مآلات التنافس السياسي بلبراكنة بعد محطة بوسويلف (*)

-A A +A
اثنين, 2020-01-06 17:35

شكل المهرجان السياسي أو قل "إن أردت" الاجتماع السنوي لحلف المسار بقيادة الوزير الأسبق المدير الإداري لشركة اسنيم المختار ولد اجاي مساء السبت بمنطقة بوسويلف التابعة لبلدية جونابة نقطة تحول فاصلة في المشهد السياسي الجهوي عموما وانتهاء أشهر من الجمود والمجاملة طبعت التعاطي بين أبرز الكتل على مدى الأشهر الأخيرة قبل أن تتطور الأمور نحو مزيد من التأزيم أثناء النقاشات التي جرت لتحديد مسطرة المهرجان الأخير لأطر الولاية تحضيرا لمؤتمر الحزب وتأكيدا لولاء المناديب لخيار المرجعية الجديدة.

 

مسار الخلاف منذو الانتخابات الرئاسية

 

نذكر أنه وقبل أشهر كانت الولاية أمام استحقاق فرض عليها الإجماع لعقد مهرجان جهوي جامع تعلن فيه دعمها المطلق لمرشح الإجماع الوطني ساعتها الرئيس الحالي للجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وكان الخلاف كبيرا بين مجمل الأطراف لتحديد هويات المتكلمين في الحدث واتفق الفرقاء (رغم كثرة ما يخالفهم) أخيرا على بيان موحد يلقيه الاتحادي باللغة الفرنسية ويترجمه عنه إلى العربية رئيس المجلس الجهوي باعتبار كل منهما حصل عليه الإجماع ذات يوم لتولي حقيبة جهوية وبات رمزا جهويا من رموز الحزب بغض النظر عن ما استجد من أحداث ومواقف وخرج الكل بصيغة تحفظ بقايا ود فسد جله في ميادين الانتساب.

 

ولأن الكل قبل بالأسماء التي تتولى قراءة البيان الموحد وترجمته في المهرجان آنف الذكر بالنظر إلى مناصبها في الحزب كهيئة أو إطار جامع أراد البشائريون بذات الصيغة وبذات الطرح أن يتم تنسيق لقاء موحد لمقاطعة ألاك مع مرشح الإجماع الوطني عبر الهيئات الحزبية وتولى مهمة الاتصال بمختلف الفاعلين السياسيين رئيس قسم المقاطعة وعندها كان ما كان، ليضطر المرشح لعقد لقاءين مع طرفين يدعي كل منهما السيطرة السياسية بمقاطعة ألاك وهو ما خلق أزمة ثقة ظلت تفاعلاتها قائمة قبل أن تصل مداها بعد رفض البشائريين السماح لأي وجه يمثل إحدى واجهات الكتلة الأخرى بتولي ترجمة خطاب الاتحادي في المهرجان الأخير وما تبع ذلك من مؤشرات تؤكد أن تجربة المهرجانات الجماعية ستتوقف حتما في الأمد المنظور مهما كانت المناسبة.

 

تحضيرات المؤتمر أوصلت المشهد للقطيعة

 

وقد شكلت التحضيرات للمؤتمر الوطني للحزب في الأسابيع الماضية محطة جديدة من محطات التدافع السياسي فيما جسدت مخرجات المؤتمر وجود كتلتين رئيسيتين تتصارعان على الحضور والتأثير في المشهد العام بمقاطعتي ألاك ومقطع لحجار وتم منح كلى الكتلتين تمثيلا في المكتب التنفيذي إضافة إلى الكتلة المجتمعة بمقاطعات الضفة في انتظار أن تحين لحظة استحقاق جهوي مصيري تفرض انصهار أجزائها المتعددة في الكتلتين السابقتين.

 

إرهاصات صراع جديد

 

وأمام حالة الجمود السياسية التي كان من المفترض أن تعيشها الساحة على مدى أشهر عديدة قررت كتلة المسار أن تستعرض ما لديها من واجهات منتخبة منحتها لها الظروف الاستثنائية في حملة الانتساب الأخيرة والاستحقاقات اللاحقة لها في مهرجان أو قل اجتماع سنوي له ظرفيته الخاصة هذا العام ولتستعرض ما لديها من تأثير وعلاقات على المستوى الوطني والجهوي في محاولة لإحداث ردة فعل من كتلة البشائر لتبدأ عمليا مرحلة جديدة من الصراع يكون أهل الشمال هم أصحاب المبادرة فيها.

 

لماذا غاب الحلفاء عن منصة الحديث..

 

ورغم أن الكلمات الرسمية بلغ عددها أزيد من 19 خطابا في المهرجان أو الاجتماع المذكور فإن أيا منها لم يتحدث عن استقطاب جهوي بل ركز أغلبها على الشأن الداخلي لمقطع لحجار والتشديد على الصلابة الداخلية للحلف مع تركيز لافت من شخصيات لها مكانتها الخاصة في الحلف على تقديم الضيوف الحلفاء بأبهى أوصافهم الرسمية "نائب رئيس الحزب، رئيس رابطة عمد لبراكنة، السادة النواب، السيد رئيس الفريق البرلماني للحزب، السادة العمد من خارج مقاطعة مقطع لحجار، وهي إشارات مع وضوح دلالاتها السياسية إلا أنها وردت في بعض الكلمات الرسمية بشكل أكثر صراحة وإن حاول المتحدثون وضعها في سياق الرسائل الموجة لداخل المقاطعة بأن الحلف أكثر قوة وصلابة من أي وقت مضى وأن لديه حلفاء وأنصار في عموم الولاية ...

 

غير أن أيا من الضيوف الحلفاء لم يستدعى للمنصة لإلقاء كلمة في إجراء لافت هو الآخر وإحجام شديد الوضوح عن أخذ مواقف ربما لم يحن وقتها المناسب ولكي تبقى الرسائل في حدود الاستفزاز والتلويح بالقوة أكثر من كونها دعوة صريحة للمواجهة أو إعلانا لبدايتها.

 

هل تشكل ردة الفعل هدية ثمينة للمساريين؟

 

مآلات المشهد اليوم تحكمها طبيعة ردة الفعل المنتظرة من الكتلة الأخرى بمقاطعة ألاك وهي كتلة تعوض ما فاتها من حضور في الواجهات الانتخابية بلديا وجهويا بوفرة في القيادات التي تشكل كل واحدة منها رقما صعبا في المعادلة لما لديها من إرث ورصيد سياسي في الماضي والحاضر ولما تحظى به من مصداقية محليا ووطنيا فضلا عن كونها الكتلة الوحيدة التي بقيت متماسكة منذ الانتساب وإلى اليوم ولديها تمثيل المقاطعة المركزية في البرلمان.

 

صحيح أن السياسة بطبيعتها تقتضي من ممارسيها التفاعل مع مختلف الأحداث صغرت أم كبرت ومواكبة المستجدات ثانوية كانت أو محورية وعدم ترك الميدان للخصم وحده قويا كان أم ضعيفا غير أنها كذلك تقتضي التريث في التفاعل مع كل حدث وكل مستجد تجنبا للسلوك الصبياني وتحاشيا لخوض معارك يختار الخصم توقيتها وزمانها ويحدد ميدانها وسلاحها وهذا الافتراض الأخير قد يحكم حالتنا اليوم كبشائريين حسب تصوري.

 

وقد تأتي ردة الفعل عبر مساعي تقوم بها جماعات وشخصيات تركتها التحالفات الأخيرة تراقب المشهد من بعيد دون أن تكون صانعة لأحداثه أو مؤثرة في مجرياتها فتجد الوقت مناسبا للإعلان عن خط جديد لن يكتب له بحال من الأحوال أن يتماسك طويلا غير أنه سينهي لا شك رتابة المشهد ويدفع بالأمور نحو استقطاب يفضي لتحالفات جديدة، لكن ما لا جدال فيه هو أن أي تحرك باتجاه ردة فعل جادة هو غاية المنى عند المساريين حتى لا تبقى أصداء الاجتماع أو المهرجان حبيسة فضاء بوسويلف.

 

الموقع المنتظر لمقاطعات الضفة في المعادلة

 

أما المشهد العام على مستوى الولاية فتبقى الكلمة الفصل فيه مرهونة بما سيؤول إليه الوضع في مقاطعة ألاك فمقاطعات الضفة تاريخيا ترتبط بقرار الأغلبية الساحقة بمقاطعة بوكى وتلك يربطها مصير مشترك وعقد اجتماعي متين بمقاطعة ألاك.

 

المحصلة 

 

وأيا تكن مآلات المشهد غدا يبقى الوقت لصالح الكتلة الأكثر تماسكا حتى اللحظة في مقاطعة ألاك باستمرارها في التماسك واحتفاظ أطرها وقادتها بمواقعهم في النظام وتعزيز مواقع البعض منهم مقارنة بما كانت عليه أيام حملة الانتساب واستطاعت أن تصمد أمام الخصم أيام اشتداد القوة والتموقع ولا شك أن الحال تبدل والمسار تغير.

 

عبد الرحمن ولد بل/ كاتب صحفي