إستقلالية القضاء الموريتاني بين النص والواقع

-A A +A
أحد, 2019-05-05 00:57

كنت أود ألا أتكلم في هذا الموضوع لأنني حقيقة لا أمل لي في المنظور القريب في تحقق هذه الإستقلالية المنشودة لأمور عدة لا داعي لذكرها الآن.

ولكن أمر مهمة التفتيش العار  للقاضي المتميز السيد سليمان  ولد محمد عمر رئيس  الغرفة الجنائية بمحكمة الإستئناف  بأنواكشوط ،والتي ليست الأولي من نوعها ولن تكون الأخيرة في التعامل غير المشرف للسلطة التنفيذية  وأعوانها مع قضائنا العريق والمحترم،إنهاحلقة تراجيدية من مسلسل طويل وطويل من الغياب التام لإستقلالية القضاء عندنا والتفنن في التعدي الصارخ علي القضاة لمجرد تعبيرهم عن قناعتهم وتطبيقهم السليم للقانون وروحه .

انه من المفارقات الصارخة أن يهب الجميع تضامنا وتنديدا بمسائل فعلا تستحق ذالك ولاينبغي السكوت عليها،لكن أن تمر مرور الكرام مساءلة قاضي جالس ورئيس غرفة جنائية بمحكمة الإستئناف  بأنواكشوط ومايعنيه ذالك من وجوب الوقوف المنصف والمهني علي تدارك مادهي بحقوق الناس وحرياتهم،فتلك لعمري هي طامة كبري وكارثة حقيقية لاتبشر بخير علي الواقع المزري للأسرة القضائية بكاملها وعلي الوضعية المتردية للمجتمع المدني والرأي العام المحلي بأسره .

ومن المعروف والمسلم به بداهة في الأنظمة الديمقراطية الراسخة أن القضاء هو المرجع الأخير والأهم في حماية الحقوق والحريات ،وأن كل عمل حكومي أو فردي ينال من هذه الحقوق أو تلك الحريات ،إنما يخضع حكما وبالضرورة لمراقبة القضاء ،لأن القضاء هو الساهر الأكبر علي تطبيق القوانين والمبادىء القانونية المستخلصة من مجمل القواعد القواعد القانونية ،ذالك أن دور المحاكم إنما هو إظهار هذه المباديء القانونية في معرض حلها للمساءل المعروضة عليها .

ان أهم متطلبات إصلاح الحياة العامة في موريتانيا اليوم وغدا هو تعزيز القضاء ليصير سلطة فعلية موازية للسلطتين  التشريعية والتنفيذية من خلال توفير استقلاليتها وحمايتها من هكذا تدخلات في شؤونها ،أو ممارسة الضغوط علي أعضائه ،فالخطر كل الخطر يكمن فيما هو واقع الآن من اختلال بين في التوازن القائم بين القضاء وكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية ومايعنيه  ذالك من تأثير وخيم في نتائج عمله والثقة به وتالي تغول وديكتاتورية السلطة التنفيذية وأعوانها.

لقد نص الدستور الموريتاني في مادته 90 علي أنه" لا يخضع القاضي إلا للقانون وهو محمي  في إطار مهمته من أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه ". من الصحيح أن الدستور نص في هذه المادة الوحيدة  علي أن القضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم ،لكن الصحيح أيضا أن الفرق كبير بين إستقلالية القاضي في أثناء قيامه بوظيفته وبين  إستقلالية القضاء كسلطة ، فإستقلالية القاضي في مجال إصدار أحكامه يعني أن أي مسؤول مهما كان رئيسا للجمهورية أو وزيرا للعدل أو أو مادون ذالك لايمكن أن يملي عليه قراره أو يثنيه عن قناعته ، فالقاضي يبقي في هذا المجال مستقلا بينه وبين نفسه الأمر الذي يمنحه حرية الإحتكام الي علمه وقناعته ، ولكن في غياب استقلال القضاء كسلطة ليس هنالك مايحمي القاضي من رجال السلطة التنفيذية وحتي رجال السياسة لو أرادوا معاقبته علي ممارسة استقلاله ، وذالك عن طريق مايعود للحكومة ممثلة في وزارة العدل من صلاحيات ظاهرة وغامضة ، وهو الأمر الذي يجعل الخلاص الوحيد يتمثل في ماطالبنا به مرارا وتكرارا وهو جعل المجلس الأعلي للقضاء عندنا هيئة دستورية مستقلة تكون ضامنة لجميع الحصانات والصلاحيات العائدة للسلطة القضائية أسوة  بالسلطتين التشريعية والتنفيذية لأنه" لا يحد