الشيخ عبد الله بن بيه يبرز مرتكزات الوحدة الإسلامية ومحوريتها (نص الخطاب)

اثنين, 2022-05-09 13:43

نعى معالي الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، من أسمائهم "شهداء الحادث الإرهابي الذي وقع في جمهورية مصر العربية"؛ مبرزاً أن "الدين الإسلامي بريء من الأعمال الإرهابية التي يرتكبها بعض الشباب المختطف عقولهم وقيام البعض باستغلال مفهوم الوحدة الإسلامية لتحقيق أغراض إجرامية".

وتوجه فضيلة العلامة الشيخ بن بيه، في خطاب ألقاه أمام المؤتمر الدولي حول الوحدة الإسلامية المنعقد في أبوظبي، برسائل إلى الشباب والمجتمعات المسلمة آملاً تحقيق ما تصبو إليه من خلال الأخوة الإسلامية والإنسانية وإرساء قيم التسامح والسلام؛ مؤكدا أن أهمية "وحدة المسلمين تتجسد في صلاة الجماعة وصلاة العيدين والحج، وفي الحث على طاعة أولي الأمر".

نص الخطاب:

الحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

 

معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش حفظه الله 

أصحاب المعالي والفضيلة والسماحة كل باسمه وجميل وسمه 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

 

بداية، يسرني أن أتوجّه إلى القائمين على هذا المؤتمر بجزيل الشكر على الدعوة لهذا اللقاء الهامّ الذي ينعقد تحت الرعاية الكريمة لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان.

وبين يدي مؤتمرنا هذا اسمحوا لي أن قدم بعض الأفكار السّريعة، التي أظن أنها تتفق مع هدف المؤتمر ومقاصده. نجتمع اليوم لنتحدّث عن “الوحدة الاسلامية: الفرص والتحديات”، وربما يكون الموضوع الأمثل والأقرب هو “الوحدة الإنسانية: الفرص والتحديات”،   وهو موضوع يهدف تناوله -من وجهة نظري- إلى غايتين، الاولى التذكير بأهمية التعاون والتآزُر والمحبة والمودة بين المسلمين مما هو معروف ومألوف عملا بقوله تعالى "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين".

وأما الغاية الثانية المهمة فهي داخلة في العمل على تصحيح المفاهيم، ومفهوم الوحدة الاسلامية -كما لا يخفى عليكم- لم يسلم من تحريفَ الغالينَ وانتحالَ المبطلينَ وتأويلَ الجاهلينَ فتم استغلاله لأغراض إجرامية تحاول الانتقاص من شرعية الدول الوطنية ومشروعيتها متخذة من الخلافة والجماعة شعارا ومن الارهاب والاحتراب وسيلة. 

وكلا الغايتين من التطرق إلى هذا الموضوع مشروعة. فالغاية الأولى تزكيها النصوص الشرعية في مواضع كثيرة وسياقات متعددة، 

والغاية الثانية وهي تصحيح هذا المفهوم وصيانته من الاستغلال الذي يعود على أصله بالبطلان. هي غاية توجبها مصلحة المسلمين وحقن دمائهم من عبث الخارجين على القانون، الدافعين بالشباب إلى أتون الاحتراب وبالأوطان إلى هاوية الخراب، في خلط وتخليط واستخدام مجتزأ لنصوص الشرع منفصل عن المقاصد ومنقطع عن الواقع.

ويٌذّكر الحادث المؤسف الذي شهدته مصر الشقيقة بالأمس بأن طرفا من شباب المسلمين مازال مختطفا من قبل أصحاب الافكار الضالة الذين يرفعون شعار الدين والدين من أعمالهم براء وهم بأثم ما جنوا قد باؤا، مما ينبه على الحاجة للعمل على تصحيح المفاهيم مع ما نهضت به وزارة الأوقاف في مصر والأزهر الشريف من تبيان للحق وتصحيح للمفاهيم. فنعزي أنفسنا وأهلنا في مصر حكومة وشعبا. 

 

أيها الحضور الكرام،

وحدة المسلمين تتجسد أهميتها في صلاة الجماعة وصلاة العيدين والحج وفي الحث على طاعة أولي الأمر: فالإسلام هو دين التوحيد ودين الوحدة، وحدة الشعور ووحدة الشعائر والمشاعر.

وهي وحدة غير طاردة للمشترك الإنساني فالله سبحانه تعالى ينبه في القرآن الكريم على وحدة الأصل الإنساني وعلى كرامة الإنسان. تارة بتوجيه النداء للناس: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) وتارة بتنبيههم على الأصل الآدمي: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا). فوحدة المعتقد لا تنافي اعتبار المشترك الإنساني ولا تدعو إلى شن الحروب على البشرية وبهذا تكون الوحدة المزعومة دعوة إلى التفرقة والتدمير لا سيما في عصر تمازجت فيه الحضارات وتزاوجت فيه الثقافات واشتبكت فيه المصالح والعلاقات وأصبح المشترك الإنساني أهم عنصر في نشر السلام في العالم. وقد تطرقنا لذلك أكثر من مناسبة مستلهمين معاني ومضامين صحيفة المدينة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.  

والسلم مقصد من أهم المقاصد الشرعية فقد حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة من أوضحها دلالة وأهمها راهنية حديث: (بذل السلام للعالم). وهو حديث عمار الذي أخرجه البخاري موقوفاً محكوماً له بالرفع ووصله غيره. تلك هي الرسالة التي يجب أن يرسلها مؤتمرنا هذا لمن يجعلون من الوحدة الإسلامية حصان طروادة للحروب ومبرر قلق للشعوب وللدول الوطنية. 

فالمُسلِمُ مَن سَلِمَ الناس مِن لِسانِه ويَدِه، والمُؤمِنُ مَن أمِنَه الناسُ على أمْوالِهِم وأنْفُسِهم، والمُهاجِرُ مَن هَجَر مانهى الله عنهَ، والمُجاهِدُ مَن جاهَدَ نَفْسَه في طاعةِ اللهِ. 

تلك هي المعاني السامية للتعاليم النبوية الشريفة والتي يرشحها الزمان والمكان في وقت تقلصت فيه المساحات وانكمشت فيه الخصوصيات وأصبح مصير البشرية مشتركا وضرورة لا يخطؤها البصر ولا تنبو عنها البصيرة.

إن الدعوة إلى القيم المشتركة والسلام والتضامن ونبذ الحروب والتآزر لدرء المفاسد والجوائح والفقر كلها قيم تزكيها الأديان والعقول ومؤصلة من حلف الفضول. وقد وضحنا تطبيقات ذلك وآلياته في (ميثاق حلف الفضول الجديد) الذي أطلقناه من هنا، من أبوظبي عاصمة التسامح وشارك فيه أكثر من 400 ممثل للأديان المختلفة سنة 2019م.  

فأفق الوحدة المنشود لا يمكن أن يكون مبررا لسلب الدولة الوطنية حقها في الشرع والشرعية والمشروعية فالدول الوطنية في عالمنا الإسلامي اليوم مع اختلاف أشكالها وصورها، هي نظم شرعية لها من المشروعية ما كان للإمبراطوريات الكبرى التي كانت قائمة في التاريخ بناء على قانون المصالح والمفاسد الذي تدور حوله أحكام الشرع. كما أوضحنا بجلاء في المنتدى الثالث الذي خصص للدولة الوطنية (2016) وكذلك في منتدى أبوظبي الأخير عن المواطنة الشاملة (2021).

 

أيها الحضور الكرام، 

يمكن أن نختم بالرسائل المختصرة التالية: 

لا تنافي الوحدة شرعية ومشروعية الدول الوطنية،

لا تنافي الوحدة المشتركات الإنسانية،

لا تنافي الوحدة المواثيق والعهود والعلاقات الدولية، 

تلك هي الرسائل الواضحة التي يجب أن نقدمها لشباب الأمة في هذا الظرف العالمي، فلا طائفية طاردة ولا مذهبية جامدة ولا عنصرية حاقدة. 

ولعلنا لا نجافي الحقيقة ولا المصلحة إذا قلنا أن الوحدة البشرية تمثل فرصة للمجتمعات المختلفة في أن تقدم أحسن مالديها وأفضل ما تملكه من قيم وسماحة وتسامح، ذلك ما أدركته قيادتنا الرشيدة حيث جعلت من التسامح والتعايش مبدأ من مبادئ الخمسين سنة القادمة ووزارة على رأسها الراعي الكريم لهذا المؤتمر. 

 

وختاماً أرجو أن يتحقّق لنا بعض ما نصبوا إليه من الائتلاف والأخوة الإنسانية ونشر قيم التسامح والسلام، متمنيا لمؤتمرنا هذا النجاح والتوفيق. 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.