم متميزة لها حدود معروفة بولاياتها الخاصة بها بل إن بعضها له عواصم معروفة .

وموريتايا لا توجد فيها شريحة لها إقليم  ولا ولاية خاصة بها بل يمكن أن نقول لا مقاطعة فيها لشريحة معينة دون غيرها..

أما تلبية السيد الرئيس جميل منصور للدعوة الشخصية من قائد افلام إلى منزله الخاص فإني أظن أن أحسن توجيه لها هو وجوب إجابة دعوة المسلم لأخيه المسلم حتى ولو كان صائما وعندما يتدخل الإسلام فلا رئاسة لحزب ولا خوف من لومة لائم .

وأما كون المدعو لا يستجيب لدعوة يعلم بوجود منكر فيها فلا شك أن الرئيس لم يعلم بهذا المنكر قبل قوله مع أنه منكر امتزج بكثير من القول المعروف في المسامحة وطلب الحوار الهادف بعد القطيعة.

والرئيس جميل يعرف ولله الحمد قول الله تعالى {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون}