ولد سيد يحي يكتب … لماذا غزواني مرة ثانية؟

جمعة, 2024-04-19 16:42

سؤال بدأت تطرحه ثلة من المدونين وأطياف المعارضة، وهو بالنسبة للأغلبية السياسية الحاكمة غير مطروح، لأن الدستور الموريتاني يكفل لرئيس الجمهورية الحق التلقائي في الترشح لخلافة نفسه في ولاية ثانية، وخصوصا إذا كان الرجل يتمتع بأغلبية ساحقة في البرلمان والمجالس الجهوية والمحلية، يضاف إليها اصطفاف أغلب رموز المعارضة التاريخية خلفه لأول مرة في تاريخ موريتانيا السياسي المعاصر..

يتعلق السؤال المطروح في أوساط بعض الشباب والمدونين باختلاف حول الشرعية السياسية وليس المشروعية القانونية، بعبارة أخرى يتعلق الأمر بتقييم بعض الموريتانيين لأداء الرئيس وحكومته خلال الخمسية التي توشك على الاكتمال.هل نجح فخامة رئيس الجمهورية في تحقيق أهم تعهداته في مأموريته الأولى؟

وما هي أهم التحديات التي تواجهه حال انتخابه في مأمورية ثانية؟في المجال السياسي يمكننا أن نؤكد أن الرئيس غزواني حقق نجاحا باهرا في إرساء مناخ من التهدئة السياسية مع الطيف المعارض بشكل لا نبالغ إذا قلنا إنه غير مسبوق، حيث استراحت المعارضة من الحرب المفتوحة التي دشنها العهد الطائعي، وواصلها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حتى أنها من فرط إعيائها ارتمت في أحضان النظام، مما جعلها تفقد الكثير من أوراقها، كما شهدت بذلك الانتخابات التشريعية والجهوية في مايو المنصرم.

وكان فتح أبواب القصر الرمادي أمام الجميع، وإرساء سنة التشاور الدائم مع وزارة الداخلية أسلوبا ناجعا طبع المأمورية الأولى لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.وفي المجال الاجتماعي يمكننا أن نقول إن النظام الحالي نجح إلى حد كبير في تخفيف وطأة أزمتين كبيرتين أثرتا على العالم؛ هما أزمة وباء كوفيد والغلاء الذي أعقب الحرب الأوكرانية، وكانت سياسة التآزر التي استفادت منها عشرات آلاف الأسر، علاجا تكتيكيا ساهم في تخفيف آلام الفقراء رغم الصعوبات الاقتصادية التي يشهدها العالم أجمع.وعلى المستوى التربوي شكلت فكرة المدرسة الجمهورية مشروعا طموحا وواعدا رغم أنه يسير بوتيرة بطيئة، وعرف التعليم العالي تحسينات هامة على مستوى البنية التحتية، وبعض البرامج، وتعد الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي وثيقة طموحة إذا هي حصلت على الموارد الضرورية.

أما على المستوى الاقتصادي والتنموي، فقد كانت تحديات الوباء والغلاء سببا في تسجيل نتائج متوسطة، مقارنة بالآمال الكبيرة التي علقها الموريتانيون على رئيس الإجماع الوطني.

ورغم استقرار الوضع المالي للبلاد، وتوفير الموارد المالية لإنفاق عمومي كبير (مضاعفة الميزانيات)، عرفت القطاعات التنموية الأساسية تحسنا نسبيا ظل دون مستوى التطلعات، وخصوصا في مجالات الزراعة، والتنمية الحيوانية، والصيد البحري، وقطاعات الخدمات الأساسية مثل الطرق والكهرباء والماء..

واذا كانت الظروف الدولية عاملا حاسما في فرملة عجلة التنمية، فإن الأداء الإداري سار بوتيرة غير مناسبة، رغم توجيهات رئيس الجمهورية كل مرة بضرورة تقريب الإدارة، وتحسين مستوى الحكامة، ومحاولة تنشيط العمل الحكومي..ويمكننا أن نصف المأمورية الأولى لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بأنها مأمورية إرساء دعائم السكينة والاستقرار السياسي في محيط إقليمي ودولي مضطرب أمنيا واقتصاديا، ومن هنا فإن مصلحة البلاد هي البناء عليها في مأمورية ثانية لاستكمال مسيرة التنمية بوتيرة أسرع وأقوى.لماذا غزواني مرة أخرى دون غيره من المرشحين؟

لأن الإجماع السياسي حول الرجل من قبل النخبة العسكرية والمدنية في البلاد هو صمام الأمان في وجه التقلبات الأمنية والاقتصادية التي تعرفها المنطقة والعالم، كما أن أسلوب الرئيس غزواني الذي عالج به القضايا الحساسة أثبت جدارته في مواجهة الأزمات..

نعم تحتاج موريتانيا إلى تغيير في وتيرة التنمية وأسلوب الأداء الحكومي، ولكن ذلك أمر لا يستطيع أن يفرضه إلا رئيس يتمتع بدعم سياسي كبير من القوى الحية في البلاد، وهو ما يختص به الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وبفارق كبير عن جميع من يطمحون لمنافسته.ولا شك في أن برنامج رئيس الجمهورية للمأمورية القادمة سيعمل على رفع تحديات رئيسية، لأن طبيعة المرحلة تفرض ذلك، فالوفرة المالية القادمة مع عائدات الغاز والهيدروجين الأخضر، بحاجة لنمط حكامة مختلف وأولويات أخرى نظرا لعاملين أساسيين:

 أولهما، أن رئيس الجمهورية سيتخفف من الضغط السياسي، الذي يسوده أسلوب الولاء مقابل العطاء، مما سيمكنه من اعتماد الكفاءة والإنجاز كمعيار أول في الترقية السياسية والإدارية، واعتماد أسلوب في الحكامة ومحاربة الفساد، يقوم على الرقابة القبلية والمتابعة المواكبة التي لا تكتفي بمحاسبة الإجراءات دون النتائج...

ثانيهما، أن الرأسمال الرمزي الكبير الذي يحمله الرجل سيجعل أولويته الكبرى وضع بصمة تنموية واضحة وباقية تخلد ذكره في ذاكرة الوطن.

إن العنوان الأكبر للمأمورية القادمة ليس مجرد التوزيع العادل للثروة وإنما هو خلقها، إنه تحول موريتانيا من دولة ريعية إلى دولة منتجة... ومن هنا فان الفائض المالي من الغاز والذهب والمعادن، سيوجه للنهوض بالتعليم والصحة والبنية التحتية، والاستثمار في مجالات الصيد والزراعة والتنمية الحيوانية، وكما قلت في مقال سابق؛مالم يصبح راتب المعلم والطبيب مغريا، وعدد الطلاب في الحجرة الدراسية بالمدن الكبرى في حدود الأربعين، ويتبارى الأساتذة الجامعيون في البحث العلمي و النشر والتأليف..

ومالم ننجح في تعليب فائض الألبان السنوي بين شهري أغسطس وسبتمبر، وتصنيع الجلود، وإنتاج ما يكفي من الأعلاف، واستغلال نصف الأراضي الصالحة للزراعة على النهر..

ومالم لم نتمكن من فرض تصنيع معظم صادراتنا من السمك و خامات الحديد، فإن اقتصادنا سيظل ريعيا تابعا لأسعار المواد الأولية في العالم..

يتمحور رفع التحديات القادمة في محاربة عملية للفساد الذي عشعش في الإدارة الموريتانية، ولا يحتاج الأمر مجرد تغيير الكادر البشري فقط، فلابد من محاكمة الإنفاق العمومي على النتائج المرجوة دون الاكتفاء بمحاسبة الأساليب..

إن مواكبة البرامج قبل، وأثناء، وبعد تنفيذها يقتضي إدارة نشطة تركز على المتابعة والتقييم في كل المراحل..

وسيكون تعزيز القيم الدينية والثقافية التي تحارب الترف والكسل والاستهلاك، وتعلي من شأن الجدية والإنتاج عنوانا لأمة تريد أن ترسم مستقبلها في عالم لا يرحم الضعفاء..

 مع مأمورية ثانية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، نضمن التغيير الآمن في ظل الاستقرار، ونتجنب الهزات العنيفة التي تكون سببا في إضاعة جهود التنمية، وهدر مقدرات الشعوب.. "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" صدق الله العظيم