تعقيدات المشهد الاسرائيلي في مرحلة ما بعد الانتخابات

-A A +A
أحد, 2019-09-29 20:33

د. سفيان ابو زايدة

لم يشهد النظام السياسي الاسرائيلي تعقيدا كما يشهده هذه الايام  بعد اجراء الانتخابات للمرة الثانية خلال هذا العام و في ظل انسداد الافق في القدرة على تشكيل حكومة من قبل اي من الاطراف و شبح امكانية حل الكنيست مرة اخرى و الذهاب الى انتخابات ثالثة بداية العام المقبل. وان لم يحدث اختراقات في الصفوف او بمعنى ادق خيانات سواء داخل الكتلة الواحدة او الحزب الواحد ستبقى الامور غير قابله للحل.

التعقيدات في المشهد كثيرة و متعدده ، ولكن عنوان الازمة الاساسي  هو بنيامين نتنياهو الذي يبذل كل جهد ممكن من اجل البقاء في السلطة و الافلات من السجن بتهم الفساد حتى لو ادى ذلك الى انهاك الاقتصاد الاسرائيلي و ارباك الحياة السياسية.

نتنياهو الذي فتح النار على كل المؤسسات التشريعية و القضائية و التنفيذية و لم تسلم وسائل الاعلام من لسانه التي اتهمها  بالتواطئ ضده و العمل على اسقاطه من رئاسة الحكومة.

مشكلة نتنياهو ان امكانية تحكمه بهذه السلطات يكاد يكون معدوم بحكم طبيعة النظام السياسي الاسرائيلي المبني على الفصل بين السلطات وان الجميع تحت القانون ولا احد فوق القانون بما في ذلك الرئيس و رئيس الوزراء او قادة الاجهزة الامنية .

حظ نتنياهو السيء انه لا يستطيع ان يحل الكنيست او يعتقل معارضيه او يتحكم في الجهاز القضائي ، و لا يستطيع ان يمنع الشرطة من استكمال التحقيق معه او النيابة من تقديم لائحة اتهام بحقه.

نتنياهو ليس الفاسد الاول الذي يحقق معه في اسرائيل . قبل ذلك تم التحقيق مع رؤساء دولة و رؤساء وزارات ووزراء وقادة عسكريين و ضباط شرطة و لكنها المرة الاولى التي يتمسك فيها مسؤول اسرائيلي بكرسي السلطة رغم شبهات الفساد المتراكمه بحقة.

رابين استقال في مطلع سنوات السبعينات فور الكشف عن حساب لزوجته في سويسرا. و اولمرت استقال قبل ان توجه له لائحة اتهام و قبله عيزرا و ايزمن توصل الى اتفاق بانهاء عمله كرئيس للدولة مقابل اغلاق ملف فساد.

لكنها هذه المرة الاولى التي يواجه فيها النظام السياسي مسؤول فاسد و يرفض اخلاء موقعه سيما ان القانون الاسرائيلي لا يلزمه بذلك قبل ان يتم ادانته في المحكمة .

المشهد السياسي الاسرائيلي معقد لان نتنياهو يلعب على عامل الوقت و  يبذل كل جهد ممكن علي ان يتم توجيه لائحة اتهام له و هو رئيس وزراء مما يساعده قليلا في الافلات من السجن وفقا لحساباته الشخصية.

من اجل ذلك حاول قبل الانتخابات تشريع قانون يمنع التحقيق مع رئيس الوزراء وهو في منصبه.

ومن اجل ذلك الزم اعضاء الكنيست من الليكود بالتعهد بعدم قبول تكليف اي شخص غيره من تشكيل الحكومه.

ومن اجل ذلك تعهد لحلفاءه من متدينين و مستوطنين بالتفاوض على تشكيل الحكومه ككتلة واحده رغم ادراكه ان هذا الامر سيعقد المشهد و سيعيق تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حزب ازرق  ابيض كما يحدث اليوم.

نتيياهو و حزب الليكود يلمحون على انهم قد يعيدون التكليف الى رئيس الدوله قبل انتهاء الفترة القانونية ، وقد يحدث هذا المساء او في الايام القادمه، وذلك في ظل فشل امكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية.

الهدف من ذلك هو كسب الوقت خدمة لاجندة نتنياهو الذي يدفع باتجاه انتخابات ثالثة باسرع وقت ممكن قبل توجيه لائحة اتهام بحقه.

و السؤال هو مالذي يمكن ان يحدث في مثل هذه الحالة، او كيف من الممكن الخروج من هذا المأزق دون الاضطرار الى اعادة الانتخابات للمرة الثالثة؟

الخيار الاول هو في حال فشل نتنياهو و اعادة التكليف لرئيس الدولة سواء قبل او بعد انتهاء الفترة القانونية ، الارجح ان رئيس الدولة سيكلف بني غانتس بتشكيل الحكومة.

و الخيار الثاني  وفقا لموازين القوى الحالية لا يستطيع بني غانتس تشكيل حكومة الا اذا حدثت اختراقات في الصفوف مثل نجاحه في جلب شاس و يهودوت هتوراة .

هذا الخيار ممكن لولا وجود لبيد كجزء اساسي من تحالف ازرق ابيض و موقفه المعادي للمتدينين.

و الخيار الثالث ينجح بني غانتس في اقناع ليبرمان بالانضمام الى حكومته في ظل فشل حكومة وحدة وطنية كان يرغب بها ليبرمان و لكن المشكله في هذا الخيار ان هذه الحكومة ستستند على دعم القائمة العربية المشتركة الامر الذي لن يقبله ليبرمان و لن تقبله القائمة ايضا.

الخيار الرابع ان يحدث ما يخشاه نتنياهو وهو حدوث تمرد في الليكود من قبل الصف الاول الذي في غالبيته يلتزم الصمت في الوقت الحالي  و يطالب نتنياهو بالرحيل باعتباره اصبح عبء ثقيل على الليكود و على النظام السياسي الاسرائيلي. حدوث هذا الامر ان لم يستقيل نتنياهو طواعيه في مرحله من المراحل سيكون حدوثه مسألة وقت فقط.

و الخيار الخامس و الاخير وهو ما لا يريده الرأي العام الاسرائيلي ولا يتفضله معظم الاحزاب وهو الذهاب الى خيار الانتخابات مرة اخرى .

نتنياهو يريد ذلك و لا احد سواه لاعتقاده  ان هذا الخيار قد يخدم مصلحته الشخصية و لكنه يضر بمصلحة اسرائيل و يضر بمصلحة حزب الليكود الذي ليس من المضمون ان لا يدفع ثمن ذلك في صندوق الاقتراع في حال اعادة الانتخابات.

خلاصة القول ان النظام السياسي في اسرائيل يدفع ثمن زعيم يعمي عينيه شبق السلطة ولديه الاستعداد ان يضحي بالدولة و الحزب من اجل مصلحته الشخصية.

كاتب فلسطيني