لا أنتظر المفاجئة كما لا انتظر الرفاه والتنمية وإدماج الشباب حتى لو تأسس لهم مجلس أعلى وآخر أدنى ومنزلة بين المنزلتين ، لأنه ببساطة الأمور يجب أن توضع من زاوية مخالفة لما يؤسس عليه القادم الذي باتت ملامحه تتشكل بحسب الإفادات الرسمية والقريبة من الرسمية ،
إنها اللعبة تتجدد ... اللعبة التي ما جاء نظام إلا وجددها بقواعد أحسن في الخداع واللعب على عقول البسطاء والضعفاء أكثر من الماضي بثقافة تشمل أساليبه وتطورها بدقة تامة ... ولا غرو في ذلك لأننا بلد ينتج الفساد أكثر من الإصلاح ، بلد تتلاطم فيه الهواجس بنار اللامبالاة التي تضجّ بها العامة قبل الخاصة وتصطدم فيها المشاعر الحالمة بحمّى التقليد الذي لا يزال ورغم مغادرة فضاءه ومجاله الزمني والحضاري يتحكم في العقول ويتجسد في الأفعال بهذه الدولة المراد لها أن تكون عصرية بأيادينا وعقولها المتحجرة الراسخة في غياهب الماضي أكثر من استشراف المستقبل ، بل إنها لا تبصره إلا من زاوية التقليد وإنه لمشكل كبير لعمري نعاني منه ويحتاج التخلص منه غسلا للعقول والقلوب قبل توفير الأدوات والإمكانات ، ما معنى أن يكون هناك مجلس أعلى للشباب تتعامل معه الدولة وهو الذي يمثل كافة الشباب الموريتاني ؟ ثم ما هي المعايير والقواعد التي على أساسها ينتخب الأعالي في عُلا المجلس الشبابي ؟لنقف الآن قليلا وننظر إلى الوراء وإلى الفترة الذي تبلورت فيها الفكرة من أجل أن نتذكر ظروف الساحة السياسية التي أفرزت هذا المجلس الشبابي وجعلت الرئيس من نفسه يستقبله أوان بلورته لفكرته قبل انطلاق الانتخابات بقليل ويوصي به راضيا عن من معه من الشباب والذي كان فكرهم يتجاوز المعتاد الاجتماعي إلى حدود النضج الذي يُأمّل عليه بحسبه ،وهذا في حد ذاته مدعاة للتشكيك في النوايا العليا للسلطة التي أسست المجلس الأعلى لماذا لا تختار وقتا غير ذلك الوقت الذي كان فيه البلد مقبلا على انتخابات رئاسية بدون منافسين ..؟ جواب ذلك واضح ولا يحتاج إلى الكثير من الكلام والتحليل ..لأنها ظرفية يستطيع النظام أن يستفيد فيها من دعم أطياف كبيرة من الشباب الحالم ، ولأن الوضع السياسي مزال متأزما تأخر تنفيذ المشروع الشبابي كي يكون متزامنا مع الحوار الذي لا نعرف ما ستكون نتائجه بعد... المهم الشباب ورقة متعفنة في يد السلطة لا ينفض عنها الغبار إلا في وقت الحاجة إليها ..وإذا حاولنا الإجابة عن ضرورة تواجد مجلس أعلى للشباب تكون رواتب أعضاءه متساوية مع رواتب الوزراء أو قريبة منهم مع ما في الفكرة من زخم إعلامي يروج إلى إدماج الشباب ومشاركتهم في الأمور العليا ؟ قد يتوقع بعض الحالمين من الشباب أن الباب مفتوح أمامهم وأن الظروف السياسية والمناخ مهيآن لهم وعليه إثبات الكفاءة والخبرة فقط كي يلتحقان بمن سبق هناك ، والحقيقة أن الفكرة تقصي أكثر مما تدمج وتبعد أكثر مما تقرب ، فمشاركة الشباب الموريتاني كله وإدماجه محصور في فئة قليلة من الشباب والآخر مقصيٌ مبعد ولن يحق له الكلام لأن الدولة ستحتج بهذا المجلس وبؤلائك الشباب المحظوظين أو المدمجين ويبقى الكثير يخوض في أحلام ميتة قُدر لها أن تذبح في ريعان حلمها ولن يصل على سدة هذا المجلس إلا من كان مرضيا عند النظام وهذا يُحيلنا للنقطة الثانية وهي المعايير التي على أساسها يُنتخب الأكفاء أو الأعيان من الشباب في الهرم العلوي من مجلس الشبابويجب الإشارة هنا والتأكيد أن هذا المجلس لخواص الشباب وليس لعمومهم ولا تُنتخب القادة فيه بناء على الكفاءة العلمية والخبرة المعرفية ، بل إن تلك مسألة متجاوزة ولا يجب النظر إليها لإن الانتماء السياسي والرضا بالنظام والإشادة بما حقق ستكون هي السبيل للولوج إلى سدة هذه الهيئة وعليه فإن فئتين من الشباب وهم الأغلب عليهم أن لا يطمعوا في دخول هذا المجلس ، وهذه الفئتين هم الأحرار الذين لا انتماء لهم سياسي واختاروا الحرية والتعبير والنقد من نافذة آرائهم الخاصة بعيدا عن قيود السياسة والأيديولوجيا ، والفئة الأخرى هم من يرى رؤية مخالفة لنظام العسكر بشكل عام ولحكم ولد عبد العزيز بشكل خاص وسيُحرم ورود مياه هذا المجلس تحريما باتا على هاتين الفئتين ...والحقيقة أن الدولة ومشروع البناء يجب أن يكون مخالفا لإكراهات السياسة والولاء ويجب أن تؤخذ فيه المصلحة العامة بعيدا عن التحيزات الأخرى وأن لا تشكل الأمور بناء على هذه الجوانب إن كنا نريد الخير الباقي والذي يتجاوز حدود الأفراد ويبقى خالدا بذهابهم ، فمع أن النظام يحاول إقناع الناس بابتعاده عن كل تلك المعايير لن نجد شابا في هذا المجلس معارضا أو مخالفا للرئيس وللحكومة .