مُقْتَرَحٌ بِتَوْحِيدِ القَامُوسِ السِيًاسِيِ الوَطَنِيِ

-A A +A
أربعاء, 2019-09-25 14:35
المختار ولد داهي،سفير سابق

يَمُورُ المشهد النخبوي و السياسي و الإعلامي بالعديد من "العبارات المفتوحة" و "المصطلحات - الدراعة" "Les Termes-Boubou " و "الكلمات الحقائبية" " Les Mots-Valise " التي يَتَأَنًقُ الساسة و الإعلاميون الموريتانيون باستخدامها بينما   يَتِيهُ و يَضِلُ "المستهلك السياسي و الإعلامي" أحيانا كثيرة بحثا عن دلالاتها  و معانيها و إسقاطاتها  علي الواقع و الفروق  بين بعضها البعض.

و الحاجة ماسة  في أيام الله هذه إلي توحيد القاموس السياسي الوطني حتي تتحدد الضوابط و الشواهد المرجعية و يكون بالإمكان صقل و تنقية المصطلحات الحاملة لأمهات القضايا الوطنية  من كل لبس و غموض و  "تداخل"خصوصا في ظل ما يلاحظ من أجواء انتعاش الديمقراطية و الحرية و التعددية الإعلامية و  تنامي الجدل  و "الصخب" و "المراء" و  "الهرج"  السياسي.!!

و إسهاما متواضعا في التأسيس لمجهود توحيد و تيسير مقروئية القاموس السياسي الوطني سأحاول إعطاء تعاريف مبسطة مانعة  للبس و الغموض و التنازع و التداخل لأربع مصطلحات  هي اليوم من"أمهات المصطلحات السياسية"  الأكثر انتشارا و استخداما و تداخلا و ضبابية في الفروق  ألا وهي  "الوحدة الوطنية"، "اللحمة الاجتماعية"، "الحوار الوطني" و "الحوار السياسي" .

أولا-الوحدة الوطنية:تعتبر الوحدة الوطنية الهدف الأسمي لكل المشاريع السياسية و المجتمعية و قد صاحب ميلاد الدولة الموريتانية دعوات "انفصالية" و "اندماجية" استدعت التأكيد و التشديد علي مسألة الوحدة الوطنية  و جعلها لازمة كل  المبادئ والإعلانات و الأوراق و البيانات و التصريحات السياسية...

لكن مفهوم الوحدة الوطنية أضحي يحتاج إلي تحرير  و تحيين تمييزا له عن بعض الإشكالات و التجاذبات  الاجتماعية و الشرائحية متوسطة إلي عالية الالتهاب؛ و ربما  يحسن أن يتم  تحيينُ تعريف الوحدة الوطنية بحيث يقصد بها " وحدة أعراق و أقاليم هذا البلد وفق قاعدة المواطنة الخالصة التي تضمن  المساواة وتكافؤ الفرص و تُعزز و تُوسع المشترك وتُنمي و تُطور خصوصية التنوع الثقافي.." و تأسيسا  علي هذا التعريف يُصَنًفُ –حصرا-  كل تفكير أو عمل يهدد وحدة التنوع العرقي و الحوزة الترابية للوطن مساسا بالوحدة الوطنية تجب محاربته تماما كما يجب اتخاذ كل السياسات الضرورية لترسيخ قيم المواطنة العادلة و توسيع المشترك و العذر فى المختلَفِ باعتبارها صمامات أمان للوحدة  الوطنية.

ثانيا-اللحمة الاجتماعية:و يعتبر هذا المصطلح ترجمة للمصطلح الفرنسي "Cohésion Sociale  " و هو اصطلاح حديث الاستخدام نسبيا بفضائنا الإعلامي مقارنة مع مصطلح الوحدة  الوطنية و كثيرا ما يستخدمه بعض السياسيين و الإعلاميين  صِنْوًا و رديفا و بديلا  له.

و اقتراحى أن يخصص  مصطلحُ اللحمة الاجتماعية لكل ما من شأنه معالجة الاختلالات و التجاذبات الانفصالية و الحقوقية داخل المكونة العرقية الواحدة.

و تأسيسا عليه يمكن تعريف اللحمة الاجتماعية بأنها: " مجمل السياسات الهادفة إلي رأب الصدع الاجتماعي   الذي سببه "التجاذب الشرائحي الخشن"  خلال التاريخ الحديث للدولة الموريتانية بين الشرائح المكونة لكل عرق موريتاني علي حدة و خصوصا  "التجاذب الشرائحي الساخن" بين الشرائح الاجتماعية "مَحْسُوسَةِ" التفاوت الاقتصادي و "المعنوي" المكونة للعرق العربي."

ثالثا: الحوار الوطني: كثر الحديث خلال السنوات الأخيرة عن الحوار لكن الواضح أن ثلة من السياسيين و ثلة من الإعلاميين يلتبس عليهم الفارق بين الحوار الوطني و الحوار السياسي و الحوار الاجتماعي،...

و يمكن تعريف الحوار الوطني بأنه" الحوار السابقُ أو اللاحقُ لأزمة سياسية أو مجتمعية متوسطة أو  عميقة، الجامعُ لكافة صَنَعَةُ الرأي الوطني من  الساسة ورجال الدين و فعاليات المجتمع المدني و النقابات، ...و هو حوارٌ  يستدعي مراجعات كبيرة  أو متوسطة، مُؤَسِسَةٍ  أو مُحَيِّنَةٍ للعقد الاجتماعي الوطني تفاديا لانهيار الدولة و تفكك المجتمع أو سبيلا إلي استعادة الاستقرار و وحدة الدولة و المجتمع بعد فقدانهما أو تصدعهما".

رابعا: الحوار السياسي:  و  يختلف عن الحوار الوطني من حيث طبيعة المشاركين و مناط الحوار و يمكن تعريفه بأنه "الحوار الذي يجمع حصريا شركاء الهم السياسي دون غيرهم ابتغاء إدخال تحسينات أو تصحيح اختلالات تتعلق بالعملية السياسية و يهدف غالبا إلي  التفاهم علي كل ما من شأنه الاطمئنان علي النظافة و الطهارة  الفنية و "المعنوية" للاقتراع الانتخابي".