أزواد والتشويه / عبد الله الشريف

-A A +A
أربعاء, 2014-06-18 14:33

ما يزال كثير من الإعلاميين  بمن فيهم بعض الأزواديين  يتخبطون يمنة ويسرة، تخبط الأعمى وينطبق عليهم المثل القائل: كحاطب ليل. إن محاولة الكتابة عن الشأن الأزوادي تحتاج لأكثر من تعلم الإملاء والعبارات، وهي كذلك أكبر من الألقاب والشهادات. 

أسأل نفسك أنت قبل الكتابة.. هل درست تاريخ المنطقة. تاريخها مع الاستعمار، تاريخها مع "السودان الأفريقي" المسمى حاليا مالي،  تاريخ المنطقة قبل ذلك بكثير.. لا أعتقد ذلك. إن جميع الأحداث الجارية في أزواد حاليا لها جذور تاريخية يعود بعضها للدول الإسلامية التي تتابعت على المنطقة ومنها ما تعود جذوره حتى إلى عصور الرومان قبل ذلك. هناك الأقاليم والإثنيات والقبائل والمدن والقرى واللغات والحرف، والخلفيات الدينية والمذهبية التاريخية لكل ما ذكرت.

 كل هذه الأمور يجب تعلمها ودراستها دراسة جادة واستقرائية حتى تستطيع أن تكتب شيئا صحيحا وواضحا عن المنطقة؛ وبالطبع لا أقصد الكتابة الخبرية لحدث معين متى اكتملت عندك عناصره؛ وإنما أقصد تلك المقالات والدراسات والتحقيقات التي تخرج إلينا يوميا من وسائل الإعلام، وغالبا تحمل في طياتها تفسيرات وتحليلات عارية عن الصحة وتستند في معظمها إلى أجندة خاصة بالكاتب نفسه أو لجهة معينة. هذا إذا لم تكن مجرد مراهقة صحفية في ظل جهل تام بالمنطقة والموضوع، يصاحبها غرور مفرط ونرجسية في الذات.

 إن القضية الأزوادية تنقسم إلى عدة أقسام يجب فهمها جيدا ويمكن اختصارها إلى: سياسية: ضم أزواد إلى السودان الأفريقي "مالي" جنبا إلى جنب مع السنغال على أن يكون لهم الحكم الذاتي في مناطقهم؛ الشرط الذي ضربت به مالي عرض الحائط فور إعلان الاستقلال، مما جعل السنغال تسارع إلى الانفصال بمباركة فرنسية يقابلها قمع الأزواديين بشتى السبل والوسائل. دينية: موافقة الأزواديين على الاستقلال ضمن دولة السودان الأفريقي الإسلامية - ليتفاجؤوا بأن أول رئيس عليهم " موديبو كيتا " الشيوعي الذي كان أول قراراته: طمس أي مظهر من مظاهر شريعة الإسلام وإزالة نظام القضاء وقتل العلماء وحرق الكتب والمحاضر. إضافة إلى ذلك عمليات التهميش والتشريد والمجازر الجماعية التي بدأت حتى قبل الاستقلال وتستمر حتى يومنا هذا. وكانت الثورات الشعبية الأزوادية دائمة القمع سواء من دولة مالي نفسها برعاية فرنسية وبرعاية من بعض دول الجوار أو حتى من بعض الدول البعيدة التي لا علاقة لها بالمنطقة لا من قريب ولا من بعيد. في الثورات الأزوادية الأولى لم يكن هناك داع لذرائع سياسية حتى يتم قمع تلك الثورات الشعبية، فلم يكن القمع يحتاج إلى أكثر من فوهات البنادق وتسميم الآبار وسط التعتيم الإعلامي الممنهج على المنطقة أزواد. بدأت الذرائع مع الانفتاح الإعلامي مؤخرا وتحديدا مع ثورات الشهيد إبراهيم باهنغا الأخيرة رحمه الله قبل وفاته، فكانت الذرائع بتهمة التلصص وتهريب المخدرات، وقد نجحت في وقته تلك الذرائع في قمع الثورة إعلاميا بمباركة القذافي. ثم في الثورة الحالية وبعد سقوط نظام القذافي وانهيار النظام المالي من الداخل بالإضافة إلى الثورة الإعلامية المصاحبة عبر الانترنت - سوشيال ميديا - كان لزاما على المشوهين ابتكار أساليب جديدة وأكثر مكرا. بدأ التشويه الأول بتصوير المنطقة كانها "أفغانستان" أو "الصومال"، وتم السكوت عن ما تتحمله حكومة مالي وحكومات "س ص" جميعا من مسؤوليات تجاه انتشار القاعدة في المنطقة لأكثر من خمسة عشر عاما بمباركة الرئيس المالي السابق "توماني توري". فبدل ذلك تم تحميل المسؤولية للأزواديين بل وتم تصويرهم على أنهم جميعا ( إرهابيون )  وقد ساهمت تنظيم القاعدة نفسها في هذا التسويق إعلاميا. كذلك خرجت علينا تشويهات أخرى حيث لم تفلح قضية الإرهاب وهي جميعا تندرج تحت قسم العنصرية: ومنها "أمزغة المنطقة" وتهدف لإثارة العرب؛ و"البعثية" وتهدف لإثارة الطوارق عموما، و"القبلية" التي تهدف لإثارة النزاعات والتفريق؛ ثم "المتاجرة" وتهدف لإحباط الشعب وثنيه. 

بالطبع ما كان لأحد أن يتربع على منابر هذه التشويهات إلا لحاجة في نفس يعقوب، وهذه الحاجة فهمنا بعضها ويبقى البعض في كنف الضمير لم يفصح عنه بعد ولم تظهره الأدلة والبراهين.

 وإن أول الأسباب التي أدت إلى هذا التشويه الممنهج في غالبه والعشوائي في بعضه، هي الثروات التي تذخر بها المنطقة، والتي تعتبر من ناحية هدف للكثيرين ومن ناحية أخرى كسادا لبضاعة آخرين. كذلك من الأسباب الملموسة أجندة خاصة ببعض الجهات الداخلية منها والخارجية التي تهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية والنزاعات العرقية والقبلية لضمان عدم استقرار المنطقة. 

وهناك أيضا سببا آخر وهو جديد ومتجدد ، ألا وهو استهداف جهات أخرى عبر بوابة أزواد ، واتخاذ أزواد مطية للنيل من تلك الجهات سواء كانت حكومات أو حتى أفراد لا علاقة لهم بازواد ، وهذا بالنسبة لي أسوأ عمليات التشويه.

 وأخيرا، أطلب من الإعلاميين جميعا بما فيهم أزواديين أو غيرهم، محاولة زيارة المنطقة والتنقل فيها بين ولاياتها ومدنها وبين اثنياتها وحركاتها، وعندها تستطيع أن تكتب شيئا سمينا عن أزواد وأهله؛ ولا تتعذر بالحروب وعدم الاستقرار فإن ما يحدث في سوريا والعراق، لا يبلغ منه أزواد حتى نسبة الزكاة. عبد الله الشريف