الديمقراطية بين عسف بناة و شطط حفاة / الولي سيدي هيبه

خميس, 2017-08-10 18:20

منذ سنتين تشهد الديمقراطية في القارة الإفريقية (أغاندا، البنين، الكونغو، بروندي، النيجر، ساحل العاج، الكامرون، مالي، تشاد، غينيا الاستوائية...) تناقصا ملحوظا و رجوعا بقوة إلى التحايل على الدساتير و المواثيق الوطنية؛ حقيقة مرة لا يبدو أن الدول الغربية مكترثة لها أو ممانعة حتى لها ما شجع و يشجع بعض الديكتاتوريات الصاخبة و الأخرى الصامتة على القفز من جديد على دساتيرها و الاتجاه إلى تغييرها و محاولة ملاءمتها لطموحات حكامها المتجددة.

على الرغم من ذالك تظل، في هذا الخضم، بعض الأحكام في العديد من دول القارة بقيادة رؤساء لهم حضورهم القوي، تجمع بين سيئة الديكتاتورية و حسنة البناء و الإشراف على دول أمسكت بخيط التقدم و سارت على درب التحول.في جمهورية "رواندا" ينجح رئيس من "طينة البناة" لعهدة ثالثة.  و رغم ما يسجل عليه من التضييق على الحريات و الإعلام فإنه و بشبه إجماع مواطنيه رجل البرامج الاقتصادية المذهلة التي صنعت "معجزة" تطور بلده في محيط متخلف ترهقه الحروب و الخلافات من زمن الماضي. و إن الزائر اليوم لـ"بوروندي" لن بصدق حجم التحول الذي أصاب البلد و عمق التحام الرونديين بصفحة الحداثة بكافة أوجهها و منها التقدم المذهل الذي يحققونه في مجال المعلوماتية صناعة و تطويرا للبرمجيات التطبيقية.و في "كينيا" العظيمة بمستوى تعليمها العالي و الفني الرفيع و رسوخ قواعد بنيتها التحتية و احتضانها مقرات منظمات أممية و دولية وعي شعبها و عراقة الممارسة السياسة فيها رغم ما شابها في بعض المنعطفات في الماضي من العنف الشديد فإن الانتخابات الرئاسية تسير إلى حتمية نتائج ديمقراطية لما يبذل من جهد مشترك لشفافيتها و تُحاط به من رقابة على المستوين الداخلي و الخارجي منعا لأن يكون التلاعب "سيد الموقف" و "علامة النكوص" الديمقراطي. 

و إنه من أشد المتابعين لهذه الانتخابات و المهتمين بنتائجها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق "باراك أوباما" المنحدر من أب كيني.و يخضع الرئيس "جاكوب زوما" المضطرب في جنوب إفريقيا ـ الدولة القوية باقتصادها القوي و صناعتها المتقدمة ـ لمساءلة البرلمان و يذعن لقوة كلمته فيه منعا من الرئاسة أو إيذانا بالبقاء حتى نهاية عهدته.نماذج بين أخرى لدول تدار فيها، رغم بعض مظاهر الشطط، السياسةُ على خلفية نضج سياسي عال و وعي مدني رفيع و حس وطني عميق و إيمان بضرورة البناء و التقدم تشارك فيه الأحزاب العتيدة ذات الخطاب العقلاني و منظمات مجتمع مدني تخطت مستوى الانتهازية و غياب الرؤية و الأهداف. و نتيجة لهذا الوضع بالمتسم بالبعد عن "المثالي" من الديمقراطية و الابتعاد عن "أسوء" أحوالها تَظهر هذه الدُّول في حال يَجدر السكوتُ عليه و على الذين أوجدوه و قد فتح ثغرة من "عزم التغيير" تزداد اتساعا مع اتقاد شعلة الوعي فيها؛ نتيجة تعري ضعف الدول التي تقدم ذكرُ نماذج منها لا تمتلك على العكس منها:·       أرضية وعي سياسي جدير بالذكر،·       بنية تحتية تؤشر على قيام نهضة وطنية تستهدف البناء الشامل،·      

محفزات ذاتية إلى ذلك يخلقها في ظل موت الإحساس بتلك الضرورة استدراكُ للواقع المرير.و بالضبع فإن هذه الدول المتخلفة عن ركبي الديمقراطية و التنمية بسبب ما تعانيه من الهشاشة القصوى التي يكبلها الماضي القبلي و الجهوي و الطبقي و الاقطاعي الحاضر بقوة و جهل و ارتكاس فكري و كسل مزمن و انغماس في عقيم الممارسات الاجتماعية المحفوفة بالخرافة و التغني بأمجاد إن لم تكن مصطنعة فإنها مضخمة و مهانة.و لعل هذا البلد بعزوف أغلبية أهله عن العمل البناء و العلوم النافعة، و باستحسانه اتباع مسالك النفاق و الحربائية و الانتهازية و الشدة في المواقف و نأيه عن الحوار الإيجابي و عدم الاكتراث برفع الوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى و منها الصراع و الصدام في حلبات "البحث" عن السلطة لا الوطن و الثراء لا الرفاهية العامة المشتركة متجه من حيث لا يحس أهله إلى الهامش الضيق الملوث بالجهل و الضعف و علامات التلاشي الذي بدأت ملامحه تتضح على حواف العولمة الزاحفة بسرعة العلم.