في زمن السيبة الثانية من تاريخ موريتانيا وأيام حكم معاوية ولد الطائع ؛ عم الفساد وانقصمت عرى القيم ، واستبيح المال العام وأرخى الظلم سدوله، وأنتهجت البيروقراطية منهجا وضاع الضعيف وسحقت أظلاف المفسدين كل ضائع في شعب البلاد وشعابها، وباتت الدولة غاب قوسين أو أدنى من الفشل ، إذ لم تبارح في تلك السنين العجاف سفح الترتيب العالمي للفاقة والعجز ، إنها فترة انحطاط أهلكت الحرث والنسل وأختلق فيها النظام المحن الداخلية وعمق الجراح واتسعت الهوة بين الغني والفقير فكان القوي يقوى بمقدرات الشعب والضعيف يزداد بؤسا وعوزا وبأيدي سدنة القصر الرمادي ومصاصي الدماء الذين طفقوا في هوامش غباء النظام يعيثون في الأرض فسادا ، فكان لا بد في ذلك الزمن اللزب من منقذ ومخلص ينشل الدولة التائهة في غياهب الإستبداد والقهر والغبن والحرمان .
ومع انقلاب 2005 لا حت بشائر التغيير بطريقة الموريتانيين للخروج من نمطية الأحادية والدكتاتورية ، فقد خرج أصحاب النياشين في ثوب المخلص وبرزوا في شعار المصلح ولأن رئيس المجلس العسكري الأعلى والرئيس المخلوع وجهان لعملة واحدة ، فقد فشل بنظري في إعادة قطار البلد إلى سكته الحقيقية ، ففي هذه المرحلة عادت حليمة إلى عادتها القديمة وعاد اللغط والهرج يطفوان على المشهد السياسي ، وكانت حكومة "ولد محمد فال" العرجاء حجر عثرة وعقبة كأداء وأدت حلم المجلس الأعلى بإرساء دولة المواطنة والقانون ، وأتت الرياح بما لا تشتهيه سفن المنقلبين الذين بدا واضحا أنهم داووا الوطن بالداء ، فقد أغدقت حكومة "أعلي" العطايا والرشاوى من بيت مال المسلمين ونصبت ونهبت بنهم.
ولكي ما نظلم الرئيس وننصفه فقد وفى بعهده بتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية وصفت بأنها الأنجح والأكثر شفافية والأدق تنظيما في تاريخ ديمقراطيتنا ، لتتمخض الرئاسية منها عن انتخاب رئيس هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي أراد التغيير البناء بهدوء ، وكان نعم الرئيس ؛ ذي الرؤية الثاقبة للإصلاح وشكل حكومة تكنوقراط لكن قدر سيدي لم يكن إلا كقدر أسلافه من الرؤساء ، ولم تكن موالاته إلا موالاتهم التي درجت على تبديل جلدها بلون كل مرحلة ، إذ لم يلبث سيدي أن قلب له بعض النواب ظهر المجن واشتعل فتيل الأزمة بين الرئيس وبرلمانييه ، ولأن الرجال هم من يصنعون الأحداث فقد انبرى محمد ولد عبد العزيز لينتشل البلاد من عنق الزجاجة ويجنبها محنا عصفت بالعديد من دول القارة السمراء ، من هنا بزغ نجم القائد الملهم وتجسدت رؤيته بنهضة كبرى ، انظر من حولك لترى الأنوار تتلألأ والشوارع تزدان والجامعات والمعاهد والمصانع والمستشفيات ، وألقى النظر تجد أن الحواجز تكسرت بين القائد والمقود ، واتقدت شمعة أمل وتجدد الحلم ببناء وطن وتسرب عبق الإنصاف والعدل إلى نفوس الفقراء والمعوزين في كل شبر من الوطن ، ووزعت الأراضي وأنشئت دكاكين أمل أملا للمعسرين ، واستعاد الجيش هيبته وبسالته ، وتعافى بيت مال المسلمين من النصب ، وارتفعت مؤشرات النمو ، وبعد فساد نخر التعليم طويلا ها هو يتعافى ، وما شبكات المياه المتفجرة والمضخات والسدود والزراعات المروية على الضفاف ، والمحاسبات التي لم تخضع للإنتقائية إلا قليل من كثير كان رؤية ثاقبة ومشروع دولة متكامل رسخه قائد النهضة الميمونة فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز.
لقد تساوت الفرص وأصبح الإنسان الموريتاني بفضل الحريات المصانة يتطلع لمسايرة الإنسان في العوالم المتقدمة ، في حراكه الثقافي والتحرري ومشاركته في التنمية بفضل قيادة أعلنت قطيعة مع المألوف السائد قبلها ، فها هو الشباب الموريتاني بمنتدياته ومنظماته وهيئاته ينعم بفضاء الحرية الشفافية ويستلهم من القائد الطموح والإرادة.
إنها نهضة كبرى إذا ما قورنت المكتسبات بالفترة الوجيزة من عمر النظام ، فقد انبلج صبح الخلاص مع هذه القيادة الرشيدة التي ما زالت تمطرنا بجديد انجازاتها والتي ما فتئت تتناغم مع الرعية في الزيارات ، وقد يصف البعض الزيارات بالكرنفالية ولكن الناظر إليها من زاوية أخرى سيجد أن معاينة الرئيس لعالة في قرى طينية وأعرشة هي أمور بالغة الدلالة وليس من رأى كمن سمع.
لقد أصبح العالم قرية كونية واحدة بفضل التكنلوجيا وتطور الوسائل ، وجدير بدولتنا الفتية والتي تملك كل مقومات التقدم (موارد اقتصادية ، ومصادر بشرية قابلة للتأطير) جدير بها إن أرادت أن تتبوأ مكانا لائقا بين دول العالم أن تلملم الجراح وترص الصفوف وتدخل حوارا جديا بين الفرقاء لضمان الأمن والإستقرار إذ لا تنمية دون أمن ولا إستقرار دون توافق، لتتجاوز كل تلك العقبات الكأداء والمحن التي اكتوت بنارها في سالف الزمن .
عاشت موريتانيا حرة أبية تخطو بخطى واثقة.