التأثر بالجمال مصدر الخير والعطاء، والتنكر له مصدر كل شر/الولي طه

-A A +A
خميس, 2020-06-18 23:02

الفطرة الكونية قائمة على الاعتراف بالجميل والتأثر بالجمال والانفعال به، فانظر في تفاعلات هذا الوجود تَرَ ذلك جليا مشهودا.

انظر إلى الأرض الجرداء اليَبابِ حين يصيبها المطر، فتتغير أساريرُ وجهها وتبتسمُ نضارةً واخضرارا بهيجا، وعطاء للناس والانعام... لأنها اعترفت بالجميل وتأثرت به فأتحفت الناس بهذا الجمال الرائق، والعطاء العميم.

وانظر إلى الانعام من إبل وبقر وغنم، فقد تكون متهالكة لا تُسعِف بلحم ولا لبن، لكنها حين تَدخُل حِسانَ المراعي أو تُمنَح بُلْغَةً من عَلَفٍ ينقلِبُ حالُها إلى السِّمَن ودَرِّ الضرع.. لأنها اعترفت بالجميل وتأثرت به، فأتحفتِ الناسَ بهذا الجمال الرائق، والعطاء العميم. مع ذلك هناك استثناءات عجيبة، فهناك السباخ التي حين تَستقبِلُ المطر تتنكَّر لنِعمته، فلا تُنبِتُ كَلأً ولا تحفظ ماء ينفع، وتكون مَزلقَةً ومَزَلّة للواطِئين، وهي بقاع تكرهها النفوس بفطرتها لأنها تتنكر للجميل.......

وهناك قلة من الأنعام تَتَنكٍر لحِسان المراعي فلا تسمُن ولا يَدِرُّ لها ضرع، وهي أنعام تكرهها النفوس بفطرتها لأنها تتنكر للجميل. كذلك الإنسان الباقي على فطرته، تجده مُعترِفا بالجميل ذاكرا له، شاكرا لأنعُمِ الله، مُلاحِظا لعطائه جلَّ في كل تفاصيل حياتِهِ، مستبشِرَ الأسارِير متَوقِّعًا للخير، لاهجا بالحمد والشُّكر، محافظًا على أن يُرِيَ اللهَ أثرَ نِعمته عليه، مُستزيدا إياه من عطاياه، شاكرا كلَّ إنسان قدم له خدمة مهما كانت بساطتها، ولا يجد فرصة لذكر جميل الناس عليه إلا فعل بقلب نظيف ونفس طاهرة، لأنه اعترف بالجميل وتأثر بالجمال فأتحف الجميع بهذا العطاء الرائق.

لكن كما أن هناك استثناءات في عالم الطبيعة، فهناك أخرى في عالم الإنس تُمثل دورَ السباخ والأنعام الفاسدة، والإنسانُ المُنكِر للجميل تجده دائما مُتَأَفّفًا لا يعرف للحمد سبيلا، وقد يكون في ظروف يَحسُده عليها الكثيرون، لكنه لا يشعر إلا بالشقاء والحرمان، وربما تجده في ظروف مادية مقبولة، لكنه مُصِرٌّ على التنكُّر فيحرم نفسه من حقها مَلبسِ معقول، ويحرم أهله مما أنعم الله عليه به، وتجده سَيّئَ الظن بالجميع، مُتحاملا على الجميع، لا يستريح إن سمعكَ ذكرتَ أحدا بخير... بل كلُّ راحته في ذكر قبائح الناس ومَساوئهم.. فهناك يَطربَ ويهشُّ لأنه وجد سبيلا لإفراغ بعض شُحناته السلبية التي لا تنتهي، فلا تذكر عالما إلا وَصَفَهُ بالجهل والسطحية، ولا غنينا إلا وصفه بالحرامية والتمول غير المشروع، ولا مسؤولا إلا وصفه بالسرقة وخيانة الأمانة، والدنيا كلها عنده جحيم، ولا يوجد بالنسبة له شيء على طبيعته، فكل شيء مصروف عن ظاهره لكنه لا يقبل التأويل إلا إلى الأسوإ.

وهكذا تتميز سباخُ الناس بكل ما تتميز به سِباخُ الأرض من نُكْران الجميل، وحَنظَلِيَّةِ الطعمِ، وكون بيئتهم مليئةً بالمزالق التي لا تطمئن فيها أقدامُ الواطِئين، وكل حياتهم وتصوراتهم وأحاديثهم سلبيةٌ في سلبية، وصُحبتُهم تعكيرٌ للمزاج، وجناية على الفطرة. ويبقى النجاح والتفوق دائما حليفا للإيجابي المتأثر بجمال الجميل، الفطري المُحب للجميع الساعي في نفع الكل، الذي يرى خلف كل عقبةٍ فتحًا ونصرا ولُطفا، لأنه يتحرك في أفق مفتوح على أنوار الجمال والإتحاف الإلهي، مُنسَرِبٌ في أفق ذلك الملكوت وجماله.

والذي نفسُه بغير جمال ** لا يَرى في الوجود شيئا جميلا

فمع الإيجابي عونُ الله ومَدَدُه وتسديدُه لأنه مُتشبثٌ بالخير وقيم الخير. ومع السلبي خِذْلانُ الله وغضبُه، وتُطارده سيئات ظنونه وقبائحُ مَكْره وافترائه التي يُدبِّرُها لغيره ، والله يدبر أمرا يُنفِذُ به حكمَه الماضي على مَرِّ التاريخ أن {لا يَحِيقُ المكرُ السيِّئُ إلا بأهلِه} وأنه {قد خابَ مَنِ افترى}

وهكذا يصنع الإيجابي التاريخ، بينما يذهب السلبي إلى حضيض التاريخ وظلماته. لأنه لا يستوي المتأثر بالجمال المعترفُ بالجميل، والخشَبِي الذوق المنكر لكل جميل. {فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ}