الجمهوريون بزعامة اترامب يقرعون طبول الحرب في الخليج

-A A +A
أربعاء, 2017-02-08 17:17
الدكتور المحامي: محمد سيدي محمد المهدي

شاءت الأقدار أن يكون الجمهوريون منذ الربع الأخير من القرن الماضي أداة لإشعال النيران والحرائق في منطقة الشرق الأوسط وأن يكون وقود هذه الحرائق هو الإنسان المسلم المستهدف في دينه وعرضه ومعتقده وتراثه وإنجازه العلمي والحضاري والثقافي والاقتصادي

وكل ما له صلة بالحياة الكريمة التي تجعله على قدم المساواة مع الشعوب الأخرى المتقدمة، فالإنسان المسلم وبخاصة العربي منه غير مسموح له بأن يقف على رجليه ويبني قاعدة صلبة ترتكز على مشاريع مدروسة بدقة، علمية وتكنولوجية واقتصادية تجعله في مصاف الشعوب المتقدمة، لأن ذلك يشكل خطرا على المصانع الأمريكية بصفة خاصة والغربية بصفة عامة، فلابد أن يظل هذا الإنسان يستورد كافة احتياجاته الضرورية من غذاء ودواء وكل مستلزمات الحياة اليومية من الغرب، وكل من يفكر بإقامة مشاريع تنهي تبعيته للغرب أو تَقَلِصَهَا لابد من تحطيمه، كما حصل مع محمد على باشا في مصر من طرف البريطانيين، وحصل بعد ذلك مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عندما قام بتأميم قناة السويس وشرع في بناء السد العالي، فشُنَّ عليه عدوان ثلاثي بريطاني وفرنسي وإسرائيلي، وعند ما فشل هذا العدوان في تحقيق أهدافه المتمثلة في التراجع عن تأميم قناة السويس وإلغاء تمويل السد العالي من طرف السوفييت وإلغاء صفقة السلاح التشيكية والابتعاد عن التقارب مع الكتلة الشرقية، قامت إسرائيل ربيبة أمريكا المدللة بإيعاز من هذه الأخيرة ودعم ومساندة منها بضربة مباغتة لمصر عام 1967 دمرت خلالها جميع القواعد العسكرية والمطارات والطائرات الحربية ما كان له تأثير سبيل على نفسية الزعيم عبد الناصر الذي أعلن استقالته ورفضها الشعب المصري، وبالحنق والحقد ذاته تم تدمير العراق مرتين الأولى 1991 بدعوى تحرير الكويت بعد التحريض على احتلالها والثانية 2003 بدعوى امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل التي لا وجود لها.

ـ والحقيقة التي لا مراء فيها ولا يختلف فيها اثنان من غير الخونة والعملاء، هي أن القيادة العراقية بزعامة الشهيد البطل صدام حسين استطاعت في زمن قياسي أن تنهض بالعراق ليصبح على عتبة مصاف الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا واقتصاديا وعسكريا، وأن يقترب من التوازن العسكري مع الكيان الصهيوني وهو ما حتم على الغرب خلق مشاكل بينه وإيران الخميني - صنيعة الغرب الذي كان يعيش في منفاه بفرنسا ـ وبعد ثمان سنوات عجاف من الحرب المدمرة خرج العراق منتصرا وكان انتصاره مزعجا للغرب وحلفائه ولاجِماً لإسرائيل عن القيام بأي عدوان على الفلسطينيين واللبنانيين منذ 08/08/1988 حتى انتهاء عاصفة الصحراء 1991م، وخلال هذه الفترة تعرض العراق للعديد من المؤامرات والطعن من الخلف وأرسِل إليه العديد من الجواسيس كالجاسوس لبريطاني (بازوف) ذو الأصول الإيرانية الذي أعدمه بعد إلقاء القبض عليه فأثار ذلك حفيظة العجوز الشمطاء ماركريت تاتشر فألبت بوش الأب على القيادة العراقية فكان ما كان مما أفرزته عاصفة الصحراء.

ـ إن ما نخشاه اليوم ونحذر منه بدافع الأخوة والدين والغيرة على ما تبقى للعرب والمسلمين هو أن ينساق الأشقاء الخليجيون وراء تهور اترامب الذي لا يختلف عن ريجن، وبوش الأب، وبوش الابن، ويدخلهم في حرب خليجية رابعة يكون وقودها وحطامها ورمادها الإنسان الخليجي واقتصاده، فالأمل المتبقي اليوم للأمة العربية ينحصر في الدول الخليجية الشقيقة بعد تدمير كل من العراق وسوريا وليبيا، وخروج مصر من المعادلة لتكبيلها باتفاقية كامديفيد من جهة وما تعيشه الآن من حرب استنزافية تفرضها عليها الجماعات المتطرفة التي هي من صنع أمريكا، فمن المعلوم أن مصر والعراق وسوريا كانوا في طليعة الدول العربية التي تقارع العدو الصهيوني وقد تم تحييدهم، ودول المغرب العربي ليست في وضع يؤهلها لملء هذا الفراغ.

فهناك مشكل الصحراء الذي يُعيق العمل المشترك لهذه الدول فضلا عن مشكل ليبيا القائم وما تمر به تونس من مخاض عسير لم تعرف مآلاته حتى الآن، وكلها عوامل تعقد المشهد المغاربي وتُعطل أي جهد مشترك يمكن تقديمه للإخوة في المشرق العربي خاصة في ظل الخلافات المتنامية بين القطبين الكبيرين المغرب والجزائر، ناهيك عن ما تعانيه منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا من تهديدات الجماعات الإرهابية وما تقوم به من هجمات بين الفينة والأخرى، لذا على الإخوة الأشقاء الذين يحتلون موقع صنع القرار في مشرقنا العربي أن لا ينجرفوا مع تيار المحافظين الجدد في البيت الأبيض لخطورة أهدافه وإن بدت في بعض جوانبها وكأنها تلتقي مع أهدافهم.

ـ إن المحافظين الجدد في البيت الأبيض يريدون تدمير إيران وتلتقي إرادتهم في ذلك مع نتنياه، ولكن أهدافهم لا تقف عند هذا الحد بل يذهب مشروعهم إلى حد خلو منطقة الشرق الأوسط من أي قوة تقف حائلا دون تسَيُّدِ إسرائيل للمنطقة وَتَصَدُرِهَا للمشهد السياسي والعسكري، فقد بدأ هذا المشروع القديم الجديد بعزل مصر عن جسمها العربي وخروجها من معادلة الحرب، ثم اتبعوا ذلك بتدمير العراق فسوريا وليبيا وخروجهم تباعا من المعادلة، ثم زرعوا القاعدة في اليمن وأوجدوا مشكل الحوثي وعلى عبد الله صالح ـ حليفهم طيلة وجوده في السلطة ـ وروجوا لعلاقة بين الحوثي وإيران وًهَوَلُوا من الدور الإيراني في المنطقة، وكان من نتائج ذلك شعور القادة الخليجيين ـ وهم محقون في ذلك ـ بخطر إيران وتمدد أجنحتها في المنطقة الأمر الذي أسفر عن ما يسمى بعاصفة الحزم في اليمن التي لم تتحقق بعد أهدافها العربية وإن كانت حققت أهدافها الغربية بإشعال فتيل نار جديدة عربية عربية على الحدود المتاخمة للمنطقة الحيوية لدول الخليج العربي مما سيضعف هذه الدول عسكريا ويستنزفها اقتصاديا ويبث الفرقة والكراهية بين شعوب المنطقة ويضعف الشعور القومي العربي بالتضامن بين هذه الشعوب ويقلل من احتمال مواجهتها لهذا المشروع مجتمعة خاصة عند تنفيذ مراحله الأخيرة التي تشمل السيطرة بطريقة أو بأخرى على آبار النفط واستئصال الفكر الذي ينتمي إليه منفذو هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

ـ إن الحرب على إيران لن تكون بالسهولة التي قامت بها الحرب على العراق، فإيران لا تحتل دولة عضوا في الأمم المتحدة، ولها حلفاء أقوياء أعضاء دائمون في مجلس الأمن وسيحمونها من صدور أي قرار يسمح بشن الحرب عليها، وإذا ما شنت أمريكا وحلفائها عدوانا عليها خارج مظلة الأمم المتحدة، فإنها بالتأكيد ستجد أعوانا لها يدافعون عن مصالحهم إما أن يتدخلوا عسكريا وتكون حربا عالمية ثالثة يقع مسرح عملياتها داخل منطقتنا وإما أن يمدوها بالأسلحة الفتاكة علاوة على ما عندها هي من أسلحة جد خطيرة.

وبما أن أمريكا بعيدة كل البعد عن مرمى العديد من أسلحتها فإنها ستصب جام غضبها على أهلنا في الخليج وستركز على بنيتنا التحتية لتعيدنا إلى العصور الغابرة.

ـ لا شك أن إيران ستدمر بالكامل، ولكن بالتأكيد سيتم تدميرنا معها خاصة وأن أطراف الحرب لا يمكن حصرها في إيران وحدها ولا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، والنتيجة الحتمية هي تدمير المنطقة العربية، والإسلامية وتقديمها على طبق من ذهب لإسرائيل العدو الأول والأخير للعرب والمسلمين.

ـ صحيح أن القيادة الإيرانية مزعجة وتدخلها في العالمين العربي والإسلامي باديا للعيان، لكن هذا التدخل يمكن معالجته من خلال لجمها برص الصف العربي والتضامن في وجهها لاحتواء نفوذها دون الاستعانة بالأمريكي ضدها، فالمسلم لا ينبغي أن يستعين بالكافر ضد أخيه المسلم وبخاصة إذا كان هذا الكافر لا يؤتمن شره.

- فينبغي أن يكون ما نريده نحن العرب من إيران مختلفا جذريا عما يريده منها اترامب ونتياه، فما نريده نحن منها هو حسن الجوار ومد جسور المحبة والتآخي والتعاضد في الإسلام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لنا، وما يريده الآخرون منها هو تدميرها بمشاركتنا قبل أن يَنْقَضُوا علينا لتدميرنا بعد إضعافنا وتفتيتنا وتمزيقنا كما فعلوا معنا سابقا في كل من العراق وسوريا وليبيا.

ـ إذا كان التدخل في شؤون الدول سببا كافيا لشن الحرب على المتدخلين فلما ذا لا تشن الحرب على أمريكا لتدخلها في العراق وسوريا وليبيا والعالم أجمع؟

ولماذا يطلب من إيران وحزب الله الخروج من سوريا ولا يطلب ذلك من روسيا وتركيا ومنهم على شاكلتهما؟ مع العلم أن تدخل إيران وحزب الله جاء بناء على طلب من حكومة سوريا وهي لا زالت معترف بها في الأمم المتحدة وعضوا كامل العضوية في جميع هيئاتها.

- فازدواجية المعايير قد لا تكون مفيدة في حل القضايا ذات الأبعاد الإستراتيجية، فما دمنا أبحنا لأنفسنا التدخل عسكريا في اليمن بحجة إعادة الشرعية إلى أصحابها فلا يمكننا أن ننكر على الآخرين التدخل لإنقاذ الأسد من المصير الذي وقع فيه عبد رب منصور هادي.

ـ إن طرد سوريا من الجامعة العربية وهي عضو مؤسس وفاعل، ووصم حزب الله والحوثيين بالإرهاب كان خطأ فادحا لأنه سهل على إيران احتوائهم لَمَّا تبرأت منهم حاضنتهم كتبرئها من العراق وتسليمه لإيران على طبق من ذهب.

ولا يفهمن مما ذكرناه هنا أننا ندافع أو نبرر نظامي إيران والأسد من الأعمال الوحشية التي تنسب إليهما ولحلفائهما، بل ندينها تماما كإدانتنا للأعمال ذاتها التي تنسب إلى المعارضة وحلفائها من الغرب والأتراك، ناهيك عن الجماعات المصنفة دوليا بأنها إرهابية، فالجميع يشترك في قتل الشعب السوري بكافة أطيافه وطوائفه وتدمير بنيته التحتية، وسيندم العرب يوم لا ينفع الندم على ما فعلوه بسوريا كندمهم اليوم على ما فعلوه بالعراق وليبيا صرحوا بذلك أم كتموه.

ـ نخلص مما تقدم أنه على القيادة الإيرانية كما القيادات الخليجية التفكير مليا قبل أن يجرهم اترامب وطاقمه إلى حرب خليجية رابعة الخاسر الوحيد فيها هم المسلمون والرابح الوحيد فيها هم اليهود الصهاينة والمصانع الحربية الأمريكية.