كلمة الإصلاح هذه المرة نريدها أن تكون صاروخا خاصا مهمته الدوران حول ما سمي في التاريخ بالشناقطة أين كانوا يسكنون ؟ وما هي مميزاتهم ؟ وأين تـقف حدودهم ؟ وماذا كانت علاقاتهم بغيرهم ؟ وأخيرا ما هو وضعهم الحالي وما هي مصلحتهم في المستـقـبـل ؟
كل هذه التساؤلات نريد من كلمة الإصلاح هذه أن تأتي عليها بشيء من التحـليل ينير الطريق وينصب عليها معالم واضحة لهذا الجيل الجديد من هؤلاء الشناقطة يتماشى مع المتغيرات الجذرية التي أرغم العالم الآن كل الشعوب أن تجعلها ثوبا تسـتـر به نفسها أمام وسائل التعرية الاجتماعية والخلقية التي لا ينجو من عواصفها إلا التسليح البالغ الودجين في جميع المجالات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبكلمة واحدة الانصهار في بوتقة مجتمع لا يمكن النفاذ إلى داخله من شدة التلاحم والقوة المادية والقوة العسكرية والمعنوية .وقبل أن أثـير ما تـقـتضيه هذه المقدمة فإني سوف أمر مر الكرام على أجوبة سريعة على الأسئلة أعلاه .فمن المسلم به أن ما كان يطلق عليه الشناقطة تـكون موريتانيا الحالية جزءا منه فقط فقد تميزت حدوده قـبل دخول المستعمر إلى موريتانيا، تلك الحدود التي حددها صاحب الوسيط في أول القرن التاسع عشر وقد سمى كتابه " الوسيط في أدباء شنقيط " ومع أن العنوان يحمل كلمة أدباء شنقيط إلا أن المؤلف المؤرخ أعطى لهذا الشعب حدودا جغرافية تمـتد من الغرب إلى الساقية الحمراء وهي داخلة فيه كما قال ومن الشرق إلى إقـليم أزواد وهو داخل فيه أيضا .ومن هنا يعرف الجميع أن هذه الحدود وهذا التميز سببه هو الاتحاد في كل شيء في الإسلام أولا واللغة وجميع أنواع ما يوحد المجتمعات البشرية مثل : نوع المأكل والملبس والثقافة والعادات والتـقاليد إلى آخر كل معطيات الجسم الواحد .أما ما هي علاقتهم بغيرهم ؟ فمن المعلوم أن جل ساكنة هذه الجغرافية أعلاه يرجع أصولهم إلى الشعب الذي سمى فيما بعـد بالمرابطين بعد أن صاروا دولة وبعد تلاشي تـلك الدولة لاشك أن كل الهجرات أثناء ذلك التاريخ انصهرت في ذلـك الشعب المرابطي مكونة خلايا في جسمه .ومن المعلوم كذلك أن أثناء ازدهار دولة المرابطين امتدت وتوسعت من مكان الجغرافية التي حددها الوسيط إلى الشمال حتى وصلت إلى الأندلس.وبما أن الموضوع الآن ليس كلاما على التاريخ لأن ذلك لا تفي به أسفار إلا أنني أريد به إشارة فقط إلى أن هذه الجغرافية التي امـتدت من مكان المرابطين نحو الشمال وحتى الأندلس لمدة عشرات السنين تركت علاقات وأواصر ونسـب وشعـور مشــترك لم يستطع التاريخ حتى ولو طال أن يقـضي عليها .أما في التاريخ المنظور أي مع انتهاء القرن التاسع عـشر الميلادي وهذا تاريخ تقريبي فقط فقد تميز الشناقطة عن غيرهم بكثير من المميزات وأعني بالشناقطة موريتانيا الآن والصحراء الغربية حتى باب الصحراء أربع كيلـمتر تقريبا شمال مدينة أكـليميم المغربـية وحتى اقـليم أزواد شرقا .ومن أبرز تـلك المميزات هو وجود هذا الحيز الجغرافي بدون سلطان بمعنى دون نظام يتحكم فيه بينما تميز شمال هذه المنطقة بالحكم المباشر وتعاقب عليه سلطاته الحاكمة له وعـندها مسميات في التاريخ معروفة وكان آخرها الدولة العلوية الحالية .أما الأقـاليم الجنوبية الشنقيطية أصبحت ليس لها حاكم إلا العادات والتقاليد وربما تسود فيها الفتـن ببغـي بعضها على بعض حتى سميت في التاريخ بالأرض السائبة .وبما أن أقرب سلطة إليها كانت هي الدولة العلوية فكان أفراد الشناقطة إذا خرجوا من الحيـز السائب لأي سبب أو حاجة يذهبون إلى الشمال يعتبرون أنفسهم من رعايا تـلك السلطة لأنها كما يقولون آنذاك أقرب سلطة من المسلمين إلى وطنهم والمسلم من عـقيدته أن يكون تابعا لسلطة مسلمة خاصة((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)).وبعد وصول الاستعمار إلى المنطقة ووضع يده عليها وتقسيمه لها بين فرنسا التي حكمت الإقـليمين موريتانيا وأزواد واسبانيا التي حكمت الصحراء الغربية لم يتغـير شيئا كثيرا في علاقات الشناقطة فيما بينهم فبغي بعض القبائـل على بعض لم ينـتـه نهائيا وإن قل والسلطة بمعنى الكلمة لم تؤسس واعـتـبار الشناقطة التي تعني الأقاليم الثلاثة أن السلطة العلوية التي في الشمال هي أقرب سلطة إليهم مسلمة بدون أن يرتبوا على ذلك وجود سلطتها عليهم كل ذلك لم يتغـير .فأنا أطن أن ما يفهم من حال هذه الوضعية الواقعة تاريخيا هو الذي جعل الفتوى الدولية تقسم آنذاك إقـليم الصحراء الشنقيطية بين المغرب وموريتانيا التي أصر رجالها آنذاك أنها إقـليما مستقلا لم يقع عليه سلطة إلا سلطة الاستعمار ، وصحيح أنه لم تقع عليه إلا سلطة الاستعمار ولكنه لم تكن له سلطة على نفسه إلا في التاريخ البعيد الذي شملته تلك السلطة مع غيره بل بعض الأحيان كانت السلطة عـنده هو .وبعد فـتوى المجتمع الدولي وتقسيم الصحراء بين موريتانيا والمغرب وصدور القانون الدولي بوجوب المحافظة على الحدود الموروثة عن الاستعمار وضياع إقـليم أزواد الشنقيطي بسبب ذلك ووقوع الحرب المأسوف عليها بين شطري الإقـليم الشنقيطي الصحراء وموريتانيا وانتهائها بما انتهت إليه بذلك المصير الذي لم يبين العسكريون الذين أنهوا الحرب بعد انقلابهم على الرئيس المدني الشنقيطي الذي كان قد أعلن في خطاب له أن موريتانيا تشمل الصحراء وأزواد.أقول لم يبين العسكريون للشعب الموريتاني حتى الآن ما آلت إليه الأمور وأين ذهبت فتوى المحكمة الدولية ؟ إلا برؤية الواقع وهو ضم جميع إقـليم الصحراء إلى المغرب ووجود الشعب الصحراوي الشنقيطي في وضعه الحالي المعروف لدي الجميع منذ أربعين سنة أي ضياع العمر الشبابي بأكمله .وفي هذا التصوير جواب لوضع الشناقطة الحالي موريتانيا مستـقلة أزواد مع جمهورية مالي يطلب الانفصال عنها الصحراء بيد المغرب .ومن هنا نصل إلى جواب السؤال الأخير وهو: ما هي مصلحة الشناقطة في المستـقـبل ؟وقبل الإجابة على ذلك أريد أن أنبه أي قارئ أن الفكر الخاص بالإنسان يشبه الأحلام لا يتحكم فيه صاحبه إلا أن الأحلام تارة تكون 46 جزءا من النبوة كما في الحديث ، وتارة تكون أضغاث أحلام صاحبها استهوته الشياطين سواء كان نائما أو يقظانا ولكن جاء الحديث ليعلمه ما يرد به بأس أحلام الشياطين عنه وهو التعوذ من الشيطان الرجيم والتـفل ثلاث مرات إلى اليسار .أما هذا الفكر"الحلم" بأفضل مستقبل للأقاليم الشنقيطية الثلاثة سواء موريتانيا المستقلة والمطالبين بالاستقلال الصحراء وأزواد فإن وحدة هذه الأقاليم الشنقيطية في نظري هي أفضل أمنية أو فكر أو حلم أو رؤيا يفكر فيه الشنقيطي لأن العالم الآن يسير قطعا إلى نهايته سواء كان بسبب الجوع ودواعيه أو الحروب ودواعيها ومعلوم عند كل عاقل أن أقوى مكافحة لهذين البلاءين هو الوحدة والتعاون والتضامن إلى آخره .ولاشك أن أول رد على هذه الفكرة أو الحلم أو سميه ما شئت هو أن موريتانيا دولة مستقـلة لا تبيع استقلالها بأي ثمن والصحراء تحت سـلطة المغرب وأزواد تابع لجمهورية مالي .ومن هنا حان تفسير هذه الرؤيا أو الحلم، ويقال أن أحسن من يفسر الحلم الشخص الشفيق على صاحب موضوع الرؤيا أو من تعلق به الحلم أو من تعلق به الحلم .فمن المعلوم أن المملكة المغربية هي مملكة عندها نظام خاص ومملكتها تشبه المملكة البلجيكية الدستورية إلى حد كبير والتي هي الآن عاصمة الاتحاد الأوربي بدون إزالة مملكتها وتشبه كذلك المملكة المتحدة " انـكلترا " أو يمكنها أن تشبه لها نفسها وقد صرحت أنها مستعدة أن تعطي حكما ذاتيا لإقـليم الصحراء وذلك الحكم الذاتي يمكن أن لا يستـثـني إلا الخارجية والدفاع ونحن نشاهد بأعـينـنا ممالك متحدة مثـل : الإمارات العربية المتحدة بل نشاهد ممالك تحكمهم جمهورية مثـل: الاتحاد الماليزي .والإنسان المسلم يعرف أن حياته وراءها يوم ثـقيـل فإذا حصل على أمنه الجسدي وأمنه المادي فماذا يريد بعـد ذلك إلا النجاة في الآخرة .وهذان الأمران يتـحققان بالموارد الكثيرة الطبيعية والبشرية التي يشملها هذا الحيز البشري والجغرافي ، فلماذا لم تـنتـج المنطقة أي المنطقة الشنقيطية بأقاليمها الثلاثة والمملكة المغربية التي لا يتجاوز أمراؤها أربعة أشخاص: ملك وثلاثة أمراء من خمسين مليونا من البشر ويتـفق الجميع على أي اتحاد مهما كان نوعه سواء كانت مملكة صورية تحتفظ بألقاب لا تؤثـر في الديمقراطية وتكون معها جمهوريات براية واحدة أو برايات متعددة حسب الأقاليم ويشمل الجميع راية واحدة يخلق لها اسم مثـل اسم اتحاد المملكة المغربية وليبيا أيام وحدتهما من غير التشاؤم بـقلة مدة ذلك الاتحاد .إنني أتـنـبأ بأن هذا النوع من التفكير يمكنه أن يأتي بالمدينة الفاضلة التي تصور الفلاسفة وجودها لهذه المنطقة .فإذا كان من مدينة طنجة إلى تمبكتو بما في هذا الحيز من البشر المتـفق كله إسلاما ولغة وعـنده من الموارد الطبيعية من جميع أنواعها ما لم يخلقه الله في أي بـلد فما هي قيمة الألقاب بعد ذلك مملكة أو جمهوريـة أو اتحادا أو إقـليما وبهذا وحده تـنتهي قضية الصحراء وأزواد بأحسن حل مشرف لهما .والجميع يعرف أن أهل الشمال من هذا الاتحاد خصهم الله با لخبرة الفنية ونكران الذات وأن الجنوب عنده خصوصية بعض الثقافات إلا أنه ابتلاه الله إلى النخاع بحب السياسة والولوغ في السياسة النكدة الجامدة العقيمة التي لا تـنـتج إلا ما يستهلكه المواقع . اللهم إن كان هذا الفكر صوابا فمنك وحدك لا شريك لـك وإن كان خطأ فمني وأشهدك أني أتوب إليك وأستغفرك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .