موريتانيا والقضية الأزوادية.. سلبية الحياد / إبراهيم الأنصاري//الحدث الأزوادي

-A A +A
سبت, 2014-09-20 08:47

يبدو أن الاستجابة السريعة التي قام بها الرئيس الموريتاني ولد عبدالعزيز في مايو الماضي وتوجهه شخصيا إلى مدينة كيدال التي لم يصمت فيها صوت الرصاص بعد واستخدامه لثقله لدى الازواديين والذي اكتسبه لعدة عوامل أهمها كونه رئيساً للجمهورية الموريتانية، وليس كما يظن القابعون في باماكو أن استجابة الأزواديين له وتقديم تنازلات فاقت التوقعات مستند لكون بلاده تترأس دورة الاتحاد الإفريقي،

وهذا الظن أبعد ما يكون عن الواقعية، ورغم تلك الاستجابة العاجلة والمخاطر التي تحوم حول سلامة الرئيس الشخصية حيث كان هدفا لمحاولة اغتيال لم تنجح ومن المعلوم نشاط جماعات مرتبطة بالقاعدة في المنطقة وتواجد شخصية بحجم ولد عبدالعزيز ربما دفع هذه الجماعات لاستهدافه ومحاولة تصفيته، ورغم هذه المحاذير إلا أن الرئيس الموريتاني اختار المجازفة وحصل كما ذكرت سابقا وبوجاهة شخصية لا علاقة للاتحاد الإفريقي بها، حصل لباماكو على اتفاق لم تكن تحلم به،

ومع كل ذلك اتبعت باماكو تجاهل موريتانيا في حفل تنصيب كيتا الذي كان منتشيا بنصر متوهم، وكان لحضور الرئيس الفرنسي والمغربي وغيرهما دور في حالة الزهو التي كان عليها كيتا وفريقه الدبلوماسي.

فاتبعت باماكو ومن معها هذا التجاهل المكشوف بتجاهل أي دور فعال في أعمال المفاوضات الجارية منذ أيام في الجزائر، ولا أعني بالدور هنا الاطلاع على بعض التفاصيل الفنية، أو الحضور البروتوكولي، ولكن أعني بالدور هنا دور مباشر ورئيسي في التفاوض كإدارة الوساطة، وتقريب وجهات النظر، وضمان ما يمكن أن يتم التوقيع عليه بصفة مفردة ومستقلة لموريتانيا حتى وان كان ذلك ضمن مجموعة دول أو منظمات، وذلك بسبب الخصوصية التي تتمتع بها موريتانيا، والأدوار التي قامت بها في التهدئة، والتصاقها المباشر بالقضية سياسيا وديمغرافيا إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل.

لكن السؤال المتبادر للذهن هنا لماذا يتم التعامل مع موريتانيا بهذه الطريقة؟

وللجواب على هذا السؤال فإننا أمام معادلة من ثلاثة أطراف:-

الطرف الأول: الجانب المالي الذي يرى وعلى الدوام من الجارة موريتانيا خصما وإن كان ذلك بشكل غير علني حيث يعتبرها جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل، فهي ملاذ مجموعة كبيرة من الأزواديين الذين خرجوا من أزواد على وقع النزاع المسلح، كما أن العاصمة الموريتانية كانت محطة لبعض قادة الحراك الأزوادي؛ مما جعل باماكو تتذرع بذلك للتوجس من الدور الموريتاني، وهذا التوجس ساذج سطحي مكشوف حيث إن الأزواديين لجؤوا إلى كل من الجزائر وبوركينافاسو،

والأهم من ذلك أن قيادات الحراك الازوادي أيضاً يتخذون من بوركينا والجزائر مراكز نشاط على مختلف الأصعدة أكثر بمراحل مما هو حاصل في موريتانيا مع أن باماكو تتكئ على الجزائر بشكل كامل في الحصول على مكاسب، وبالتالي فإن ازدواج المعايير والانتقائية المالية واضحة في هذا الجانب، ويبدو أن الدافع الحقيقي وراء هذا الإقصاء لموريتانيا هو تعاملها الأخلاقي إلى حد كبير مع القضية، ورفضها التام أن تكون جهة ضغط على الأزواديين، أو وسيلة ابتزاز لهم مكتفية بالعمل بالأعراف الدبلوماسية، والعمل على التوازن حيث ترتبط وبشكل وثيق بأزواد بروابط يصعب على سياسيي باماكو فهم عمقها تاريخيا واجتماعيا؛ وبالتالي اختارت مالي الدول التي لا تراعي هذه الجوانب بالقدر الذي تراعيه بها موريتانيا،

كما أن بعض الانتهازيين في باماكو يحاولون تصوير القضية الأزوادية على أنها نزاع إثني، ويخرجونها من إطارها الأخلاقي، ومن هذه الزاوية يشيرون إلى التركيبة الموريتانية واثنياتها بما يشبه التهديد باستغلال هذا التنوع في إثارة نوع من النزاع العرقي، ونقل المعركة إلى الداخل الموريتاني، والتخوف من وضع كهذا واقعي من الناحية السياسية، ولكن التعامل معه ليس بسلبية الحياد، ولكن بالتركيز على الوعي الوطني والمساواة الحقوقية؛ لأنها الضمانة في عدم حدوث اختلال من هذا النوع.

الطرف الثاني: الجانب الموريتاني ولا أظن ممارسا للسياسة يجهل أن الحياد هو أضعف استراتيجيات التأثير السياسي حيث يعتبر المحايد دائماً خارج المعادلة وصاحب موقف معروف أو متوقع، وهو غالبا إما صفر في المعادلة أو هو أقل منه، وهو ما يفرض اتخاذ مواقف أكثر صرامة في الوقوف وبشكل علني مع الحق الأزوادي الذي تكفله له المواثيق الدولية، وهو أي الحق الأزوادي لا يعتبر نقطة خلاف كبيرة في الداخل الموريتاني،

وهذا الموقف لا يعني بالضرورة كما يتوهم البعض إعلان حرب أو قطيعة دبلوماسية أو فتح جبهة مع الجانب المالي؛ لأنها أي مالي ببساطة ستكون الخاسر الأكبر إن حدث ذلك، وهنا لا بد أن أشير إلى دور المثقف والإعلام الموريتاني المهم في تشكيل رأي عام يرسخ دور موريتانيا الإقليمي، والخروج من دائرة التبرير إلى دائرة النقد الموضوعي الرامي إلى الإصلاح.

الطرف الثالث في المعادلة: هو الجانب الأزوادي الذي كان يجب عليه ولا يزال سياسيا وأخلاقيا الإصرار على أن يكون لموريتانيا دور رئيسي فاعل في كافة أنواع التفاوض والتسويات، وأن يكون حضورها شرطا للجلوس على مائدة التفاوض، وهذا الموقف المفترض ليس نوعا من المجاملة أو العلاقات العامة، بل هو موقف يمليه وضع وثقل موريتانيا، وأثرها في هذا الملف في كافة مراحله، ولا شك أن الجانب الأزوادي لو أصر على ذلك فإنه سيكون أكثر المستفيدين؛ وذلك لوجود طرف يتفهم وبعمق ومسؤولية حقيقة القضية الأزوادية، كما أنه الوحيد في دول المحيط الذي يمكن أن يوصف بالنزاهة حتى الآن.

ختاما قد يكون وقوف موريتانيا على الحياد يضعف المفاوض الأزوادي، لكنه بلا شك يقلص الدور الموريتاني، بل قد يقضي عليه نهائيا.