موريتانيا بين الحداثة ومظاهر الشعوذة وقراءة الغيب!

-A A +A
ثلاثاء, 2014-08-05 09:00

تشهد موريتانيا على طريق الانتقال إلى العصر الحديث تطورا ملحوظا في مجالات عديدة، لكن مظاهر الماضي بكل أشكالها مازالت حاضرة وتجد رواجا واسعا حتى بين الشرائح الاجتماعية التي يفترض أن تكون حاملة بذور التطور في المجتمع.

لا يكاد يمر العابر من أحد الشوارع الخلفية الضيقة المحاذية لمركز العيادة المجمعة المعروفة ب"كلينيك"بمركز العاصمة الموريتانية نواكشوط حتى يشاهد صفوفا من الأعرشة والاخبية المصنوعة من القماش الرث، وقد جلس تحتها رجال بمختلف الأعمار وهم يتطلعون دوما إلى المارة لعلهم يحظون بأحد زوارهم المعروفين.

ولا يستغرق هؤلاء الرجال عادة الكثير من الوقت في الانتظار، إذ كثيرا ما ينعطف أحد المارة خلسة إلى أحد تلك الاخبية قبل أن يسدل صاحب المحل المدخل بستار سميك حرصا على إخفاء صنعته وزبائنه عن أنظار بعض المعارف.

ظاهرة مستمرة تقاوم المداهمة

أصحاب المحلات المعروفون محليا بعدة تسميات مثل "الحجابه"أو ممارسي الشعوذة والسحر والمعالجين الروحيين، لم تتمكن حملات المداهمة التي تنفذها السلطات الموريتانية من حين لآخر من القضاء عليهم، حيث يعودون إلى الظهور في نفس المكان بعد فترة قصيرة ويشرعون في تقديم "خدماتهم" للمرتادين بواسطة العلاج الروحي أو الحجاب أو الاستخارة وضرب الودع والرمل، مستخدمين في ذلك بعض المستخلصات الحيوانية والنباتية أو الحجارة، كعظام الحيوانات وقرونها والودع والعيدان وبعض السوائل المختلفة والتمائم والشعر، بالإضافة إلى بعض كتيبات السحر والأدعية.

ويرى الباحث الاجتماعي سيدي أحمد البكاي أن أسباب صمود هؤلاء الأشخاص رغم حملات التوعية والتحسيس والمداهمة يعود إلى استمرار الطلب على بضاعتهم من قبل المرتادين من مختلف الفئات الاجتماعية والأوساط الثقافية في موريتانيا.

الباحث الاجتماعي الموريتاني سيدي أحمد البكاي

في هذا السياق يقول سيدي أحمد البكاي:"رغم أن المجتمع الموريتاني عرف موجة من التحضر خلال السنوات الأخيرة، فإن ذلك لم يصاحبه تطور على مستوى العقلية الاجتماعية، بل إن أفواج النازحين من الأرياف إلى المدينة منذ سبعينات القرن الماضي جلبوا معهم سلوكيات الريف وممارسات السكن تحت الخيمة إلى سقف الفيلا الحضرية، وقد ظل تأثير حملات التحسيس وجهود التوعية ضعيفا مقارنة مع عقلية البداوة والأمية المستشرية"

وأضاف الباحث الاجتماعي في حديث لDW أنه رغم الوقت الطويل الذي يتطلبه تغيير العقليات الاجتماعية فإن ميول النفس البشرية إلى الاستعانة بقوى يعتقدون أنها "خارقة" هي ما يجعل العديد من الناس يشعرون دوما إلى الحاجة لكشف المستور وما يحمل لهم الغيب بين طياته، وبالتالي يميلون إلى استخدام "القوى الخارقة" مهما كان مستوى الوعي لديهم".

وصفات سحرية لطالبي الحظ

أصحاب محلات "الحجاب والشعوذة " يتميزون بالتحفظ الشديد حينما يتعلق الأمر بالحديث للصحافة حول طبيعة عملهم ولهذا رفض أغلبهم الحديث معنا وامتنعوا عن التصوير، وبعد العديد من المحاولات تحدث أحد هؤلاء ويدعى الشيخ محفوظ، شريطة أن لا يتم تصويره.

وكشف الشيخ محفوظ لDW عربية عن طبيعة الخدمات التي يقدمها قائلا: "أقدم خدمات الاستخارة مقابل خمسمائة أوقية، أي بحدود 1.6دولار، وأضرب الودع مقابل أربعمائة أوقية( 1.30 دولار)، أما بالنسبة لخدمات من نوع طلب التعيين في الوظيفة أو الترقي في العمل أو جلب الأزواج للعوانس، فليس لها سعر محدد وإنما يتم الاتفاق مع الزبون على المبلغ".

وفي إطار حديثه حول الوسيلة التي تمكنه من تحقيق ذلك قال: "أنا أشخصيا لدي مهارات متعددة، أحيانا أستخدم الجن لتحقيق رغباتي وأحيانا أقدم العلاج في الأظافر أو القماش وأحيانا أقدم تراتيل مكتوبة في تمائم وأستخدم أنوع"الحكمة" البيضاء والسوداء".

وفي سياق إجابته على سؤال يتعلق بنوعية المرتادين أجاب قائلا: "هؤلاء يختلفون حسب مستوياتهم المادية، فمنهم الأغنياء ومنهم البسطاء، فنحن نقدم خدمات توازي خدمات الطب العصري، وهذا مفتوح لكل المستويات".

الشيخ محفوظ في "ورشة" عمله

الصحفية مريم منت أسباعي متخصصة في تغطية القضايا الاجتماعية منذ سنوات وتدير موقع الكتروني يهتم بالقضايا الاجتماعية. تحدثت لDW مؤكدة أن إقبال الأشخاص على ظاهرة الشعوذة لم يعد يقتصر على البسطاء فقط، بل أن مستوى إقبال الشخصيات الرفيعة في الدولة قد تطور في السنوات الأخيرة رغم الاختلاف في التسميات والأدوار التي يقدمها هؤلاء الأشخاص.

السحر مقابل دعاء "أهل البركة"

وأوضحت منت أسباعي أن الفرق يكمن في أن الأشخاص الذين يعتمد عليهم بعض الرؤساء والوزراء والشخصيات المؤثرة في المجتمع يطلق عليهم "أصحاب البركة" أو "الأولياء والصالحون" وهؤلاء ينتمون عادة لبعض العائلات المعروفة تاريخيا بالصلاح والتدين ويحظون بتقدير كبير من لدن المجتمع، وكلما ارتبط استمرار أحد الوزراء أو الرؤساء في منصبه لفترة طويلة بأحد هؤلاء، كلما أقبل الناس عليه، بينما يصنف الباقون من بقية الممارسين من بسطاء الناس على أنهم مشعوذون وسحرة ".

اختلاف المرتادين إذن، وتفاوت مستوياتهم المادية، يلعب دورا كبيرا في الرفع من مكانة الحجاب والمعالج الروحي وبالتالي أصبحت العلاقة هنا جدلية وبات كل طرف يمنح القيمة للطرف الآخر.

وقد يصدق القول أن ثمة طبقة راقية من المعالجين في مقابل طبقة منحطة، وهذا ما يفسره الباحث الاجتماعي سيد احمد البكاي حين يقول "جميع الفئات ترتاد أماكن العلاج الروحي(الحجاب) كل حسب حاجته، فمنهم من لديه صاحب سر الحرف ومنهم من لديه ضارب الودع (الكزان)، لكن الإعلام لا يهتم عادة بالبسطاء من الناس، بينما يسلط أضوائه على كبار الشخصيات مثل الوزراء ورجال الأعمال ..."

ولهذا يضيف سيد احمد البكاي" يمكن القول اليوم بأن العلاج الروحي أو لحجاب أصبح صناعة ويتم الحديث عنه بشكل علني في الإعلام، خاصة في جانبه الذي يسمى "الرقية الشرعية" التي يمارسها بعض المشايخ وهي تضفي شرعية على صاحبها، وأصبحت مصدر كسب لبعض العائلات المعروفة، ولهذا ليس من المستغرب أن نسمع أن لبعض السياسيين رجالا من أصحاب "الرقيا" أو "لحجاب" يعتمدون عليهم في تحقيق أهدافهم.

لكن الملفت للانتباه أن المجتمع الموريتاني في عمومه يرفض المجاهرة بقبول ظاهرة "لحجاب" كبديل عن الطب العصري، بل وتعتبر، حسب العديد من الشباب، ضربا من التخلف الفكري والثقافي وممارسة عبثية، كما يقول الشاعر الشاب جاكيتي الشيخ سك.

وجاء في حديثه لDW "الشعوذة ظاهرة متخلفة، يقتنع بها المرء حسب اعتقاده بها، ولو كانت تغير شيئا لكان كل ما في العالم يتحرك ويتغير بطريقة سحرية، والذين يقتنعون بها غالبا ما يكونون ضعفاء في المستوى العقائدي الديني، وفي مستوى الوعي العلمي".

وختم بالقول"شخصيا لا أؤمن بها على الإطلاق ولا أرغب في دخول عالمها في أي حال من الأحوال أنه مجرد ضرب من الغباء لأنه لو كان بإمكانهم تغيير الأمور لغيروها باستمرار".

لكن الشاب محمد الأمين ولد أحمد بد أعرب عن رفضه لجزء من الظاهرة وقبوله لجزء آخر ولكن بشروط وقال" ما يتعلق بقضايا المشعوذين و"الحجابه" في نواكشوط أصنفهم إلى قسمين، القسم الأول: لا أسميه حجاب، وإنما مشعوذ وساحر، أجارنا الله وإياكم من بأسه وخزيه، أما القسم الثاني فهو لغرض الشفاء من السقم والعين الخ ...وهو من القرآن وأنا أتقبله".

 

نقلا عن DW