للإصلاح كلمة في وحي نظائـر قانون النوع المسيء

-A A +A
أربعاء, 2017-01-11 10:23
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح هذه المرة تبدأ بحمد الله وشكره على تـلك الهبة التـلقائية التي قام بها الشعب الموريتاني المسلم إثـر نشر ذلك القانون النوعي المسيء أمام البرلمان للمصادقة عليه، ومن المؤسف أن هذا القانون النوعي المسيء على الشريعة كلها والشعب الموريتاني المسلم كله كان قد قدم إلى مجلس الشيوخ وصادق عليه دون أن يسمع ما يؤذيه في ذلك المجلس كما أذى هو الشعب الموريتاني.

 

فإذا كان مجلس الشيوخ تغاضى عنه محاباة للحكومة العازمة عن الاستـغناء عنه أو محاكاة لها على مصادقتها عليه فـتلك كارثة كبرى تعين الحكومة على فـكرها في المجلس وإذا كان سبـب مصادقـته عليه انـتـقاما من الحكومة في الدنيا فيريد الانـتـقام منها في الآخرة إن حكم في الدنيا بمضمون هذا القانون المسيء فــتـلك كارثة أكبر أخرى، لأنه بهذه الفكرة سيكون هو زوج مجلس الوزراء في المصادقة على القانون المسيء ، والقرآن يقول: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله} والزوج هنا بمعنى المثـلي أي احشروا الذين ظلموا وما شابههم من الظلمة فاهدوهم (جميعا) إلى صراط الجحيم.

 

فكل نوع من الظلمة يحشر مع جنسه فمثلا أهل السرقة يحشرون في مكان واحد وآكلوا أموال الدولة يحشرون في مكان واحد والزناة كذلك كل صنف يحشر مع صنفه وذلك يفسره قوله تعالى {وقـفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تـناصرون بل هم اليوم مستسلمون} كما يقول تعالى {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشـتركون}.

 

وإذا كان مجلس الشيوخ صادق عليه بفكر اللا مبالات فالدولة تكون محقة في الاستـغناء عنه: فـنرجو لهم من الله (إذا صدقوا في الدورة البرلمانية غير العادية القادمة على حل أنفسهم) حسن الخاتمة وغفران الذنوب وعلى رأسها المصادقة على هذا القانون المسيء، وإذا رفضوا التعديل القاضي على مجلس الشيوخ فهنيئا لهم فنرجو لهم من الله توبة نصوحا تـتـمثـل في التدقيق في القوانين التي تـقدم لهم ولا سيما إذا كانت في واد والشريعة الإسلامية في واد آخر، فالله يقول {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بـيـنهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا من ما قضيت ويسلموا تسليما} ويقول تعالى {ألم تـر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قـبلك يريدون أن يتحاكمون إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكـفروا به} إلى قوله {وإذا قـيـل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عـنك صدودا} ففي هذه الآيات:

 

أولا: أقسم الله بعدم إيمان أي مؤمن لا يحكم شرع الله فيما شجر بـينهم.

 

ثانيا: إذا آمنوا ثم تحاكموا إلى الطاغوت وهو كل قانون مخالف للشريعة، فإن إيمانهم هذا زعـم وليس حقيقة.

 

ثالثا: من دعي إلى حكم الله وصـد عنه فهو منافـق  {رأيت المنافقين يصدون عـنك صدودا}.

 

ومن هنا أقول للسلطة الموريتانية إن عليها أن تحمد الله تبارك وتعالى على أنها تـتـفق مع شعبها في اعتـناق هذه العقيدة الإسلامية.

 

ومن المعلوم أن الأحكام التي تسن للتطبيق في الدولة أكثر هدفها هو تطبـيقها على المواطنين فإذا كان المواطن لا يريد أن يطبق عليه إلا قانون شريعته سواء كان ذكرا أو أنـثى التي يعتـقد أن قبولها يثاب عليه وأن رفضها يعاقب عليه ـ فإن تعلق السلطات بسن القوانين التي لا تـتـوافق مع هذه الشريعة لا يفهم منه إلا عدم التوفيق لهذه السلطة، فالغالب أن القوانين لا تطبق على السلطة أولا لخوف الإنسان الذي لا يخاف الله منها، وثانيا: لعدم فعلها علينا لما يخالف القوانين الشرعية.

 

ونريد أن نذكر هنا جميع المؤمنين أن جميع توجيهات الله في كلامه للمخاطب يعنى كل مخاطب سواء في موريتانيا وفي كل ولاية منها وفي الدول الأخرى ويستوي في ذلك خطاب أهل المدينة المنورة في العشر الأول من الهجرة وخطابنا به نحن اليوم في موريتانيا سنة 1437 هجرية الموافق 2017م فـقـوله تعالى {ألم تـر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا} الخ الآية ينطبق عليها هذا المثال وكذلك {والسارقة والسارقة فاقطعوا أيديهما} الخ الآية {والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} الخ الآية فجميع الخطابات القرآنية أو السنية هي موجهة إلى كل مؤمن وجه القرآن أو السنة الصحيحة إليه خطابا كل حسب ما أعطاه الله من النفوذ، فمثلا {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنـكر} الخ الآية فهذا الاسم الموصول المخاطب به وهو الذين إن مكناهم في الأرض يعنى الخلفاء الراشدين ورؤساء الجامعة العربية وإفريقيا إلى آخر كل رئيس مسلم.

 

وإن كان المولى عز وجل تـفضل بعدم الجزاء في الدنيا وأخـذ الجاني في الحين أخذ عزيز مقـتدر فليس معنى ذلك ترك ذلك الجزاء فإن الجميع سيكون تحت طائلة قوله تعالى {إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون} وسيرون بأعينهم مصداق قوله تعالى {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تـظلم نفس شيئا وإن كان مثـقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبـين}.

 

ومن هنا نعود إلى بداية الإشادة بهذه الهبة الشعبـية الذي عودنا عليها جميع الشعب الموريتاني المسلم فـقبل ظهور القانون المسيء جاءنا المقال المسيء وهب الشعب لإظهار صحة إيمانه القـلبي الذي لا تغيره الديمقراطيات وكذلك عندما جاء حرق الكتب المسيء هب الشعب الموريتاني كذلك إنكارا لتـلك الفكرة السيئة التي أبدلت غضبها تجاه الحكومة الموريتانية وأحرقت إنتاجها الحالي في أي موضوع ديمقراطيتها فبدلا من ذلك أحرقت إنتاجا إسلاميا اقـتـضته ظروف زمانه، وأهله الآن بين يدي الله إن كان فعـلهم خيرا فلن يضرهم هذا الحرق من هذا الدنيوي القاصر فهمه عن ارتباط أعمال الدنيا بالآخرة ارتباطا لا ينفصل إلا عند قوله تعالى {وامتازوا اليوم أيها المجرمون ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبـين} بمعنى يوم يمتاز المجرم عن الصالح كما قال تعالى {وتـنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصيـر}.

 

فمن أكرمه الله سواء كان حكومة أو برلمانا أو حركة أو حتى أفرادا أي أكرمه بالولادة في الإسلام فعليه أن يحمد الله على ذلك ولا تغرنه الأيام التي سيقضيها في الدنيا والتي جاءها بغير إذن منه وغير متحكم في أن يكون من فلان ابن فلان ولا من شريحة عن شريحة وسيخرج من الدنيا جبرا عليه وسوف لا يسأل هو ابن من ولا من أي شريحة ولكن سيقال له {ألم ياتيـكم رسل منكم يتـلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومـكم هذا}.

 

ومن أقبح التكذيـب بآيات الله الاعـتراف بها وتعمد مخالفـتها كما قال تعالى: {أفـتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عـقـلوه وهم يعلمون} أي خالفوا ما جاء فيه بعد ما فهمته عقولهم وهم يعلمون أنه الحق من ربهم ولكنها عماية الله لبعض عباده عن اتـباع الحق نتيجة تـنـكبه للصراط المستـقيم واندفاعه إلى صراط المغضوب عليهم ولضالين: من هذه البشرية التي يتـنازعها دائما هداية الله الذي خلقها وهداية الشيطان الذي هو عدو لها كما قال تعالى {إنا جعـلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} وعدم الإيمان يأتي بعدم العمل بما يـقـتضي الإيمان ممن يزعم أنه مؤمن كما في الآيات المتـقدمة {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجـر بينهم} إلى آخر الآية {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا} إلى آخر الآية أيضا.

 

وهنا أربد أن أنبه أن كل هذه الإيرادات للآيات الإيمانية لا تعنى المسيـئـين للإسلام فقط المعروفين عند الناس الآن مثـل: قانون النوع والمقال المسيء وحرق الكتب فقط بل تعـنى كل من لا يتـخذ الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة دليلا في حياته العملية سواء كان في السلطة أو خارجها وسواء كان أحزابا أو مجتمعا مدنيا أو استـقلاليـين الجميع يكون مسيئـا إذا لم يلاحظ في قوله أو عمله سلوك الطريق المستـقيم التي هي صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور.

 

فنزول أفكار الديمقراطية من سماء أوربا إلى أرض أهل الإيمان سواء في إفريقيا أو آسيا أو غيرهما والعمل بها على هذه الأرض والديار المؤمن أهلها لا يعفيها من الإساءة في عملها عندما يحين تـنفيذ قوله تعالى {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}.

 

ومن هنا حان لكلمة الإصلاح أن تخاطب الموريتانيـين بالإساءة المستمرة في حياتهم ومن أبرزها وأكثرها اعوجاجا وأسرعها سيرا على غير الصراط المستـقيم هو ما اصطلح عليه في ديمقراطية أوربا وإن كانت صادرة ممن لا يرجو لقاء الله فنحن لم نرعها حق رعايتها في الموالاة والمعارضة.

 

فجميع المؤمنين بهذا القرآن (وبأنه بالحق نزل) يدركون أن هذا الاصطلاح لا يوجد في الإسلام ولا سيما عندما يتـلبس به المؤمن سلوكا ولا يفـتـش عن أوامر الإسلام عند مزاولته كما هو مشاهد الآن في سلوك الموالاة والمعارضة في موريتانيا.

 

فالحكومة وعلى رأسها رئيس الجمهورية يتصورون في فكرهم وأفعالهم أن كل ما يطلق عليه اسم المعارضة هو مواطن ببطاقة تعريفه فقط ولا حق له في هذه الدولة عندما يصل إلى علمهم ذلك: فمثلا أي نـتيجة لا بد للحصول عليها من توقيع وزير أو مدير أو إصدار مرسوم رئاسي في شأنها لا يصح أن تـكون لصالح معارض من مواطني الوطن وكذلك فإن المعارضة لو أنجز أي رئيس أو وزير إنجازا يظهر جليا أن هذا الإنجاز من فكر هذا الرئيس أو هذا الوزير حتى ولو كان هذا الإنجاز نـتيجته مستمرة لصالح هذا الشعب فإن المعارضة تحوله بكلامها أو تعـليقها عليه إما أنه لا فائدة فيه أو أنه راجع 100% إلى المصلحة الخاصة لذلك الرئيس أو الوزير.

 

أيظن أي مسلم أن الله تبارك وتعالى عند محاسبته لعبده ومكالمته معه ليس بـيـنه وبـينه ترجمان أن هذه الأفكار أعلاه هي أفكار مسيـئـة في الإسلام وأن إنـتاجها في مصنع أوربا لا يعفيها من هذه الإساءة وهنا يقول الله تبارك وتعالى مخاطبا كل من عـقـله يسمع الخطاب {واتـقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}.

 

وبناء على هذه الحقائق فإن أي حوار شامل مستـقبلا عليه أن يكون عـنوانه حوار شامل للمسلمين الموريتانيـين لا بـين موالاة ومعارضة ولا فـئـة ولا شريحة ولا شرق ولا غرب ولا شمال ولا جنوب وإنما تحت شعار {من جاء بالحسنة فله عـشر أمثالها ومن جاء بالسيئـة فلا يجزى إلا مثـلها وهم لا يظلمون}.

 

وفي الأخـير أذكر بما قاله الله في من يريد الإصلاح {وما يـلقاها إلا الذين صبروا وما يلـقاها إلا ذو حظ عظيم}.