قراءة في أبرز ملامح نجاح نسخة 2019 من مهرجان المدن القديمة بشنقيط

-A A +A
جمعة, 2019-11-15 09:15

تميزت النسخة التاسعة من المهرجان السنوي للمدن القديمة، التي تحتضنها مدينة شنقيط التاريخية ذات الخصوصية الوطنية متعددة الأبعاد؛ حيث شكلت واحدة من أهم المرجعيات الروحية والثقافية والسياسية في تاريخ موريتانيا قبل وأثناء وبعد مرحلة الاستعمار الفرنسي.

ذلك أن مدينة شنقيط منحت أسمها لكامل موريتانيا وبها عرفت في مشارق الأرض ومغاربها من خلال قوافل العلماء والدعاة وحتى التجار الذين جابوا بلاد المشرق العربي وبلاد إفريقيا جنوب الصحراء ينشرون العلوم الشرعية وتعاليم الإسلام الوسطي السمحة؛ فعرفوا بالشناقطة حملة مشعل الإسلام ونشر تعاليمه وعلوم اللغة العربية بين شعوب وأمم تلك البلاد.

وعلى الصعيد السياسي كانت شنقيط على موعد مع التاريخ من خلال رمزيتها الفريدة كمنطلق للمسار السياسي لأول رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية، عندما احتضنت الرئيس المؤسس المختار ولد داداداه رحمه الله للترشح منها لأول تشريعية أسست لمجلس الحكم الذاتي الذي كان المرحلة التمهيدية الفعلية لقيام الدولة الوطنية المستقلة؛ في سابقة فريدة من نوعها عكست شمولية البعد الوطني للحاضرة التاريخية إذ لم يكن ولد داداه من سكان المدينة أو المنحدرين منها خلافا لما جرى في كافة الدوائر الأخرى من التراب الوطني.

 

رمزية أحيتها نسخة 2019 من مهرجان المدن القديمة (الثالثة في شنقيط) من خلال جملة خصوصيات ميزت هذا الحدث عن سابقيه في شنقيط ووادان وتيشيت وولاتة.. من ذلك على سبيل المثال أن المهرجان هذا العام شكل أول زيارة داخلية لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني منذ تنصيبه مطلع شهر أغسطس؛ ومنبرا لأول خطاب يوجهه للأمة بعد خطاب أداء اليمين الدستورية في نواكشوط.

 

أسلوب الخطاب الرئاسي ومضمونه، كان مميزا أيضا، بالنظر إلى كونه أكثر خطابات رؤساء موريتاتيا باللغة العربية فصاحة وسلامة من الناحية اللغوية؛ وقد بدأه ولد الشيخ الغزواني بمخاطبة زعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية، في سابقة بروتوكولية لم يسبق إليها أي من أسلافه في السلطة..

 

كما تميز بمخاطبة العلماء ورجال الفكر والثقافة بذات الدرجة التي خاطب بها الفنانين الموسيقيين بعد أيام فقط على موجة الجدل التي أثارها موقف أحد الفقهاء غير الودي تجاه هؤلاء.

 

من خصوصيات نسخة شنقيط الثالثة لمهرجان المدن القديمة، والتي شكلت أحد أهم عوامل نجاحه وتميزه، حرص قادة مختلف أطياف المشهد السياسي المعارض في البلد على حضورها؛ ولعل العناق الحار تحت أضواء عدسات كاميرات الإعلام الوطني والدولي، بين الرئيس ولد الشيخ الغزواني وزعيم ورمز المعارضة التاريخية في موريتانيا أحمد ولد داداه كان اللحظة الفارقة والحدث الأبرز في حفل الافتتاح الرسمي للمهرجان.

 

ولئن كانت لجنة تحضير وتنظيم مهرجان شنقيط قد نجحت بشكل مبهر في كسب رهان الصبغة الفريدة للديمقراطية الموريتانية عبر توفير الظروف المواتية لإرساء مناخ سياسي هادئ تحت مظلة الثقافة بما يعكس نهج تطبيع العلاقة بين السلطة والمعارضة؛ فإنها نجحت، أيضا، في كسب رهان آخر على الصعيد الإقليمي المباشر بما ينسجم تماما والدور الموريتاني التقليدي والتاريخي في حفظ وتعزيز التوازن في العلاقات مع كل الأشقاء في دول الجوار المباشر؛ إذ كان لتواجد وفدين حكوميين مرفوقين بفرق ثقافية وتراثية يمثلان كلا من المملكة المغربية والجزائر أثره الإيجابي البالغ في خلق جو من الأريحية والانفتاح بين الأشقاء من الطرفين الجارين أنسى الجميع؛ خلال فعاليات المهرجان على الأقل، حالة القطيعة الدبلوماسية والحدود المغلقة بين البلدين.

 

ولأن موريتانيا (بلاد شنقيط) جسر حضاري طبيعي يجمع بين خصوصية التاريخ والجغرافيا، بين شمال القارة الإفريقية وجنوبها؛ فقد حرص القائمون على المهرجان على دعوة الأشقاء على الضفة الأخرى من النهر الفاصل - جغرافيا - بين هذين الفضائين التكامليبن.

ومثلما قدمت فرق الفلكلور والموسيقي السنغالي عروضا فنية تتناغم تماما مع التراث الإفريقي الموريتاني المميز لمجموعات من سكان منطقة الضفة بموريتانيا، كانت عروض الشعر الحساني والأغاني الشعبية التي قدمها مشاركون من المغرب والجزائر خير دليل على عمق التكامل والاندماج الحضاري بين بين شعوب المغرب العربي الكبير..

 

بينما عكس تواجد فرق أوروبية من إسبانيا وفرنسا لفتة موفقة للبعد الإستراتيجي في العلاقة بين دول مجموعة 5+5 المشكلة لفضاء ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

 

نجاحات نالت إعجاب وتثمين الحاضرين، مشاركين وضيوفا؛ سياسيين و دبلوماسيين، وإعلاميين وحتى من السياح المتواجدين في المنطقة ضمن الموسم السياحي الحالي... وهذا ما دفع بكثير من هؤلاء إلى التعبير عن تقديرهم وتهنئتهم للجنة المهرجان بقيادة الإطار الشاب أعمر ولد إسلمو ؛ المكلف بمهمة في ديوان الوزير الأول.

 

موريتانيا اليوم