اختطفوه وعذبوه في شهر الرحمة (قصة قصيرة)

-A A +A
أحد, 2015-06-28 16:44

أقبل شهر رمضان المبارك حاملا معه بشائر الرحمة والغفران .. الآن وفي تلك الليلة الظلماء ووسط رذاذ المطر، وبرد الشتاء تثبت لجنة الأهلة في موريتانيا أن شهر الرحمة قد هل وبدأت أيام الصيام والقيام في جو يتنافس فيه المتنافسون في فعل الخير والصدقات..

 إنه شهر الرحمات والصفح وعمل البر بكل أشكاله هكذا يظن ويعتقد بل يجزم كل مسلم.. نعم أقبل عليه شهر رمضان وهو ينوي صلاة التراويح بين يدي ربه وأمام والدته العجوز..

كان يحرص كل الحرص أن يغفر الله له ويعتقه من النار في هذا الشهر الكريم.. كان يتلذذ بيوميات الشهر الكريم التي بدت  قصيرة جدا فهو يصادف شهر نوفمبر الشتوي من العام 2001..  كان يفكر في سرعة انقضاء هذا الشهر ولياليه السريعة  كبروق الخريف الخاطفة للبصر..  

يتراءى له الهلال إليه في أفق "بوحديده" المفتوح وهو يكبُر ليلة بعد ليلة وكأن عيد الفطر قد اقترب والشهر الكريم  يودع الصائمين.. بدأ التفكير في عيد الفطر وأيام الفطر وما يصاحبها من فرحة الصائم المعتوق من النار، والمطهر من درن الذنوب..

 لقد كان ذلك المهندس اليافع النحيف، القادم قبل عامين من غربته في ألمانيا بعد سنوات الدراسة يحلم أكثر مما يحلم مارتين لوثر كينغ، كان  يحلم  بحياة جميلة ومستقبل أفضل.. كان يفكر في مستقبل بلاد قادمة من أحياء البادية.. كان يطمح ليوم حصاد سنوات الدراسة في الغرب.. كان يحلم بالحياة الجميلة والليالي البيض في وطن عشقه وأحب نسائم صِباه المقمرة القادمة من وطنه الأصلي والحاملة معها عبق "شمامه" وحقولها.. كان الشاب الصائم القائم يفكر في كل شيء إلا أن يكون أسيرا في هذا الشهر.. إلا أن يكون دمية بين رجالات الأمن يقلبونها كيف يشاءون .

 لم يكن يعلم أن أيادي الغدر تقف له بالمرصاد، ولم يتوقع أنهم يكيدون كيدا ويمكرون به وبعائلته.. سوف يبخرون أحلامه الجميلة هذا المساء الرمضاني ويحولونها إلى بؤس مزمن.. سوف يختطفونه وقت الإفطار من بين والدته وهي تقلب البصر في نظاراته التي كثيرا ما تبللت بدموع الأسحار...

 

سوف يقتحم الباب شرطي من بني جلدته ينتسب زورا لوطن الرجال.. سوف يودع والدته وتختفي من عيونه ومن عاكسات سيارات الشرطة.. سوف يقودونه إلى مخفر للشرطة لا رحيم له ولا إفطار ولا إطعام يجالس بعوض إدارة أمن الدولة، ولا يرى إلا ظلاما دامسا أو وجه ذلك المحقق المخيف بسجائره التي لا تتوقف وشعره الأشيب المدور على شفاهه.. سوف يقضي أسبوعا في المخفر يذوق فيها كل الآلام، وعبثا يفكر في الهروب فلا يفلح.. سوف يقتاده المدير ـ الخائن لوطنه وأمته ـ إلى المطار ويسلمه لدولة أجنبية، لتبدأ رحلة عذاب أليم تنتهي بسجن اغوانتامو.. وتمضي الأيام ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت.. خمسة عشر رمضان تغيرت فيها الأحوال ورحلت الوالدة إلى ربها وتبخرت كل الأحلام القديمة..

لكن الأمل ما زال يرافقه حتى وهو في غياهيب السجن